باستثناء فرحهم بالانتصار الذي صنعه أسود الأطلس بغانا، وانشراح صدورهم بعد سماعهم ب«تنقنيقة» تفيد بأن المدينة ستتشرف قريبا باستقبال زيارة ملكية يعقدون عليها آمالا كبيرة لرفع التهميش وتكسير متاريس العزلة عنهم، وحدها خرافات «عمر بَّا» التي تستطيع انتزاع الابتسامة من أفواه الدمناتيين الذين أنهكهم العطش في بلادهم الغنية بالمياه. لقد صار ترديد أكاذيب «عمر بّا»، أو «إزُكلا –ن- عمر بّا» باللهجة المحلية، يشكل الملاذ الوحيد للدمناتيين كي يروحوا عن أنفسهم وتبريد حرقة قلوبهم الحانقة بسبب ما تعيشه المدينة من فوضى وسوء تسيير وانفلات أمني. إنهم يتحسّرون على أيام قائد الدرك السابق الذي استطاع -في ظرف زمني وجيز- أن يُنقّي المدينة من المفسدين ويزجّ بهم في السجن. «كان لاجُودان القديم زامط الوقت.. الله يعمّر ليه الدار..»، هكذا يجيبون كل من يستفسرهم عن أحوال الأمن بالمدينة. لا أحد منهم ينكر أن هذا الأخير قام بدوره كما يجب. يجمعون كلهم على كونه حازما وعازما على محاربة الفساد، فكان يخرج ليلا مشمّرا عن ساعديه لتعقب «البزناسا» و«الكرّابا» الذين يروجون سمومهم خفية تحت أشجار الزيتون المحيطة بالمدينة. ويذكرون أنه قام بزرع أعوانه في عدة مقاه ليرصد حركات مروجي المخدرات ويحكم عليهم قبضته.. وما كاد يعيد إلى المدينة هدوءها ووقارها، حتى صدر قرار يقضي بنقله إلى دائرة أخرى في نفس الجهة. قرار اعتبره كثير من الدمناتيين غير بريء، حتى أن بعضهم ذهب إلى القول بأن هذا «الإبعاد» ليس إلا انتقاما بعدما «تحرك» بعض الذين تضرروا من مضايقات «لاجودان» لهم وتشديده الخناق عليهم. وبمجرد أن أدار ظهره للمدينة مغادرا، استيقظت الفتنة في أرجائها من جديد، خاصة وأن «لاجودان» الجديد قد أرخى حزامه وأغمض عينيه عن السكارى و«البزناسا» وقطاع الطرق ليعيثوا في أحياء المدينة فسادا. وهكذا، صارت «الماحيا» اليوم تباع في ساحة «المارشي» في واضحة النهار، كما تحولت ساحات الإعداديات وساحة ثانوية دمنات إلى سوق سوداء لترويج أصناف عديدة من المخدرات... قد يصدق الدمناتيون اليوم إمكانية تحقق أكاذيب «عمر بّا»، رغم استحالة ذلك لغرابة رواياته وتناقضها مع الواقع، لكنهم لن يصدقوا إمكانية تحقق الوعود التي ما فتئ مسؤولو المدينة -والإقليم ككل- يمطرونهم بها، لإخماد غضبهم فحسب.