دأب معرض الدارالبيضاء للكتاب والنشر على إطلاق أسماء بعض المبدعين الراحلين على قاعاته، تكريما لهم على ما أسدوه إلى الثقافة المغربية من «خدمات جليلة»، كما تسمى في القاموس الخشبي. وأقترح على بنسالم حميش ألا ينسى اسمين خلال الدورة الجديدة، التي ستبدأ بعد أيام: المرحوم «اتحاد كتاب المغرب» والفقيد «بيت الشعر»... كلاهما قدم «خدمات جليلة» إلى الثقافة المغربية، قبل أن يرحل عن عالمنا إلى دار البقاء، وإنا لله وإنا إليه راجعون. «بيت الشعر» تهدم على رؤوس ساكنيه، كما يحدث لأي بناية مغشوشة. كأي مقاولين رديئين، غشوا في البناء، عندما خلطوا بين الكلمة والبهرجة، بين القصيدة والبسطيلة، بين ماء الشعر وزيت أركان، وحولوه إلى عيد سنوي، مثل «عيد العرش» و«المسيرة» و«الاستقلال» و«ثورة الملك والشعب»، وكان لا بد أن ينهار البيت، في يوم من الأيام، على رؤوس من فيه. أما اتحاد كتاب المغرب، فقد بلغ من العمر عتيا، وأصيب بمرض عضال، وظل يحتضر لسنوات، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، بين يدي عبد الحميد عقار. المشكلة أن الجثة لم تدفن، وكان لا بد أن تتحلق حولها الضباع، التي لا تدوخها الروائح العطنة. المضحك في المغرب أن هناك أشخاصا لم يكتبوا في حياتهم شيئا، ويريدون تسيير جمعيات للكتاب والشعراء. مثل هذه المنظمات، في العالم بأسره، يقودها أشخاص مشهورون بمؤلفاتهم ومواقفهم وأفكارهم. وعندنا، كلما ذكرت واحدا، لا تتذكر أي كتاب، بل تستحضر أنه سطا على مسجلة في المقر، أو على منصب في الوظيفة العمومية، أو«سلت» بقنينة من بار، أو «هرف» على فوطة في فندق، أو سرق مقالة ووضع تحتها توقيعه... وتفتش طويلا عن عنوان لأحد مؤلفاته أو مقالاته أو مواقفه، ولا تجد أي شيء، لكنهم «كتاب»، مادمت لا تستطيع أن تقتلع الكلمة من أفواههم. الكتابة مخاطرة بالذات وبالمعطيات الشخصية، كما فعل محمد شكري ومحمد زفزاف ومحمد خير الدين، وبالمصير، أحيانا، كما صنع عبد اللطيف اللعبي وعبد القادر الشاوي وعبد الله زريقة، الذين أهدروا سنوات من أعمارهم وراء القضبان. ولأن الكتاب الحقيقيين مزعجون، يفضل منظمو الندوات والمعارض، عادة، توجيه الدعوات إلى الفاشلين. ويحولون لقاءاتهم إلى جلسات مضحكة، مليئة بالخشب والكلام السخيف، كي يكرّهوا الأجيال في القراءة أكثر. هكذا كان حال كثير من لقاءات معرض الكتاب العام الماضي، الذي طبق بيت أبي نواس الشهير: «وداوني بالتي كانت هي الداء».. أراد استقطاب «العازفين» عن القراءة ب«العازفين» على الكمنجة، من نجوم بوركون وأولاد بنعكيدة وأولاد البوعزاوي... وبقية المهزلة. الكتّاب، في المغرب، فصيلة على طريق الانقراض، والكتبة، بلا عدد، تصادفهم في الندوات والمعارض، وفي الطريق أحيانا. وكم أضحك عندما ألتقي واحدا منهم، ويستدرجني إلى سيارته كي يسلمني مؤلفه الجديد: مجموعة قصصية أو أقصوصة أو قصة قصيرة جدا، أو قصائد نثر أو دراسة عصماء... مع شروحات حول «ظروف النص»، و«نبذة عن حياة المؤلف»، واستشهاد بكتاب فاشلين، يعادلونه موهبة، لكنهم أكثر شهرة بسبب الحظ والإعلام و«لحيس الكابة». ويكتب إليك في الإهداء: «أيها الحميم» و«أيها العزيز»، مع أنك لا تعرفه، ولأول مرة تلتقيه... ولولا التربية الحسنة، لرميت الكتاب على الأرض أمامه، وذهبت إلى حال سبيلك بلا ندم.