[email protected] أعتقد جازما أن ملايين المغاربة استفاقوا صباح يوم أمس الثلاثاء بوخز مؤلم في جانبهم الأيسر. وهذا طبيعي جدا، فكل الذين تابعوا مباراة المنتخب الوطني ضد منتخب غانا عانوا من ارتفاع معدل ضربات القلب طيلة ساعتين ووجدوا أنفسهم يقشرون فصوص الثوم ليأكلوا بعضها حتى ينزل ضغطهم، ومنهم من سيضع حبتي الثوم في أذنيه حتى يزول عنهما ذلك الطنين المزعج الذي يشبه طنين النحل. وشخصيا أتجنب متابعة مباريات الفريق الوطني لهذا السبب بالضبط. فكنت كلما تابعت إحدى مبارياته في الماضي أشعر بقلبي يكاد يخرج من مكانه، وأشعر بقطرات العرق الباردة تنزل من ظهري (والمفروض أن يعرق لاعبو المنتخب وليس أنا)، وأكتشف أن قبضة يدي مشدودة وكأنني أخوض مباراة غير منظورة في الملاكمة مع أشباح يتقافزون أمامي. فقلت مع نفسي ذات يوم «ومالي أنا على حالتي، غادي نبقا تابع هادو حتى شي نهار يشدني بوفالج»، وقررت أن أنقطع عن مشاهدة مباريات المنتخب الوطني، وأن أكتفي بالنتائج في التلفزيون. والحمد لله من ديك الساعة وليت لاباس. لكنني اليوم عندما اكتشفت أن مدرب المنتخب الوطني هنري ميشال يكلف خزينة المملكة سبعين مليون سنتيم في الشهر (براتبه وتعويضاته) شعرت صراحة بارتفاع ملحوظ في ضغط الدم. خصوصا وأن خطط هذا المدرب الفاشلة التي انتهت بخروج المنتخب الوطني من الباب الضيق للبطولة الإفريقية، لا تستحق حتى ربع هذا التعويض الباهظ الذي تصرفه له الجامعة الوطنية لكرة القدم. فالرجل لم يجد من تخريجة يبرر بها هزائم فريقه المتكررة سوى أن يقول بأنه لم يعط أي وعد بأن المنتخب المغربي سيفوز بكأس إفريقيا، وأن كل ما يلتزم به هو إعداد المنتخب لمباريات كأس العالم. زعما طفرو حتى فكأس إفريقيا عاد غادي يطفر فكأس العالم. ولعل ما أثار أعصاب ملايين المغاربة الذين تابعوا مباريات المنتخب في غانا هو استغرابهم لبقاء هنري ميشيل جالسا في كرسي المدربين يمضغ المسكة، محافظا على برودة أعصاب غريبة وهو يرى الأهداف تخترق شباك المنتخب. حتى أن البعض دخله الشك، وبدأ يسأل نفسه هل مسيو هنري يدرب منتخبنا أم منتخب الخصم. وأعتقد أن المشاركة الأخيرة للمنتخب المغربي في غانا أعطت الدليل القاطع على أن الكرة المغربية تعاني من ضعف مزمن. وأنها أصبحت خطرا على المغاربة لأن مشاهدة مباريات المنتخب أصبحت تشكل تهديدا للصحة العامة. ولست أنا من يقول هذا بل تقوله أحدث دراسة علمية ألمانية بمستشفى ميونيخ الجامعي أجريت خلال مونديال صيف 2006، وأثبتت أن الأهداف التي سجلت في مرمى الألمان أو سجلوها هم في مرمى الآخرين قد حطمت قلوب البعض بسبب التوتر الذي يشد المتفرجين ويؤدي إلى زيادة مخاطر الجلطات الدموية وارتفاع مريب في دقات القلب وارتفاع ضغط الدم. وحسب الدراسة فإن الجلطات القلبية تتركز خصوصا أثناء تنفيذ ضربات الجزاء، فهي الأخطر من غيرها على قلوب المشجعين. المشكلة أن ارتفاع الضغط الدموي الذي يصاب به المغاربة عندما يتفرجون على كوارث المنتخب الوطني تكون له أعراض جانبية أخرى زيادة على «طلوع الدم». فقد كشف الدكتور بنميمون، مدير العمليات الطبية بمختبرات فايزر بالمغرب، عن رقم مذهل للمغاربة المصابين بالعجز الجنسي، والذين وصل عددهم إلى ثلاثة ملايين مغربي. والسبب حسب الأخصائيين يرجع إلى مخلفات داء السكري، الناتجة عن ارتفاع الضغط الدموي والاكتئاب والتدخين وإدمان الكحول. ولذلك فقد وصلت فاتورة الأدوية التي يتعاطاها المغاربة لمحاربة عجزهم الجنسي إلى ثمانية ملايين دولار. وبسبب إقبال المغاربة الكبير على تعاطي حبة البركة (الزرقاء وليس السوداء) فقد بدأ تسويق الفياغرا في المغرب منذ سنة 1998، أي منذ ظهورها في أمريكا. وهذا ربما أول دواء في العالم يدخل صيدليات المغرب حتى قبل أن يدخل صيدليات فرنسا. المهم أننا تفوقنا على الفرنسيين في شيء ما على الأقل. وحسب الدكتور بنميمون فالمغاربة المصابون بالعجز الجنسي يتضاعفون، وهذا طبيعي بالنظر إلى كل الكوارث الاجتماعية والسياسية والرياضية التي تحدث في المغرب كل يوم. وفي قطاع التعليم وحده تسبب الضغط النفسي والاكتئاب النتائج عن مشاكل العمل واختلالات الترقية والعنف المدرسي في عزل ألف رجل تعليم بسبب الأمراض النفسية في سنة 2007 وحدها. ويأتي مرض «التيه» أو ما يعرف بالجايحة على رأس الأمراض النفسية التي يعاني منها رجال التعليم في الدارالبيضاء والرباط والبوادي المغربية. والمصيبة أن حكومة تقبل أن تدفع سبعين مليونا في الشهر لمدرب فاشل أقصى ما يمكن أن يصنعه أمام الهزيمة هو أن يمضغ المسكة ويربع يديه، وفي الأخير يصرح بأنه لم يقل يوما أنه سيفوز بالكأس وإنما الصحافة التي قالت ذلك. في الوقت الذي ليس لهذه الحكومة مصاريف تشتري بها جهاز تنفس اصطناعي واحد لمستشفى الأنطاكي بمراكش. والذي توجد حياة مرضاه في خطر بعد تعطل جهاز التنفس الاصطناعي الوحيد منذ أسبوعين. البلاد التي يكلفها مدرب فاشل سبعين مليون سنتيم في الشهر، مازال لديها مشكل مع الكهرباء في مراكش، عاصمة السياحة يا حسرة في المغرب. وكم كانت حشومة الشرايبي والي مراكش كبيرة عندما انقطع التيار الكهربائي مساء الأربعاء الماضي في قصر البلدية حيث كان سعادته يستقبل ضيوفا أجانب جاؤوا لحضور أشغال مؤتمر دولي بمراكش حول «الكهربة القروية»، فاضطر لإخراجهم من البلدية حتى لا يكملوا المؤتمر الدولي حول الكهرباء على ضوء الشموع. وشوفو على جبهة، مدينة تنظم مؤتمرا دوليا حول «الكهربة القروية» في الوقت الذي لازالت فيه «الكهربة المدنية» تنقطع عن المطار وقصر البلدية وأحياء كاملة لساعات طويلة. ويبدو أن مراكش أصبحت تحتل قصب السبق في مثل هذه المؤتمرات الدولية التي «نفرش» فيها أنفسنا أمام الغرباء. فقبل شهر تقريبا نظموا في مراكش مؤتمرا دوليا للجمارك. وفي أول جلسة تدخل أحد المدعوين الأجانب الذي يمثل جمارك دولة أوربية وعوض أن يلقي عرضه ألقى شكوى أمام الحاضرين بسبب ضياع حقيبته في جمارك مطار مراكش المنارة. وقديما قيل «إذا لم تستحي فاصنع ما شئت».