[email protected] تأملوا قليلا هذا الخبر القادم من فرنسا، والذي نشرته مجلة «لوبوان» في عددها الأخير «بعد نشرها سنة 2005 لملف يعدد حسنات ومنافع أنواع معينة من الشامبانيا، وجدت جريدة «لوباريزيان» نفسها مجبرة على دفع غرامة مالية قدرها خمسة آلاف أورو كتعويض عن الضرر لصالح الجمعية الوطنية للوقاية من إدمان الكحول، والتي رفعت دعوى قضائية ضد الجريدة بسبب العنوان الذي اختارته للملف والذي يقول «أربع قناني من الحلم، إنها لذيذة وغير باهظة». لو تجرأت جمعية مغربية من جمعيات حماية المستهلكين ورفعت دعوى قضائية ضد كل تلك المجلات والصحف المغربية التي تنشر إعلانات ملونة لأنواع متعددة من النبيذ والويسكي، دون التقيد بأبسط حقوق المستهلك ولو بكتابة تحذير في أسفل الصفحة الإشهارية يقول «استهلاك الكحول مضر بالصحة، ننصحك باستعماله باعتدال»، كما تصنع كل المجلات والجرائد الأوربية، لسمعنا بعضهم في الغد يشهر نداء يوقعه معه مائة مثقف وصحافي وسياسي يتهمون فيه الجمعية صاحبة الدعوى بالفاشية والاعتداء على حرية الأفراد في شرب ما يحلو لهم، والدعوة إلى فرض الأخلاق على الناس. فالأخلاق في المغرب أصبحت تهمة هذه الأيام، وكل من يدعو إلى احترامها أصبح مشبوها يجب محاربته. وبمناسبة الحديث عن الأخلاق، تأملوا جيدا ما قاله المرشح الأمريكي للرئاسة السيد أوباما خلال واحدة من خطبه الأخيرة أمام الأمريكيين، قال بالحرف «أعدكم أيها الأمريكيون أنني سأعيد الأخلاق إلى الحياة الأمريكية». عندما يتجرأ أحد اليوم في المغرب ويكتب أنه مع الحفاظ على الأخلاق العامة وضد الإخلال بها في الفضاءات العمومية، تخرج بعض الأقلام من غمدها وتتهمه بالرغبة في جر المغرب إلى الوراء وقطع الطريق على الحداثة والتناغم مع المتطرفين. ساركوزي نفسه قال بمناسبة لقائه مع البابا أن الدين له مكانة مميزة. وأن المسيحية تشكل اليوم جزءا مهما من الهوية الفرنسية. ودعا إلى «علمانية إيجابية» عوض العلمانية الإلحادية. في المغرب اليوم هناك من يغضب عندما تقول له أن الإسلام يشكل العصب الأساسي للهوية المغربية. ويكفي أن نتأمل ما يقوله «ناشط» أمازيغي يسمى الدغرني حول الهوية المغربية لكي نفهم أن الرجل أصبح يطور خطابا عنصريا خطيرا باسم الأمازيغ، الذين بالمناسبة لا يشاطره أغلبهم الرأي. فبالنسبة للدغرني فالهوية المغربية ليست إسلامية، وحجته في ذلك كما قال في برنامج «الشاهد» على قناة الجزيرة، أن العرب دخلوا بالإسلام إلى المغرب وعليهم أن يتذكروا أن الرومان دخلوا بالمسيحية إلى المغرب قبلهم وخرجوا بها، ودخل اليهود باليهودية إلى شمال إفريقيا وانسحبوا منها جماعيا. ولذلك على العرب أن يتذكروا أن الإسلام يمكن أن ينسحب أيضا ذات يوم. وفي عز الهجمة الهمجية على الفلسطينيين في غزة، يجد الدغرني الجرأة، حتى لا نقول شيئا آخر، لكي يفتخر في تصريحاته الصحفية بأن الذي حاصر القدس حتى استسلم أهلها سنة 950 قبل الميلاد ليس شخصا آخر غير الملك الأمازيغي سيشونغ. وكأن سكان غزة محتاجون إلى هذا الدرس التاريخي للتخفيف من معاناة الحصار الذي تفرضه عليهم الدولة العبرية سنة 2008 بعد الميلاد. الدولة العبرية التي بالمناسبة كان الدغرني قبل أسبوعين في ضيافتها يتحدث عن التعايش بين الدول، في الوقت الذي كان فيه الجيش الإسرائيلي يدرس جيدا خرائط الأماكن التي سيقصفها في اليوم الموالي. ومن غرائب الأمور أن الدغرني الذي يبرر ذهابه إلى إسرائيل في هذه الظروف الملتبسة، بالرغبة في المساهمة في إنضاج فكرة التعايش بين الشعوب، لم يجد بين كل الشخصيات التاريخية شخصية يضرب بها المثل في التعايش سوى شخصية الملك البربري سيشونغ، الذي كل إنجازاته العظيمة أنه حاصر القدس، وهاجم الشام وأغار على مساكن النبي سليمان وهزمه وهاجم مصر وأصبح أول فرعون أمازيغي بعد أن أسس الأسرة الفرعونية الثانية والعشرين. وشخصيا أتساءل أين هو التعايش في كل ما قام به هذا الملك الأمازيغي، اللهم إذا كان الحصار والتجويع والهجوم والإغارة على دول الغير تعتبر في نظر الدغرني وحوارييه كلمات تدخل ضمن معجم السلام والتعايش في الشرق الأوسط الجديد الذي يبشر به أولمرت وحكومته. وعندما نتحدث اليوم عن الهوية الإسلامية للمغرب والمغاربة سواء كانوا عربا أو أمازيغ، يخرج الدغرني وحواريوه لكي يتحدثوا عن مؤامرة طمس الهوية الأمازيغية عن المغرب. وكأن الأمازيغ لم يكونوا هم حماة العقيدة في هذه البلاد منذ أن خرجوا من ظلمات الوثنية التي يحاول البعض اليوم بعث الروح فيها تحت مسميات تراثية أمازيغية. عندما يقول الدغرني بأن على العرب أن يأخذوا إسلامهم ويعودوا به إلى الجزيرة العربية من حيث أتوا أول مرة، ولا تتحرك جمعية مكافحة الكراهية والعنصرية التي أسسها مثقفون «حداثيون» جدا، لتذكير الرجل بأن خطابه تجاوز حرية التعبير ليسقط في الإساءة إلى ملايين المغاربة، فمن حقنا أن نتساءل عن الدور الحقيقي لمثل هذه الجمعيات. خصوصا وأن هذه الجمعية لم تتأسس إلا عندما عبر المستشار الملكي أندري أزولاي وممثلو اليهود المغاربة للسلطات العليا عن قلقهم من تنامي الشعارات المعادية لليهود في المسيرات المساندة لفلسطين والعراق في شوارع المملكة وأمام مؤسساتها الرسمية. مكافحة الكراهية يجب أن تشمل كل الديانات، والإسلام على رأسها. وكل من يبدي كراهيته لدين المغاربة ولدين الدولة الرسمي يجب أن يتم تذكيره بذلك. وشخصيا أشعر بالقرف عندما أسمع بين يوم وآخر عن جمعيات أمازيغية في سوس وفي الريف تسعى لعقد توأمة مع جمعيات إسرائيلية. وتضع برنامجا للزيارات وكأن الأمر لا يتعلق بدولة تحتل أرضا فلسطينية وتقتل أطفالها يوميا على مرأى ومسمع من العالم. أشعر بالقرف كأمازيغي، وأعرف أن الغالبية العظمى من الأمازيغيين يشعرون بالقرف مثلي عندما يسمعون مثل هذه الأخبار. نعم هناك اليوم في المغرب حيف كبير إزاء الثقافة الأمازيغية سواء على مستوى التنمية أو على مستوى الإعلام أو على مستوى التمثيل السياسي للأمازيغ في مراكز القرار. لكن هذا ليس مبررا لكي يستقوي بعض من يدعون تمثيل الأمازيغ «بزز» بالأجنبي، وخصوصا بإسرائيل التي لا تعترف بدين آخر أو لغة أخرى غير اليهودية واللغة العبرية. بالإضافة طبعا إلى لغة الرصاص التي تجيدها بسبب الممارسة اليومية. لقد كان الأمازيغ دائما في مقدمة حماة العقيدة الإسلامية في المغرب. ومن يجهل ذلك ما عليه سوى أن يعود لمراجعة الكتب التي ألفها علماء سوس في اللغة والفقه والعلوم، بلغة عربية فصيحة تتفوق على فصاحة عرب المشرق أنفسهم. ومن يريد اليوم، تحت يافطة الدفاع عن الحقوق الثقافية للشعب الأمازيغي، أن ينزع الهوية الإسلامية عن المغرب، فإنه في الواقع يعتدي على مشاعر المغاربة بعربهم وأمازيغهم. ولسبب غريب لا أحد يبدو منزعجا من هذا التيار الفكري العنصري الذي يبحث لكي يوقظ الفتنة النائمة. فيبدو أن بعض المثقفين الحداثيين والصحافيين والسياسيين منشغلون أكثر بالدفاع عن الحقوق الفردية للشواذ جنسيا في تحرير أجسادهم من القيود الأخلاقية والدينية والقانونية التي تكبلهم بها الدولة. أيها السادة، ترفعوا قليلا عن مناقشة قضايا شرذمة من الأشخاص لديهم مشاكل مع أجهزتهم التناسلية، فمصير البلاد أهم من الغرائز المريضة للبعض.