بات شبح تكرار سيناريو إضراب قطاع النقل، الذي شل حركة النقل الطرقي في المغرب شهر أبريل الماضي، يطل برأسه من جديد مع بداية 2010 بعد إعلان نحو 57 نقابة وهيئة معنية بالنقل عزمها تنظيم إضراب إنذاري لمدة 24 ساعة في الثامن من الشهر المقبل احتجاجا على ما أسمته تجاهل الحكومة لمطالبها، التي تم النقاش حولها بين الطرفين خلال جلسات الحوار الثنائية منذ تفجر الصراع حول مدونة السير، التي تمت المصادقة عليها قبل أسبوع. وأكدت النقابات في بلاغ لها، توصلت «المساء» بنسخة منه، أن قرار الإضراب جاء بعد أن ألقت وزارة النقل والتجهيز بخلاصات الحوار حول مشروع مدونة السير بتاريخ 13 مارس 2007 «إلى سلة المهملات». وحسب البلاغ، فإن مضمون المدونة كما تمت المصادقة عليه لم يعرف «تعديلا يوازي قدرات المواطنين ومهنيي النقل لكونه ما يزال يتضمن غرامات باهظة وعقوبات سالبة للحرية ومنظومة التنقيط المستوردة التي ستتسبب في تعطيل السائقين عن العمل وتشريد عائلاتهم». وهو ما أكده عبد الصمد عنانة، الكاتب الوطني للنقابة الديمقراطية للنقل، في اتصال مع «المساء» حيث أوضح أن احتمال تكرار سيناريو أبريل 2009 ما يزال قائما بالنظر إلى أن المهنيين مقتنعون بأن التعديلات التي جاءت بها المدونة لم تراع نقاطا كثيرة، وفي مقدمتها أوضاعهم الاجتماعية، إلى جانب الغرامات المرتفعة وتشبث المدونة بمبدأ التنقيط، «الذي لا يجب أن يطبق في المغرب إلا بعد أن يترسخ نظام المكننة لضمان نجاحه في تحقيق الأهداف المتوخاة منه». وأشار عنانة إلى أن نقابته عقدت لقاءات تشاورية مع مجموعة من المهنيين لحسم موقفها من المشاركة في الإضراب من عدمه حيث من المفترض أن يكون الموقف قد اتضح بعد انتهاء تلك المشاورات أمس الأحد. بلاغ الهيئات النقابية والجمعية الممثلة لقطاع النقل في المغرب وجه انتقادات شديدة اللهجة إلى مشروع المدونة المصادق عليه ووصفه ب «الفاقد للشرعية والمشروعية حيث لم يصوت عليه سوى 55 نائبا من الغرفة الأولى و38 من الغرفة الثانية». وأدانت النقابات ما أسمته «أسلوب التضليل الذي سيرت به كل من الحكومة والوزارة الوصية الحوار التفاوضي مع النقابات والجمعيات»، وقالت إن الحوار كان له مساران، أحدهما «واضح وشفاف عبر من خلاله النقابيون عن رفضهم للبنود المجحفة في المدونة»، وثانيهما «غامض ومعتم استطاع أن يستقطب البعض للتوقيع على الاتفاق مع الوزارة الوصية»، معلنة أن الموقعين على ال اتفاق «لا يمثلون إلا أنفسهم». وسبق لوزير النقل والتجهيز كريم غلاب أن أكد في لقاء مع «المساء» بأن باب الحوار مع وزارته ما يزال مفتوحا على الرغم من أن مشروع المدونة تمت المصادقة عليه داخل البرلمان ومن المرتقب صدوره قريبا في الجريدة الرسمية، موضحا بأن إصدار المراسيم التنظيمية سيكون فرصة لفتح النقاش من جديد حول بعض القضايا العالقة «حيث إن النقابات تهمها التفاصيل والقانون يضم المبادئ، ونريد منهم الانخراط حبيا في هذا المشروع، فهناك أمور اجتماعية تضم ورشا كبيرا وتتطلب أن يتعاون فيها الجميع، وهذه هي الديمقراطية مادامت 61 نقابة اتفقت معنا وواحدة ترفض ذلك». وحول موقفه من إعلان عدد من نقابات مهنيي النقل خوض الإضراب يوم 8 فبراير القادم قال غلاب إن «كلمة مهنيي النقل تحمل غموضا تاما، إذ هناك ستون هيئة نقابية اتفقت معنا وفتحنا معها نقاشا صريحا حول نقاط الخلاف، ولم يسبق لأي نقابة أو جمعية مهنية أن طالبت وزارة التجهيز والنقل بالمشاركة في حوار ورفضت الوزارة، وقد كانت لدينا لقاءات متعددة منذ أبريل 2009 وعندما أتممنا الحوار أعلنت نقابات منضوية تحت لواء المنظمة الديمقراطية للشغل الإضراب يوم الاثنين 4 يناير، وفي بلاغها تقول إنها ضد المنهجية التي اعتمدتها الحكومة، وعبرت عن رفضها أي حوار معنا. وقمنا باستدعائها وسألناها: «هل أنتم مستعدون للحوار؟» وفتحنا معها حوارا يوم 30 دجنبر 2009 لتقرر إن كانت ستتحاور أم لا، وقبلت بعد أن عادت إلى قواعدها». وسط هذا التضارب في الآراء يقف المواطن متخوفا من أن يتكرر سيناريو السنة الماضية، الذي تسبب في مشاكل اجتماعية كثيرة، كما أثر على جيوب المواطنين بعدما شهدت أسعار الخدمات والسلع ارتفاع كبيرا.