على بعد ستة أشهر من نهاية ولايتها، يعود هاجس السلم الاجتماعي ليؤرق من جديد بال حكومة عبد الإله بنكيران، في ظل جنوح المركزيات النقابية الأكثر تمثيلا نحو المزيد من التصعيد على الجبهة الاجتماعية في سنة انتخابية يعول عليها أمين حزب العدالة والتنمية للاستمرار على رأس الحكومة القادمة. ويبدو أن حكومة بنكيران تواجه امتحانا صعبا قد يؤثر على رصيدها الانتخابي والشعبي، بعد أن اختارت النقابات الكبرى، باستثناء نقابة حزب العدالة والتنمية، نهج سياسة «كسر العظام»، وقلب الطاولة بتحريك الجبهة الاجتماعية وإشعالها من خلال خوض معركة تصعيدية تستمر لما يقارب ثلاثة أشهر، تدشنها بتنظيم وقفة احتجاجية للمسؤولين النقابيين أمام البرلمان الأربعاء المقبل 30 مارس الجاري، قبل أن تتبعها مسيرة احتجاجية كبرى يوم 10 أبريل المقبل. بالعودة إلى الوراء قليلا، وبالضبط إلى أيام كان الاستقلالي عباس الفاسي، وزيرا أول، وقعت حكومته، في غمرة هبوب رياح الربيع العربي وميلاد حركة 20 فبراير، ما بات يعرف باتفاق 26 أبريل مع المركزيات النقابية الأكثر تمثيلا. في ذلك الإبان، كان كل المتتبعين يترقبون تنفيذ بنود الاتفاق من طرف حكومة الإسلاميين، التي أوصلتها صناديق الاقتراع لأول مرة، في التاريخ السياسي المغربي إلى سدة الحكم، بيد أن الرياح لم تجر بما تشتهي سفن النقابات، بعد نشوب خلافات بينها وبين الحكومة الجديدة وصلت إلى حد اتخاذ ممثلي الطبقة العاملة قرار مقاطعة جلسات الحوار الاجتماعي، التي دعت إليها في أكثر من مناسبة، مما جعل الجبهة الاجتماعية دائمة التململ، ومهددة بالعصف بالسلم الاجتماعي. ولئن كان مطلب وفاء حكومة عبد الإله بنكيران بالتزاماتها، وعلى رأسها تنفيذ اتفاق أبريل 2011، يبقى من أهم نقط الخلاف بين المركزيات النقابية والحكومة على امتداد السنوات الخمس من عمرها، فإن اللافت كان هو دفع هذه الأخيرة، وفي أكثر من مرة، بإخلاء مسؤوليتها، بتأكيدها أنه «رغم أن البرامج الاجتماعية هي أول ما يتم تقليصه عادة في ظرفية الأزمة، فإن الحكومة لم تسلك هذا الخيار، بل حافظت على المكتسبات الاجتماعية وعملت على تعزيزها، ووفت بالتزاماتها فيما يخص الحوار الاجتماعي»، يؤكد رئيس الحكومة. وإذا كانت الكلفة المالية للحوار الاجتماعي قد بلغت خلال الخمس السنوات الماضية أكثر من 32 مليار درهم، من خلال التزام الحكومة برفع الأجور ب600 درهم، والحد الأدنى للمعاش من 600 درهم إلى 1000 درهم على مدى سنتين، بيد أن الأزمة الاقتصادية والمالية أوقفت أي أمل في تحقيق زيادات أخرى في أجور الطبقة العاملة، بل كانت لها تبعات من أبرزها انسحاب النقابات من الحوار الاجتماعي احتجاجا على عدم تنفيذ اتفاق 36 أبريل، الذي تعتبره أساسيا وحجر الزاوية لإنجاح ذلك الحوار. وبالنسبة للمركزيات النقابية، فإن استئناف جلسات الحوار مع الحكومة الحالية لا يتعين أن ينحصر في مناقشة الأمور المرتبطة بالمنهجية، وإنما بتطبيق ما تبقى من بنود الاتفاق، خاصة تعميم الزيادة في الأجور بقيمة 600 درهم لموظفي الجماعات المحلية، وتفعيل التعويض عن فقدان الشغل، وإلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي، الذي يعاقب على المشاركة في الإضراب بدعوى حماية الحق في حرية العمل، وكذا اعتماد قانون النقابات ووضع قانون تنظيمي للحق في الإضراب. وعلى امتداد السنوات الخمس الماضية، بدا واضحا أن الحوار الاجتماعي، وعلى خلاف ما كان عليه الأمر في عهد حكومتي عباس الفاسي وإدريس جطو، متعثر ومجرد «جولات استماع لوجهة نظر الحكومة فقط»، و«جلسات إخبارية»، حسب النقابات، التي لم تجد من بد غير اتهام حكومة بنكيران باللعب بالنار وزيادة الاحتقان الاجتماعي، وإشعال فتيل الاحتجاجات بالعديد من القطاعات الاجتماعية، زادتها حدة قرارات وصفت ب»اللاشعبية». ومقابل جنوح المركزيات النقابية نحو اتخاذ المزيد من الخطوات التصعيدية، من خلال خوض إضرابات عامة ومقاطعة احتفالات فاتح ماي، لم تفلح تلك الخطوات في الضغط على الحكومة الحالية للعودة إلى طاولة التفاوض، مستغلة ضعف النقابات وتشتتها، إلى حد أنه بدا في أكثر من مناسبة أن بنكيران لا يحسب ألف حساب لها، فهو يجيش ويهيئ للقرارات «المؤلمة» مقابل رد فعل ينحسر في التعبير عن الغضب دون أن يمتلك القدرة على التأثير. الأكيد أن للحوار الاجتماعي تكلفة مالية وأخرى اجتماعية تجعل حكومة بنكيران في مواجهة تحدي الاستجابة لمطالب المركزيات النقابية وعدم المغامرة بسلم اجتماعي هي في مسيس الحاجة إليه في الساعات الأخيرة من ولايتها، غير أن أسئلة كثيرة تثور حول إمكانية أن تغامر الحكومة بالسلم الاجتماعي في الشوط الأخير من ولايتها، وأخرى حول مدى تأثير «السوء الفهم الكبير» الذي ميز العلاقة بين الطرفين على امتداد السنوات الخمس على حظوظ وشعبية حزب العدالة والتنمية، ونحن على مرمى أشهر قليلة من النزال الانتخابي ل7 أكتوبر القادم. هل تربح النقابات معركة مواجهة «البيجيدي» في الانتخابات التشريعية؟ 500 ألف موظف معنيون بإصلاح التقاعد والمركزيات في حرج مع قواعدها كلما لاحت في الأفق بوادر عودة النقابات إلى طاولة الحوار، ونزع فتيل الاحتقان الاجتماعي الذي بصم علاقة المركزيات النقابية بحكومة عبد الإله بنكيران، إلا وتفجر ملف جديد يعيد كل محاولات التهدئة إلى نقطة الصفر، ليعود الفرقاء الاجتماعيون إلى الشارع كورقة للضغط ومواجهة القرارات الحكومية التي تعتبرها النقابات ضربا لمكتسبات الأجراء. هذه السنة يبقى ملف التقاعد أبرز نقطة خلافية بين النقابات والحكومة، وهو الملف الذي وتر بشكل كبير العلاقة بين الطرفين، وأدى إلى تنظيم إضرابات عامة ومسيرات واعتصامات لم تدفع في نهاية المطاف رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، إلى التراجع عن مشروعه لإصلاح الصندوق المغربي للتقاعد، الذي يعرف استنزافا خطيرا لماليته يصل إلى 6 مليارات سنتيم في اليوم الواحد. تستوعب النقابات أن هذا الصندوق يعاني من أزمة خطيرة، ولذلك فهي لا تعارض الإصلاح في حد ذاته، بل إنها تنتقد وتواجه بكل ما أوتيت من قوة ما تصفه ب»الثالوث المشؤوم». وصفة تحاول من خلالها الحكومة الرفع من سن التقاعد ونسبة المساهمة مع تخفيض قيمة المعاشات، عوض الوضعية الحالية التي يوصف فيها الصندوق ب»السخي». ورغم أن بنكيران نفسه يستوعب «قساوة» هذه الخطة على جيوب حوالي 500 ألف موظف يشتغلون في القطاع العام، إلا أنه أكد في عدد من المناسبات أن ما يقترحه تعرض لتحسينات في محاولة للتخفيف من أثره، ولهذا تمت المصادقة على مشاريع القوانين الخاصة بالصندوق المغربي للتقاعد في المجلس الحكومي، قبل إحالتها على المؤسسة التشريعية قصد استكمال مسطرة المصادقة عليها. في هذا الخضم، لجأت النقابات إلى آلية أخرى لعرقلة مناقشة قوانين التقاعد في اللجنة المختصة داخل مجلس المستشارين، وهكذا تم تأجيل الدراسة لأكثر من مرة لعدم اكتمال النصاب، وسط دعوات لإعادة هذه المشاريع إلى طاولة المشاورات بين الحكومة والنقابات. موقف يعتبره رئيس الحكومة غير ممكن، على اعتبار أن المؤسسة التشريعية هي من يجب أن تحتضن الآن أي نقاش، في اتجاه اعتماد التعديلات الممكنة، داعيا النقابات إلى تقديم أي عرض آخر بإمكانه أن يؤدي إلى نفس النتيجة: إنقاذ الصندوق من الإفلاس. يحاول رئيس الحكومة دائما أن يبدي «تفهمه» لمواقف النقابات. فالأخيرة لا يمكن أن تعلن عن موافقتها على هذه الإصلاحات تفاديا لغضب قواعدها، وفي المقابل يشدد بنكيران على أن علاقته بالنقابات جيدة، حيث سجل خلال افتتاحه لأشغال المنتدى الرابع للتقاعد أن علاقته بالنقابات ليست هي نفسها التي تربطه بالأحزاب المنافسة له. غير أن الرجل اعتبر أنه لو كان الإضراب يحل المشاكل، لأضرب هو نفسه. لا يبدو بنكيران متخوفا من قدرة النقابات على المس بشعبيته، أو التأثير على نتائجه في الانتخابات القادمة، بدليل أن الاستحقاقات الجماعية والجهوية منحت تفوقا كبيرا لل«بيجيدي» في أول امتحان انتخابي بعد سلسلة من القرارات «اللاشعبية»، والتي كانت تذهب بعض التحليلات في اتجاه إمكانية تأثيرها على موقع الحزب. أكثر من ذلك، فبنكيران اطمأن إلى ضعف الجسم النقابي في إمكانية تحقيق نوع من الغضب العام على حكومته، وهو ما كشفت عنه الإضرابات العامة والمسيرات التي شهدت مشاركة لا تعكس حقيقة الفئة التي يمسها عدد من قرارات الحكومة، ومنها الخمسمائة ألف موظف المعنيون بإصلاح الصندوق المغربي للتقاعد. كذلك، نجح بنكيران في رمي كرة إصلاح التقاعد إلى مرمى مجلس المستشارين، حيث سيجد أعضاء الغرفة الثانية أنفسهم في موقف محرج، خاصة المركزيات النقابية، التي يبقى على عاتقها خوض «معركة» كبيرة للحفاظ على مصداقية موقفها الرافض للمشروع الحكومي، أو السعي إلى إيجاد نوع من التوافق في إطار مفاوضات يقدم فيها كل طرف بعض التنازلات. لكن الأمر الخطير في هذا الصراع هو تراجع قدرة النقابات على تأطير الشارع والمواطن، وهو ما يطرح سؤالا عريضا حول طبيعة الاحتجاجات التي تشهدها بلادنا. فإذا كانت النقابات مؤسسات تلعب دورا محوريا في الوساطة بين الدولة والمجتمع، فإن تراجع دورها أو السعي إلى إضعافها يحمل في طياته مخاطر كبيرة، سواء من حيث سقف المطالب التي يتم طرحها من طرف بعض الفئات، أو مآلات بعض الاحتجاجات غير المؤطرة والجهة التي يمكن التفاوض معها. ولعل بروز بعض التنسيقيات الفئوية، البعيدة عن التأطير النقابي، مثال على التحديات المطروحة على مختلف الفاعلين المعنيين بضرورة الحفاظ على السلم الاجتماعي. النقابات وصراعها مع حكومة بنكيران.. ملفات مبررة أم محاولة لاسترجاع القوة؟ العزوزي: النقابات ستدافع عن الملفات المشروعة وممارسات الحكومة غير مسؤولة رفعت أربع مركزيات نقابية من وتيرة احتجاجاتها على الحكومة، حيث أعلنت من جديد عن تنظيم مسيرة وطنية يوم 3 أبريل المقبل بمدينة الدارالبيضاء، احتجاجا على عدم تجاوب الحكومة مع مطالبها وعلى عدم إشراكها في قرار ملف التقاعد، الذي تمت عرقلة مناقشة مشاريع قوانينه على مستوى الغرفة الثانية، عبر التأجيلات المتتالية، ويظل السؤال المطروح إلى أي حد يمكن أن تذهب النقابات في صراعها مع حكومة بنكيران؟ وهل لها من المطالب ما يبرر هذا النوع من الاحتجاجات، أم أن الأمر يتعلق بمحاولة لفت الانتباه إليها بعد تراجع الفعل النقابي؟ النقابات الأربع تتهم الحكومة بإغلاق باب الحوار، في الوقت الذي تعلن فيه هذه الأخيرة عكس ذلك، وأنها لجأت إلى التشاور مع كافة الفاعلين وأن ملف التقاعد ملف ذو طبيعة استعجالية ولا يتحمل التأخير نظرا لكلفته المالية المرتفعة. وفي هذا السياق يؤكد عبد الرحمان العزوزي، الكاتب العام للفيدرالية الديمقراطية للشغل، أن الخلاف مع الحكومة يعود إلى عدم تنفيذها ما تبقى من اتفاق 26 أبريل 2011 باستثناء الزيادات، رغم الوعود التي قدمها رئيس الحكومة عدة مرات، مشيرا، في تصريح ل»المساء»، إلى أن الملف المطلبي يتمثل أساسا في الحريات والحقوق النقابية، التي تعتبر أولى الأوليات ومنها الفصل 288 من القانون الجنائي، إلى جانب التعويض عن المناطق البعيدة والصعبة والتخفيض من الضريبة على الدخل والزيادة في الأجور. ومن الملفات التي لا زالت محط جدل بين الحكومة والنقابات ملف التقاعد، إذ عاب الكاتب العام للفيدرالية الديمقراطية للشغل على رئيس الحكومة عدم عقده أي لقاء منذ أن وعد بذلك في آخر اجتماع، حيث «أخبر ممثلي النقابات أنه سيجتمع بهم في أقرب الآجال، كما تم الاتفاق على تأسيس لجنة مشتركة، ليقع العكس وتتم إحالة مشاريع القوانين المتعلقة بالتقاعد دون استشارتنا ولم يتم تشكل اللجنة التي وعد بها بنكيران»، يقول العزوزي. ووصف الكاتب العام للفيدرالية الديمقراطية للشغل ممارسات الحكومة ب»غير المسؤولة»، مضيفا «ما زلنا ننتظر لحد الآن اللقاء الذي وعد به رئيس الحكومة، كما أنه قال إنه لن يقدم على أي شيء دون الاتفاق معنا، ونتأسف على ذلك، فبلادنا لا تحتاج إلى مزيد من الصعوبات، ولو عقدنا لقاء لتوصلنا إلى اتفاق حول الملفات المطروحة ناهيك عن أن النقابات بدورها تعتبر أن إصلاح التقاعد يتطلب الاستعجال». ورغم موقف النقابات، فإن الحكومة مصرة على المضي في إصلاح أنظمة التقاعد وفق رؤيتها رغم رفض النقابات لذلك، حيث سبق لمصطفى الخلفي، وزير الاتصال والناطق الرسمي للحكومة، أن قال:»كانت هناك اتصالات مع النقابات لكن موقفنا كحكومة واضح، لقد تحملنا مسؤوليتنا في إنجاز مشروع وطني لإصلاح أنظمة التقاعد تم فيه التشاور وقدم رئيس الحكومة عناصره للبرلمان وصادقت الحكومة على المشروع بمكوناته الثلاثة، والذي أخذ بعين الاعتبار الأزمة الحالية لصناديق التقاعد وضرورة مواكبة هذا المشروع بإجراءات اجتماعية». تجدد الخلاف بين النقابات والحكومة بين الفينة والأخرى، هناك من يعزيه إلى أنه مجرد محاولة من هذه الهيئات لاستعادة القوة للعمل النقابي الذي تراجع منذ حوالي 15 سنة، كما يقول بذلك عبد المالك أحزرير، أستاذ العلوم السياسية بجامعة المولى إسماعيل بمكناس، الذي يرى أن «لجوء النقابات إلى تنظيم عدد من الإضرابات والحركات الاحتجاجية هدفه هو رد الاعتبار للعمل النقابي ،لإنقاذ ما تبقى من رصيدها النضالي الذي أضاعته منذ سنين خلت، رغم أن لها مبرراتها في اللجوء إلى هذا النوع من الاحتجاج». وحول ما إذا كانت النقابات تحاول التغطية على ضعفها بالتصعيد تجاه الحكومة دون أن تأبه هذه الأخيرة لردود فعلها، قال الكاتب العام للفيدرالية الديمقراطية للشغل «إن الحكومة حاولت تخفيض نسبة الإضراب، والجميع يعرف من يكذب على نفسه، وإن القوة الحقيقية هي أن يتم تنظيم إضراب تجاوزت نسبة نجاحه 80 في المائة لا سيما في الدارالبيضاء دون أن تقع أي خسائر، ومهما كانت قوتنا فالنقابات ستظل تدافع عن الملفات المشروعة والتي تعترف بها الحكومة، ووجودنا مرتبط بالملفات الاجتماعية المختلفة». محمد الغالي: على النقابات تقرير مصيرها بتحقيق استقلاليتها عن القيادات الحزبية قال إن سيادة هذه الوضعية المحتقنة بين الحكومة والقيادات النقابية لا تخدم في شيء السلم الاجتماعي — كيف تجد التشنج القائم بين الحكومة المغربية والفرقاء الاجتماعيين، وما رأيك في الشكل التصعيدي الذي تخوضه النقابات ضد الحكومة؟ في الواقع العلاقة بين الحكومة المغربية والنقابات يجب أن تؤسس على التواصل والحوار والاحترام الذي يسير في اتجاه خدمة أهداف الوطن وليس المزايدات السياسية، على اعتبار أن العمل النقابي اليوم ليس مستقلا ويتحرك تحت مظلة الأحزاب السياسية، سواء المحسوبة على الأغلبية أو المحسوبة على المعارضة، فمثلا نتساءل لماذا تم تجميد العمل النقابي تقريبا من سنة 1998 حتى سنة 2010 خصوصا بالنسبة للكنفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب؟ – عرف الشارع المغربي هذه السنة بالخصوص جملة من الاحتجاجات، التي نظمتها النقابات الأربع أو ساهمت في تعبئتها ضد قرارات الحكومة، ما تأثير هذه الاحتجاجات على الخريطة السياسية المقبلة؟ لابد أن أشير أولا إلى ملاحظة أساسية وهي أن دور النقابات ليس هو الاحتجاج، بل يكمن دورها في الدفاع عن المصالح المادية والمعنوية للعمال والمستخدمين والموظفين بطرق متعددة منها التأطير والتكوين وممارسة الضغط، وإن اقتضى الأمر تنفيذ إضرابات لا تخرج عن نطاق النظام العام والآداب والأخلاق العامة، ولا يتحول الإضراب إلى وسيلة للابتزاز وخدمة أجندات شخصية أو فئوية، ولعل الجميع يتذكر كيف عانى المواطنون والمواطنات من الإضرابات التي كانت تنفذها مجموعة من الرمزيات النقابية في الجماعات الترابية، حيث سجل المواطنون والمواطنات أن موظفين كانوا يضربون على مكاتبهم فقط أيام الإضراب، لكن كانوا يقضون في نفس اليوم مصالح بعض الناس في المقاهي وفي بيوتهم. وهو ما شكل سابقة وانزلاقا خطيرا في تاريخ العمل النقابي، وهو ما تنافى والحد الأدنى من أخلاقيات وأدبيات الحس النقابي.. وعليه إذا كان هذا هو المنطق المتحكم في النقابات، فإن تأثيرها على الانتخابات سيكون دون أثر. – بما أن هذه السنة هي سنة انتخابية بامتياز ألا يمكن اعتبار أن هذا الحراك الاجتماعي هو شكل من أشكال المزايدات السياسية تحركه، ربما، أياد خفية لا تريد الاستمرار لحكومة بنكيران؟ كما أشرت في السابق، النقابات يجب أن تقرر مصيرها أولا بتحقيق استقلاليتها عن القيادات الحزبية، حيث لازلنا نجد زعماء أحزاب على رأس نقابات أو هم من يتبنون من يكون على رأسها، وعليه استمرار هذا النوع من الثقافة لا يمكن أن يسير إلا في الاتجاه الذي يوظف النقابات عجينا لخدمة أهداف انتخابية وكذلك خدمة حتى أهداف ابتزازية للحصول على مناصب أو الحصول على مراكز معينة. يمكن أن أقول بأن الموت السريري للعمل النقابي بدأ مع سنة 1998 نتيجة غياب عامل الاستقلالية، دون أن يعني هذا أننا لن نأخذ بعين الاعتبار الجدلية الموجودة بين السياسي والنقابي. – كيف تجد تجاوب الحكومة مع الحراك الاجتماعي ومع مطالب النقابات، وما تقييمك لإجراءاتها للحد من هذا الاحتقان؟ في الواقع لا يستطيع أي متتبع أن ينكر أن العلاقة بين الحكومة والمركزيات النقابية لا تبشر بالخير. وهذا يرجع إلى مجموعة من الأسباب التي تكمن أساسا في أزمة التواصل الموجودة بين القيادات السياسية، سواء المساندة للأغلبية أو المعارضة لها. وهذا ما أثر سلبا على درجة التجاوب بسبب هيمنة حوار الصم البكم. وهي وضعية غير سليمة، تشجع على الاحتقان الذي لا يخدم أي طرف على اعتبار أن الجميع صادق على دستور 2011 وتبنى مقتضيات، والتي تقتضي مساهمة الجميع وتضافرهم من أجل التفعيل المشترك لمقتضيات الدستور وتجاوز خطاب اللوم أو العتاب المضاد. – ما هي السيناريوهات المحتملة بين الطرفين في ظل انعدام الحوار الاجتماعي؟ أقول في هذا السياق بأن سيادة هذه الوضعية المحتقنة بين الحكومة والقيادات النقابية لا تخدم في شيء السلم الاجتماعي، وربما استمرارها قد يولد شروطا يصعب تدارك نتائجها السلبية مستقبلا، ولعل أهمها ترسيخ اعتقاد عدم الثقة لدى المواطنين والمواطنات. وعليه فإن الظرفية تفرض تغليب منطق المصلحة الوطنية على مصالح المنظمات سواء كانت حزبية أو نقابية. وهذا ما لا يمكن تحققه إلا من خلال، أولا التأسيس لقنوات تواصل دائمة ومستمرة، واحترام مبدأ توزيع الأدوار حسب ما تم تحديده من خلال مقتضيات الفصول 7 و 8 و 9 من دستور 2011، والتي تحدد بشكل واضح العلاقة بين المنظمات الحزبية من جهة والمنظمات النقابية من جهة أخرى، وتحدد كذلك خريطة الأدوار التي تجيب على سؤال من يقوم بماذا؟ ولأجل ماذا؟ وهي مداخل أساسية في سياق ربط المسؤولية بالمساءلة والمحاسبة… وعليه فإن عدم احترام قاعدة الأدوار هذه لا يمكن أن تفتح العلاقات الاجتماعية إلا على المجهول، الذي لن يخدم في شيء القضايا الوطنية المصيرية، ويجعل الأطراف العاجزة عن التواصل رهينة لخدمة أجندات خارجية، تضرب في العمق المصالح الوطنية.