ساهم خروج بعض الأفلام المرتبطة بوقائع تاريخية وسياسية أساسا في تفعيل الحديث حول صحة المقاربات السينمائية ومدى حضور الوعي لدى المخرج المغربي بالحاجة إلى اعتماد التاريخ، خاصة السياسي منه، لتدقيق إبداعية أعماله. ومن الأفلام التي استدعت مثل هذا الحديث، هناك الفيلم التلفزيوني الفرنسي «قضية بنبركة» وفيلم «فين ماشي يا موشي» وفيلم محمد إسماعيل «وداعا أمهات»، وكلاهما نزلا إلى القاعات السينمائية مؤخرا. وما يهم طرحه على هامش هذا ليس تحليل هذه التجارب والوقوف بشكل مفصل على كيفية تعامل سينمانا مع بعض الوقائع التاريخية، فهذا ما يمكن أن نخصص له دراسة خاصة، بل طرح بعض التساؤلات الهامة حول الرؤية المتحكمة في استحضار التاريخ الوطني في السينما والخلفيات المشجعة على تقييمه، خاصة بالنسبة إلى التاريخ المنسي وتاريخ المقموعين. لقد شكل التاريخ دوما مادة أصيلة لإثراء المتخيل الإبداعي، وكان أن استحضرته السينما المغربية لكن بشكل غير كثيف وبانتقائية كبيرة. وبالنسبة إلى كثيرين، فإنهم لم يفكروا في التاريخ ووقائعه الحارقة إلا حين أصبحت متداولة لدى الجميع، وتم الإعلان رسميا عن السماح بالحديث عنها، وهذا بالضبط ما حصل مع المجاهل المظلمة للسبعينيات ومع الهجرة السرية. وعلى الرغم من أننا نجد الآن مجموعة من الأفلام جعلت من التاريخ أرضية لها، من قبيل «معركة أنوال» و«كابوس» وبابو» و«44 أو أسطورة الليل» و«عطش» و«درب مولاي الشريف» و«طبول النار»... فإن هذا ليس شيئا كبيرا، خاصة حين نجد أن العديد من هذه الأعمال لا يتأسس على وعي تاريخي فاعل. وما نعنيه بالارتكاز على الوعي التاريخي الفاعل في الممارسة السينمائية والفنية عامة، هو تمثل الوقائع التاريخية والمجتمعية بناء على أرضية المعرفة التاريخية وربط الواقعة بشروطها التاريخية والعامة التي أنتجتها، وعدم عزلها عن أصلها الاجتماعي، وهكذا تصير السينما نفسها علاقة إنتاج اجتماعية خاضعة للتاريخ ولمنطقه، وممارسة غير مجردة وغير معزولة، مما يجعل قيمتها تتحدد انطلاقا من طبيعة الوعي المؤطر للاشتغال بها وماهية الوظيفة التي يتم السعي إلى خدمتها عبر هذا الاشتغال. وحين نربط الاشتغال الفاعل على المادة التاريخية في السينما بالوعي التاريخي، نحيل على حقيقة الممارسة الإبداعية في السينما كفعل مطالب بالإنصات إلى احتياجات المرحلة التاريخية وندائها حين يكون ذلك ضرورة ملحة في منطق التاريخ، وليس في المنطلق الخاص للمبدع أو للجهات المحركة له، والتي تهمها كثيرا في أزمنة محددة أن يتم إسنادها لتصحيح اختلالاتها أو تجاوز الصورة التي كرستها هي نفسها في مرحلة ما، وهذا ما تم خاصة بالنسبة إلى بعض أفلامنا التي لم تستطع الاشتغال على التاريخ باعتبار ذلك يكرس معنى ما للحقيقة، حقيقة الجهة الغالبة، أو حقيقة استعدادها لتغيير جلدتها المكروهة بالنسبة إلى الجميع، وما يوضح هذا الأمر أكثر هو التغييب الفاجع للتاريخ المضاد عن السينما المغربية، وتغييب الأسماء التاريخية الملحمية، وانتفاضات الشعب المغربي، وعنف محو المختلف والنقيض، وتاريخ القهر، وخبايا التواطؤات التاريخية الكبرى التي انطبع بها تاريخنا المعاصر، بما في ذلك وقائع اتفاقية إكس ليبان، وتصفية المهدي بنبركة وتهجير اليهود المغاربة إلى أرض فلسطين، وتصفية المقاومة المغربية بعد الاستقلال... يبدو تغييب كل هذا مسألة غير مبررة، خاصة أن أشياء كثيرة تم استحضارها في أعمال أحد أقوى الأفلام حول ذلك سنة 1972 هو « L’attentat » (الاغتيال) لصاحبه Yves Boisset، الذي شاهدناه في حلقات ضيقة لسنوات، واعتبره الكثير من المهتمين بالفرجة السينمائية المختلفة دوما منطلقا للحديث عن فاعلية ربط السينما بالتاريخ. لكن ما يبدو لنا اليوم أكثر فاعلية هو أن بناء معنى إيجابي للاشتغال على السينما والتاريخ بالمغرب، لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال فهم عميق لالتباسات التاريخ الوطني، وفهم أعمق لكيفية جعل هذا التاريخ الوطني خادما لمشروع السينما الوطنية.