أعماله الزيتية تمنح الكثير من المشاعر، وتضفي متعة خاصة، ربما تكمن قوتها في المهنية العالية وفي التأليف اللوني الذي يحول الطيران إلى تحريض على التحليق، وإحساس آخر بالوجود في الكون، والانتماء إلى المجرات الطائرة والأشياء المحلقة في اتساع الكون ورموش المدى ضدا على الجاذبية الأرضية الذاهبة نحو الأسفل، ذاك هو أحمد النوايتي رسام الطائرات المغربي المحلق فوق طبقات الأوزون. ربما يكون فن «الأيرونوتيك» أو الرسم الجوي فنا غير معروف على الإطلاق في مجال الفنون التشكيلية المغربية، الفضيلة الوحيدة في المجال تعود إلى الفنان التشكيلي المغربي أحمد النوايتي، حيث عرض مؤخرا في المعرض الأول للطيران في «أيرو إكسبو» في مراكش، وسط اندهاش الجميع من هذا اللون الفني غير المعروف كممارسة شائعة في الوسط الفني المغربي والعربي على حد سواء. عرض أحمد النوايتي في إكسبو مراكش 50 لوحة زيتية تمثل مختلف الطائرات المدنية والعسكرية، واعتبر المعرض استعراضا لأهم محطات الطيران بالمغرب منذ الاستقلال إلى الآن، و لقي الرواق نجاحا متميزا وإقبالا جماهيريا من طرف التقنيين الطيارين والعسكريين المغاربة والأمريكان والفرنسيين وغيرهم من الأجانب المشاركين في المعرض. ويمثل المعرض، الذي احتضنته القاعدة العسكرية قرب مطار مراكش المنارة، 20 سنة من فن رسم الطيران، ويعتبر الفنان أحمد النوايتي الفنان الوحيد المختص في هذا الفن في إفريقيا والعالم العربي. وقد انطلقت مغامرته الأولى في فن رسم الطائرات في سنة 1987 عندما نظمت أول مباراة للرسم حول موضوع» القوات الجوية الملكية» تحت إشراف المرحوم الجنرال القباج، وقد فاز النوايتي بالجائزة الأولى. ومنذ ذلك الوقت بدأ المشوار الفني في مجال رسم الطيران. في أعماله «الطيرانية» نوع من الحلم بالتحليق ورغبة في الرفرفة وهوس بالأشكال الحقيقية أو المتخيلة للطائرات ومقدرة على جعل هذا التعاطي فنا قائم الذات، له مقوماته الجمالية والفنية وقابلا للتلقي على غرار باقي الفنون البلاستيكية. ومنذ سنة 1987، يواصل الفنان أحمد النوايتي عمله في المجال، دون أن ييأس أو يتراجع، صاقلا موهبته بالدراسة الأكاديمية وبالانفتاح على أشكال فنية أخرى ومنها الرسوم المتحركة والأشرطة المصورة، حيث أصدر كتابا في الموضوع حول التاريخ المغربي انطلاقا من فن الأشرطة المصورة، وهو العمل الذي تطلب منه بذل جهد كبير على المستوى العلمي والمعرفي استمر لأكثر من ثلاث سنوات. ربما لو استمرت تلك المسابقة الخاصة بالرسم الجوي لكانت الأمور تغيرت إلى الأمام، ولأصبح في المغرب رسامون من عيار النوايتي، لكن المسابقة كانت هي الأولى والأخيرة وظلت يتيمة، ولم يقيد لهذا الاتجاه الفني أن يتوسع ويضمن جمهورا أو حضورا إلى جانب اتجاهات الفنون البصرية الأخرى. واصل النوايتي مشواره، وهو الآن أستاذ للرسم، كما يواصل عمله في مجال الأشرطة المصورة، حيث يعد الكثير من المشاريع في هذا المجال. الطائرة هي حلمه، كأنه مشدود إلى الأعلى، يعشق رشاقة الكثير من الطائرات، وبالأخص الطائرات العسكرية من مثل الميراج والفينيق وتيكسان، محاولا أن يلقي نظرة على تاريخ الطيران في المغرب. هو لا يكتفي بهذا العشق لكنه يتخيل ويبدع أشكالا جديدة من الطائرات يضع لها تصورا أوليا في مشغله الفني في الرباط، ومن هناك، ينطلق إلى ابتداع شكله الجيد معززا نظرته الفنية بولع عميق بالطيران وبنظرة متفلسفة إلى الفوق أو إلى الجو، لأن الجو، في فهمه، ليس مجالا للمتعة وللتحليق الحر، ولكنه فضاء مفتوح على الخطر وعلى اللامتوقع. لقد ظل حدث المحاولة الانقلابية في سنة 1972، مثلا، حدثا بارزا في ذاكرة الفنان، ولقد جسده في بعض أعماله، مشيرا إلى أن الخارق يمكن أن يقع حتى في الجو، وحتى في الفضاء المفتوح. أعماله الزيتية تمنح الكثير من المشاعر، وتضفي متعة خاصة، ربما تكمن قوتها في المهنية العالية وفي التأليف اللوني الذي يحول الطيران إلى تحريض على التحليق، وإحساس آخر بالوجود في الكون، والإنتماء إلى المجرات الطائرة والأشياء المحلقة في اتساع الكون ورموش المدى ضدا على الجاذبية الأرضية الذاهبة نحو الأسفل.