بعد سبعة أشهر من الأشغال حول البرقع، قدمت اللجنة الإعلامية البرلمانية، يوم الثلاثاء الماضي، تقريرها الختامي إلى رئيس البرلمان، بيرنار آكوايي. وقد تمت آخر المداولات قبل التصويت في أجواء شد وجذب بين أعضاء اللجنة كادت تؤدي إلى إلغاء التقرير نهائيا. جاءت الصورة على النحو التالي: فريق يؤيد قرار المنع الكلي. فريق آخر يدعو إلى منع جزئي يقتصر على المؤسسات العمومية مثل مرافق النقل، البريد، المكاتب، المستشفيات. أما أعضاء الفريق الاشتراكي فقاطعوا التصويت احتجاجا على نقاش مزيف يضمر أغراضا خفية. «روينة وخلاص». إن كان التقرير يرغب في الاحتكام إلى القانون، فإن بنود هذا الأخير، وإلى إشعار آخر، غير قادرة على تقديم حلول ناجعة لوضعية مأزقية. لنأخذ مثال امرأة تريد أن تستقل الباص: من له الحق في منعها من الركوب؟ السائق، شرطي المرور، أم الركاب؟ على أي، لا يخول القانون أية صلاحية لهؤلاء للتدخل في مثل هذا الشأن، وإلا رفعت المرأة دعوى ضد هذه الأطراف لدى الهيئات القضائية والحقوقية محليا وأوربيا. من خلال التقرير، نقف أيضا عند الفوضى التي تهم الإحصائيات. فيما تتحدث المصادر الحكومية عن 1990 امرأة ترتدي البرقع، يشير البعض الآخر إلى أن عددهن لا يتجاوز 400 امرأة. أما الاستعلامات الفرنسية فسبق أن تحدثت عن أقل من 400 حالة. حتى الكوميدي جمال الدبوز أدلى بدلوه في الموضوع بقوله ما معناه بالدارجة المغربية: «وا فضحتونا على 200 برقع...». عجيب كيف أن الأرقام في بلد الدقة والعقلانية تأخذ شكلا مطاطيا وفضفاضا. على أي، بدل أن يخف أو ينقرض عدد المبرقعات بعد كل هذا الضجيج، فإنه على العكس تضاعف بنسبة ثلاث مرات. الدرس الذي يمكن استخلاصه هو أن الحظر ينتج دائما نقيضه. وإن أضفنا إلى هذا الخلط رفض اللجنة، وبالإجماع، لمقترحين: يخص الأول إنشاء مدرسة عليا للدراسات الإسلامية، والثاني الدعوة إلى انكباب لجنة برلمانية على موضوع الإسلاموفوبيا والتمييز الذي تتعرض له الجالية الإسلامية في فرنسا، نقف عند التوجه الاستئصالي الذي يدمغ التصور العام للإسلام والمسلمين في فرنسا. من مخلفات هذا النقاش أيضا أنه تسبب في تشرذم أصوات ومواقف الجالية الإسلامية في فرنسا من حول الموضوع. وفي غياب استطلاعات دقيقة، فكل واحد «يلغي بلغاه»، من داع إلى عدم النفخ في ظاهرة ثانوية قد تخدم مآرب الإسلاميين، كما هو رأي محمد الموساوي، رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، إلى مناهض للباس ومناهض أيضا لسن قانون من حوله، كما هو موقف طارق رمضان، مرورا بالداعي إلى فتح نقاش مع هذه الحالات لإثنائها عن ارتداء البرقع. دون الحديث عن تدخل حسان الشلغومي (تونسي الأصل)، إمام بلدة درانسي، الذي صب كحول الحريق على النار على خلفية رفضه الراديكالي للبرقع ومواقفه المنفتحة على الجالية اليهودية واعترافه بضحايا المحرقة! لم تجانب أطروحة بعض الاشتراكيين الصواب حين ركزت على ما يضمره النقاش حول البرقع: موقع ومستقبل المهاجرين في المجتمع الفرنسي وفانتزمات الخوف الواهية التي يخلقونها في المخيال الفرنسي، إذ في الوقت الذي تحتدم فيه المشادات حول البرقع، يطرد إيريك بيسون ب»الخف» من لا أوراق لهم، سواء من المهاجرين غير الشرعيين أو من الطلبة الذين ينتظرون تسوية أوضاعهم، مثل المغربي محمد أبورار (18 عاما، تلميذ في ثانوية فالمي بمدينة كولومب، التحق بوالده في فرنسا وهو في سن الثالثة عشرة)، الذي طرد يوم 23 يناير في اتجاه الدارالبيضاء، أو أشرف الوانزي، طالب بجامعة أورساي، الذي يوجد رهن الاعتقال الاحتياطي في انتظار طرده القريب. وهكذا، وفرت اللجنة البرلمانية، من خلال سياسة الكشف عن المحجوب (البرقع)، غطاء لوزير الهجرة والهوية الوطنية لكي يطبق سياسة حجب المكشوف(الإقفال والطرد).