تطالب زكية المريني بإحداث صندوق للنفقة على غرار الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهو ما جعلها تطلق برنامجا «من أجل دعم التطبيق الجيد لقانون الأسرة على المستويات القانونية والمؤسساتية والاجتماعية» وقد خلصت إلى أن أغلب الأحكام المتعلقة بمواضيع: إثبات النسب، النفقة، اقتسام الممتلكات، إرجاع المطرودة إلى بيت الزوجية... لم تكن في أغلبها في صالح النساء والأطفال فاطمة الزهراء شرف الدين البعض يقول إنها قاضية، والبعض الآخر إنها محامية، ولكن التخصص النادر الذي درسته زكية المريني والبعيد كل البعد عن هاتين المهنتين ساهم في جعلها امرأة حقوقية وسياسية، فمن طالبة حاصلة على دكتوراه الدولة في علم الأرض في تخصص نادر عالميا، وهو تأريخ الأحجار الباطنية ونالت عنه جائزة المركز الفرنسي للأبحاث سنة 1986، أقامت بفضلها مختبرا بكلية العلوم السملالية بمراكش، حيث تقوم بدورها كأستاذة جامعية، شقت طريقها كمناضلة حقوقية نحو التربع على عرش جمعية النخيل للمرأة والطفل التي تغطي جهة مراكش-تانسيفت-الحوز، وتمتد إلى الجنوب بكامله. زكية المريني تجيب عن هذه المسيرة المزدوجة قائلة: «أثناء فترة دراستي في فرنسا للحصول على دكتوراه السلك الثالث في الجيولوجيا، احتككت بالمجتمع الفرنسي والفاعلين داخله، رأيت كيف أن لكل فئة سياسة خاصة بها، سواء بالنسبة إلى المرأة أو الشاب أو الطفل أو العجوز أو المعاق، وكيف أن كل مواطن مرتبط بوطنه، وقد أعطاني ذلك جوابا نوعا ما عن سؤال: «لماذا المغاربة ليسوا مرتبطين بوطنهم؟»، ويتجلى ذلك في بعض الممارسات التي تسيء إلى الآخرين وإلى من يقوم بها، ومن هنا جاءت قناعتي بأن المواطن لكي يعطي يجب أن توفر له الشروط لذلك، أي لا بد له من الكرامة التي لا تعطى بالزبونية أو الرشوة، وهو ما يظهر في المغرب سواء في الإدارة أو الشارع وفي علاقة الرجل بالمرأة». لم تبدأ مسيرة زكية المريني في العمل الجمعوي مع جمعية النخيل التي أسست سنة 1997، بل شاركت قبل ذلك في تأسيس جمعية اتحاد العمل النسائي سنة 1987، وهو ما يجعلها مخولة لإبراز الفرق بين الجمعيات النسائية في التسعينيات والحديثة العهد، تقول:«لم نعد نشتغل على المرافعة بل على تغيير القانون، وأصبحنا نشتغل بشكل مباشر مع النساء، فالجمعيات الوطنية التي كانت قبلنا فتحت الباب على الوضعية غير العادية للنساء، أما جمعيات الجيل الثاني ومنها النخيل فهي تشتغل على تنمية الجهة والجنوب وتنسق مع الجمعيات الوطنية، وتطلق برامج مباشرة بشكل احترافي وتمولنا منظمات دولية تربطنا بها اتفاقيات شراكة، رغم أن البعض يقول إن الدولة هي مصدر تمويلنا ولكن ذلك غير صحيح». شاركت زكية المريني في تأسيس الجمعية المغربية للمنتخبة المحلية في يونيو الماضي بمراكش، ونظمت قبل خروج هذه الجمعية إلى الوجود ورشات تكوينية لضمان مشاركة النساء في الجماعات المحلية، ورغم أنها مسرورة لتولي سبع نساء مناصب وزارية في حكومة عباس الفاسي الحالية، إلا أنها لا تخفي تحفظها: «20 في المائة داخل الحكومة لا تنعكس داخل البرلمان أو داخل المؤسسات الأخرى المنتخبة، وهذا راجع إلى اعتبار الأحزاب السياسية -التي من المفروض أن تهتم بالمشاركة السياسية للنساء وجعلها من الأولويات- هذه النقطة ثانوية. مشكلنا هو في الكيفية التي استغلت بها الأحزاب اللائحة الوطنية، نحن نريد نساء يملكن القرار السياسي، فالمجالس البلدية مثلا تصرف فصول الميزانية بدون مراعاة احتياجات النساء من مسابح وملاعب خاصة بهن أو توفير الربط بالكهرباء في الأحياء التي يتعرضن فيها للاعتداءات، وفي البرلمان نفس الشيء، حيث لا تحترم القوانين المصادق عليها مقاربة النوع، في الوقت الذي تؤدي فيه المرأة الضريبة للدولة مثلها مثل الرجل». وفي كل مرة يواجهونها بعبارة: «إن على النساء إثبات ذاتهن في الحقل السياسي دون الحاجة إلى الكوطا»، تجيب بهدوء: «في المدارس العليا مثلا، لوحظ مؤخرا أن عدد الطالبات أكثر من الطلاب، لذلك تقوم المؤسسة بإجراء تمييزي، ولا نقول لماذا؟ مثال آخر: المغرب دولة يجب أن تنفتح على دول أخرى خاصة على إفريقيا ولذلك نقيم في جامعاتنا كوطا للطلبة الأفارقة بمعدلات متوسطة للولوج للجامعات مقارنة مع الطلبة المغاربة، وهي سياسة مقبولة لأن لها بعدا استراتيجيا»، وتضيف: «قمنا بدراسة في الجمعية، وخلصت إلى أن المناصفة في المراكز التمثيلية لن تتحقق إلا بعد 4000 سنة، إذا بقينا على هذه الوتيرة، لذلك فمن الضروري اتخاذ إجراء تمييزي مرحلي، فهذه المرأة التي تعيش في مجتمع حملها مسؤوليات كبيرة داخل الأسرة ولا تتقاسمها مع الزوج وتشتغل خارج البيت وتقوم بعمل اجتماعي، كم سيبقى لها من الوقت لممارسة حياتها السياسية، فهي تدخل إلى ميدان ليس لديها فيه تراكم». تقدمت زكية المريني إلى الانتخابات الجماعية سنة 2003 بدائرة جيليز عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وكانت تلك «تجربة أساسية -تقول المريني بتنهيدة خفيفة- أعطتني فكرة عن الواقع داخل الحياة الحزبية وداخل المؤسسات المنتخبة، أعرف أنه لا يمكنني أن أغير شيئا بمفردي، فعلى الأقل يجب أن يكون 30 في المائة من الأشخاص يحملون نفس الشعار للتأثير على الجماعة، ونحن لم نصل بعد إلى هذا المستوى بالمغرب لا داخل الجماعات ولا داخل الأحزاب السياسية التي تعاني من نقص في الديمقراطية والصراحة، وأنا لا أتحدث عن الأحزاب الموسمية التي تشتغل للوصول إلى مراكز القرار وتحقيق مصالحها، بل عن الأحزاب الوطنية العريقة التي لعبت دورا في استقلال المغرب وقامت بدور المعارضة في الثمانينيات، ولكن مع الانتقال الديمقراطي لم تستطع نقل دورها من دور المطالب والمعارض إلى دور التسيير الفعلي للمؤسسات، يجب على الأحزاب أن تتشبب وأن تكون احترافية، أن تشتغل على النتائج وعلى التغيير وليس على الحدث والموسم». ترى زكية المريني أنها إنسانة سياسية بامتياز، سواء في البيت أو الجامعة أو الجمعية أو الحزب، من منطلق أنها مواطنة كاملة المواطنة وأي موضوع بالمغرب هو من شأنها، فهي تعتبر أن السياسة لا تقتصر على السياسيين، فالإنسان كائن سياسي، ولكنها تجد نفسها في العمل الاجتماعي، وهي كأم وزوجة ترفض كلمة «féministe»، وتشرح سبب ذلك: «أنا من الجيل الثاني للحركات النسائية، كان لا بد أن نمر من المرحلة الأولى لإسماع صوت النساء، ولكن الآن، الحركة النسائية عرفت تطورا، وفطنت إلى أن القضية النسائية لا يمكن أن تعالج فقط من طرف النساء، فثقافة حقوق الإنسان لا تقول: لا يوجد سواي بينما الآخر لا، إنها قضية مجتمعية». ولأن النهوض بأوضاع المرأة مسألة مجتمعية تعتبر أولوية في برامج زكية المريني يتقاسمها الرجال والنساء، فقد قررت رئيسة جمعية النخيل للمرأة والطفل البدء أولا بتعرية العنف الممارس ضد النساء، وتم فتح مركز للاستماع الأول من نوعه في مدينة مراكش وفي الجنوب لمساندة النساء ضحايا العنف في مارس 1999، وتشمل مجالات تدخله القانوني والاقتصادي والعمل الاجتماعي والوساطة والحقوق السياسية والتربية والتكوين. وحسب دراسة قام بها عبد الإله شهيد للشكايات المسجلة في مركز الاستماع والإرشاد القانوني التابع لجمعية النخيل للنساء ضحايا العنف بين سنتي 1999 و2006، فإن عدد المشتكيات بلغ 3415 امرأة، حيث يحتل الصدارة العنف الزوجي وبوتيرة متصاعدة، حيث ارتفع من 72,7 % سنة 2004 إلى 76,1 % سنة 2005 إلى 80,6 % سنة 2006، ولكن زكية المريني لا تعتبر هذه الأرقام دليلا على تفاقم هذه الظاهرة وتؤكد: «هذه الظاهرة ليست جديدة، حتى 1996، سنة تأسيس أول مركز للاستماع بالدار البيضاء، كان العنف ضد النساء شيئا طبيعيا ولأول مرة في 1998 نتحدث عن حملة وطنية لمناهضة العنف، ومن منتصف التسعينيات حتى الآن خلق 40 مركزا للاستماع إلى هؤلاء النساء، فقد خرجت هذه الظاهرة من الشأن الخاص للأسرة إلى الشأن العام، ولكن هذا لا يعني أن الظاهرة كثرت بل إنها تعرضت للتعرية وهو ما يجعلها تبدو متضخمة». تطالب زكية المريني بإحداث صندوق للنفقة على غرار الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهو ما جعلها تطلق برنامجا «من أجل دعم التطبيق الجيد لقانون الأسرة على المستويات القانونية والمؤسساتية والاجتماعية، بجهة مراكش-تانسيفت-الحوز والجنوب». والذي تبنته جمعية النخيل للمرأة والطفل بشراكة مع صندوق دعم المساواة بين الجنسين، استنادا إلى الدراسة التحليلية لملفات النساء ضحايا العنف الواردة على مركز حواء، بعد دخول قانون الأسرة حيز التطبيق. وقد خلصت إلى أن أغلب الأحكام المتعلقة بمواضيع: إثبات النسب، النفقة، اقتسام الممتلكات، إرجاع المطرودة إلى بيت الزوجية... لم تكن في أغلبها في صالح النساء والأطفال، فعقدت العزم على تنظيم دائرة مستديرة في أواسط الشهر الجاري لإحداث مؤسسة تحل محل الملزم بالنفقة في حالة عدم سدادها»، وتقول عن ذلك: «ماذا ينتظرون لإحداث صندوق للنفقة يحمي المرأة والأطفال من التشرد خاصة في حالة عدم تمكن الأب من سداد النفقة، عوض الحديث عن النساء العاملات في الحقول الإسبانية وهن قليلات العدد، لا بد من الاهتمام بالشرائح الواسعة داخل المغرب وتوفير تغطية صحية للكل وضمان اجتماعي، فمؤشر التنمية الأخير بالمغرب يؤكد أن للمغرب سياسة ترقيعية عوض سياسة جذرية»، وتضيف وهي تستعد لمغادرة مكتبها: «السبيل للتنمية بالمغرب هو حل مشاكل العالم القروي، أي سياسة طبقناها في المدينة لن تؤتي أكلها لأننا لا نملك سياسة خاصة بالبادية»، وتختم كلامها بالقول: «قضيتان يجب أن نحلهما في المغرب لضمان التنمية وهما: التفاوت بين العالم القروي والعالم الحضري وبين الرجل والمرأة».