بعد سلسلة إصداراته الشعرية بالتتالي ابتداء من سنة 1989 (نشيد البجع، غيمة أو حجر، سدوم، ليتني أعمى)، عن دور نشر مغربية وعربية ؛ يرمي الشاعر محمد بنطلحة بأحجاره الشعرية الكريمة في بركة الحقيقة، من خلال مجموعة شعرية اختار لها اسم «قليلا أكثر»، صدرت عن دار الثقافة في المغرب، وتتكون من أربع وتسعين صفحة من الحجم المتوسط بوبت إلى عناوين ( قدر إغريقي، ماذا سأخسر، المرحلة الزرقاء، جنيالوجيا، نجوم في النهار)، كل عنوان يحتوي على قصائد تبلور تيمة معينة: المعنى، الذات والموت، الشعر، الطبيعة، الحياة ... بهذا التوصيف الفوتوغرافي، يمكن القول بأن الشاعر يضيف حلقة أخرى للمشهد الشعري المغربي والعربي، حلقة مكتظة بالأسئلة على تنوعها والتي يعيد بناءها في الشعر وبه وبكامل محصلته الثقافية المتعددة الروافد، فبدت القصيدة يقظة، غنية بتناصها دون أن تفقد مربعها الشعري. كأنها بذلك (أي القصيدة) أهل لأي حوارمن موقع «خالق».على الطريقة الانفرادية. والذي لاعرش له إلا حفنته التي تسع كل شيء في ذاك القليل المتخلق... ثمة على مدار هذا الديوان ضربات ذاتية عميقة الغور وواسعة الأفق، تحولت معها القصائد إلى مساحات سفر ناضحة بعرق البحث المشبع بالقلق الجميل، القلق العابث بواسطة الصورة الشعرية التي تتشكل ككينونة مرتعشة بالحقائق المترسبة في الذاكرة والوعي الجمعيين. وبالتالي إعادة قلب الثنائيات التي تنبني عليها تصورات وحقائق، فينهار العالم، طبعا في الوهم الشعري. يقول في قصيدة بعنوان «تحت لوحة زيتية» ص12: الأحياء يلهون - بينما الموتى - سرعان ما سئموا حياة اللهو - وعادوا - كل إلى ثكنته - أقصد: إلى جسده قد يستقيم عود القصيدة بيد الشاعر بنطلحة كأداة بحث، تنتصر للمجاز الذي يهندس العالم و«الخلق» من زاوية ما كالجسد -بالمعنى العميق للكلمة- الذي ينفض جسده من كل الأشياء والتشكيلات التي تكوره وتصنعه على المقاس. و تحقق ذلك على إثر حس رؤيوي دقيق يرصد المرحلة خارج المنظومات والأنساق على الطريقة الشعرية، وذاك قدر الشاعر. يقول في قصيدة بعنوان: «في زرقاء اليمامة» ص41: زارتني هذه الليلة - ولم تعثر علي- في جسدي - أين كنت: بين قطارين؟ - أم في نزاع معي الشاعر بنطلحة يبني نصه على نار هادئة، بحكمة العارفين، بعيدا عن الأضواء وتدجين المؤسسة، وبعد ذلك يرمي بثماره أعني أوراقه وينصرف إلى حيث هو / متخفيا كما الشعر.