[email protected] وصلتني رسالتان خلال نهاية الأسبوع الأخير من قارئتين، واحدة من فرنسا والثانية من المغرب. الأولى من طبيبة شابة تبلغ تسعا وعشرين سنة من العمر، تستكمل في باريس رسالة تخصص نادر في طب الأعصاب، وتفكر في العودة إلى المغرب لكي يستفيد وطنها من خبرتها الطبية. لكن لديها رسالتان تود إيصالهما إلى من يهمهم الأمر. والرسالة الثانية من قارئة اسمها بسمة، تعد دكتوراه في المغرب، ترفض الهجرة إلى الخارج رغم تعرض عائلتها قبل أسبوعين للطرد من السكن الوظيفي. الرسالة الأولى من أسماء.م تتضمن شقين، واحد موجه إلى الرجال، أو نوع من الرجال على الأصح، والثاني إلى ياسمينة بادو وزيرة الصحة. نبدأ بالرجال : «عندما أعود إلى بلدي أحب أن أتمشى قليلا وأن أستمع إلى الناس يتحدثون، أن أتنفس هواء جديدا، أن أنظر إلى السماء وأقول أنني في وطني، في أرضي، وهذا البحر هو بحري، وهذه الشجرة شجرتي. لكنني أصاب بخيبة أمل كبيرة، إذ لا يمكنني التحرك سوى داخل سيارة. وإذا كنت سأسير على قدمي فإنني أطلب من أخي أن يرافقني، وهذا يحزنني كثيرا. فكلما خرجت لوحدي من البيت أعود باكية، بسبب عدوانية الناس وأحكامهم المسبقة. أعترف أنني أصبحت أخاف الخروج في المغرب بمفردي. أصبحت أشعر بالرعب كلما رأيت رجلا يتجه نحوي. لقد عشت في أوكرانيا ثماني سنوات، وفي باريس ثلاث سنوات ولم يحدث أبدا أن شتمني أحدهم في الشارع لمجرد أنني امرأة. لكن في المغرب فالأمر يكاد يكون كارثيا، لأنني في يوم واحد أكاد أسمع كل الكلمات النابية التي في القاموس. لا أعرف لماذا عندما تكون المرأة على قدر من الجمال في المغرب فإنها تتعرض للشتائم المجانية. وأول شيء أفكر فيه عندما سأعود إلى المغرب هو كل تلك الكلمات النابية التي سأسمعها. لذلك لا أريد العودة ما دمت لا أتوفر على سيارة. لا أريد أن أتنقل في الحافلة أو سيارات الأجرة. فإلى جانب سيارات الأجرة هناك دائما سيارات أخرى يطلب منك أصحابها الركوب ويقترحون عليك 200 درهم، وعندما ترفض العرض يرفعون السعر. وأنت بدموع في عينيك تحاولين أن تفلتي بجلدك من نظرات الناس. وأسال نفسي كيف يمكنني العودة للعيش في هذا البلد، حيث الرجال يعتقدون أنهم بمجرد شتم المرأة فإنهم يثبتون فحولتهم. لقد كنت في الهند وأمريكا اللاتينية وأمريكا الشمالية وأوربا وشرق الفيتنام والشرق الأوسط، ورأيت كيف أن شتم المرأة بالكلام النابي يعتبر من أكثر الأشياء إثارة للخجل في ثقافتهم. لا أقول بأن هذه الثقافات لا توجد فيها إهانة للنساء، لكن تبقى قضية شتمها من الأشياء المثيرة للخجل. في المغرب عندما تشتم امرأة أو تضربها فإنك تثبت فحولتك وترضي أنانيتك، وتكون فخورا بحكي ذلك للجميع». أما بالنسبة لياسمينة بادو فرسالة أسماء إليها هي كالتالي: «كل الأطباء المغاربة الذين حصلوا على دبلوماتهم في الخارج (باستثناء تونس والسينغال) هم مجبرون على معادلة دبلوماتهم، والمعادلة تعني الاشتغال لسنة كاملة في أحد المستشفيات الجامعية وسنة أخرى في مستشفى إقليمي. كل هذا بالمجان. وهذه كارثة حقيقية. كل عمل يحتاج إلى تعويض، مهما كان هزيلا. لا أقول هذا الكلام لأنني محتاجة إلى المال، فوالدي ترك لي إرثا لا بأس به يحميني من الحاجة. أقول هذا الكلام بالنسبة لصديقتي فاطمة التي تنحدر من عائلة فقيرة تتكون من ثمانية أطفال. لقد حصلت على دبلوم في تخصص أمراض النساء في سن الثانية والثلاثين وستجد نفسها مجبرة على طلب المال من والدها، رغم أنها تشتغل منذ سنة في مستشفى ابن رشد في قسم أمراض النساء. هذا ليس عدلا، وأنا أرفض أن يتم استغلالنا في العمل مجانا مقابل العودة للاستقرار والعمل في وطننا الذي يحتاج إلينا. إذا لم أعد للمغرب فسيكون ذلك مؤسفا. أعتقد أنني طبيبة متميزة. سأذهب إلى ألمانيا وبعدها إلى أمريكا من أجل إنجاز تداريب وتطوير مهاراتي. أريد الأحسن لوطني. أريد أن يعرف الطب المغربي بروز جيل جديد من الأطباء يحسنون الاستماع للمرضى. فالعلاقة بين الطبيب والمريض، كما رأيتها عندما كنت في أحد تداريبي بطنجة عندما كنت في السلك الثالث، تشبه علاقة العبد بسيده. سأحاول أن أنجز الماستر في لندن حول تدبير التأمين الطبي، وتدبير العلاجات في الدول النامية. أشعر بأنني ممتلئة بالطموح. لدي الذكاء وعندي المال، وكل ما أريده هو خدمة وطني قبل كل شيء. عندما أرى العلاج الذي يتوفر عليه الفرنسيون وأرى كيف مات أبي قبل سبع سنوات بسرطان الدماغ في سن الواحدة والخمسين، عندما أتأمل نتائج تحاليل والدي الآن أعض على أصابعي ندما. لقد كان بالإمكان إنقاذه بعميلة جراحية بسيطة. أرجو أن تنقل رسالتي لقرائك، أعتقد أن الأمور ستتغير مع الوقت، فقط يجب أن تقولوا هذه الأشياء للناس». الرسالة الثانية من القارئة بسمة، وتقول: «أنا وعائلتي قرأنا مقالك حول طرد قاضي خنيفرة المتقاعد من مسكنه. صدقني ففي اليوم نفسه الذي طرد القاضي المتقاعد من بيته الوظيفي كنا نحن أيضا نتعرض لنفس الطرد. والدي عميد شرطة متقاعد بسطات، ومنذ 2001 ونحن نتلقى إنذارات بالإفراغ من البيت الذي سكناه طيلة 36 سنة. لقد كنا نعيش مرعوبين ونحن ننتظر أن يطردونا في أية لحظة من بيتنا البسيط والمتقادم. يمكنك أن تتصور راتب رجل شرطة ماشي شفار، ويمكنك أن تتخيل أيضا أنه كان من المستحيل أن يستطيع والدي، الذي خرج من الوظيفة بوسام ورخصة سيارة أجرة، بناء بيت لنا براتبه. وقد تشبثنا بالسكن الوظيفي لأن الحسن الثاني ومحمد السادس تحدثا حول تمليك السكن الوظيفي لقاطنيه. ولدينا نسخة من ظهير حول هذا الأمر نشر في الجرائد عندما كان اليوسفي في الحكومة، بالإضافة إلى مقالات كثيرة حول الموضوع. لكن للأسف وقف علينا المخزن والبوليس حتى أخرجنا آخر وسادة من أثاثنا المنزلي. والكارثة أن قرار الإفراغ طبقوه علينا وحدنا دون الموظفين الآخرين المتقاعدين القاطنين في الحي نفسه. كانت آخر ليلة أقضيها في البيت الذي ولدت فيه قبل يومين من الإفراغ. في الليلة التي سبقت الإفراغ ذهبت لأقضيها في مقر حزب الاستقلال، بقيت هناك إلى حدود منتصف الليل برفقة مئات الأطر المعطلة الذين تعرف جيدا قصتهم. ونحن الآن نعيش مع أختي الموظفة في بيتها. أعتذر إذا كنت لم أقدم لك نفسي، أنا اسمي بسمة، وعمري ثلاثون سنة. لدي شهادة باكالوريا + 13. معي دبلوم في الدراسات المعمقة تخصص علوم، وأنا الآن أعد دكتوراه وطنية. لأن والدي ماشي خطاف، ولأنني لم أرغب في الهجرة إلى كندا أو أمريكا أو أوربا، فإن والدي، البوليسي السابق، يجري عليه البوليس من جهة، وأنا يجري عليا السيمي من جهة، هذا شيء يدمي القلب والله. ولكننا سنستمر في حب هذا الوطن، فقد ربانا آباؤنا وديننا على ذلك. اليوم يسقط الثلج، وغدا ستشرق الشمس، وليس هناك من منظر أكثر جمالا عندما تسطع الشمس فوق الثلج، أليس كذلك...».