جاءت التصريحات الأخيرة، التي أدلى بها محمد اليازغي أمام المجلس الوطني لحزب «الاتحاد الاشتراكي»، لتكشف عن خبايا تشكيل حكومة عباس الفاسي. فقد أعلن اليازغي أمام مناضلي حزبه أن الملك محمد السادس كان هو الذي يدير المفاوضات بنفسه لتشكيل حكومة وزيره الأول. وكشف اليازغي عن اتصالات الملك الهاتفية به وبزميله في الحزب عبد الواحد الراضي طيلة فترة تشكيل الحكومة الحالية، حيث كان الملك يتدخل في التفاصيل الدقيقة لتشكيلها، يعرض المشاركين فيها، ويقترح الوزارات ويوزع الحقائب، وينقل الأخبار بين قادة الأحزاب... تصريحات اليازغي لا تكشف فقط عن الجانب الخفي الموجود في كل عملية تفاوض، وإنما تسلط الضوء، لأول مرة، على دور الملك في قيادة مفاوضات تشكيل الحكومة الحالية التي لاقت الكثير من الانتقاد من قبل الرأي العام أثناء الإعلان عن تشكيلتها. تصريحات اليازغي جاءت أيضا لتزكي المعلومات الذي كشفت عنها الصحف، عندما كتبت أن مستشاري الملك عبد العزيز مزيان بلفقيه ومحمد معتصم كانا وراء تشكيل حكومة عباس الفاسي، وتوزيع حقائبها وفرض أسماء وزرائها، وهو ما حاول المستشاران في لقاءات إعلامية نفيه. وما لم يتم استيعابه آنذاك هو أن المستشاران عندما خرجا إلى العلن لتبرئة نفسيهما من عبء تشكيل الحكومة الحالية، كانا، في الوقت نفسه، يلقيان بالمسؤولية على الملك، عندما اعترفا علانية بأنهما لم يقوما سوى بتنفيذ التعليمات التي كانت تصدر إليهما، لذلك فهما كانا صادقين في الدفاع عن نفسيهما. وقد جاءت تصريحات اليازغي اليوم لتؤكد صحة اعترافاتهما بأنهما لم يكونا سوى منفذين للتعليمات. الفصل 24 من الدستور واضح، حيث يقول إن الملك يعين الوزير الأول ويعين باقي أعضاء الحكومة باقتراح من الوزير الأول. ولا أعرف كيف فات اليازغي، الذي ابتكر حزبه مصطلح «المنهجية الديمقراطية»، أن يذكر الملك بهذا الفصل من الدستور، وهو الذي قال إنه رد على الملك، الذي وصف شروط مشاركة حزبه في حكومة عباس الفاسي ب«التعجيزية»، بأن «الأمر يتعلق بمفاوضات»! تصريحات اليازغي تثير الشفقة في تدني مستوى النقاش عند جزء من الطبقة السياسية، وأكثر من ذلك تثير السخرية خاصة في الجزء الذي يحاول فيه اليازغي تبرير تحمله وزارة بدون حقيبة وصفها هو نفسه ب«الصكاضو»، عندما قال إن الأمر يتعلق بإشارة ملكية وقرار ملكي في نفس الآن لإعادة الاعتبار إلى حزبه بعد الانتكاسة التي تعرض لها في انتخابات 7 سبتمبر. وهنا لا أعرف أين ذهبت فطنة ودهاء وحنكة رجل عركته السياسة مثل محمد اليازغي، كيف أمكنه التقاط إشارة الملك وتفسيرها وتبريرها ولم يتمكن من التقاط رسالة الناخب التي كانت واضحة لا تحتاج إلى أي تبرير أو تسويغ لفهمها؟! تصريحات اليازغي، مع ذلك، تشفع له، لأنها كشفت الغطاء عن المستور في مشهد سياسي يذكرنا كل يوم بحالة البؤس التي تعيشها السياسة عندنا.