سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
العلوي الإسماعيلي: التقيت الحسن الثاني في باريس لأخبره برغبة المسؤولين الألمان في التعرف عليه قال إن مستشارا لألمانيا قال له إن الحسن الثاني «ملك داهية» وموسوعي
هناك العديد من الشخصيات التي ساهمت في صنع التاريخ المغربي، سلبا أو إيجابا، توارت إلى الخلف ولم تستعذب يوما لعبة الأضواء، ولأن التاريخ لا تصنعه الشخصيات «الشهيرة» فقط، فإن الكثير من المعلومات ضاعت في أتون الصراع السياسي والحسابات الشخصية. عبد الكبير العلوي الإسماعيلي، صاحب دار نشر منشورات «الزمن» الشهيرة، واحد من هاته الشخصيات، التي كان لها دور حاسم في قضية الصحراء في الكثير من المحطات، وإذا كان يرفض صفة «عميل المخابرات المغربية»، فإنه يؤكد أنه تعاون معها في الكثير من اللحظات الحساسة. على كرسي الاعتراف، يحكي العلوي الإسماعيلي أسرارا غاية في الحساسية عن قضية الصحراء ودور إدريس البصري وعلاقاته المتشعبة مع النظام الليبي، كما يتوقف عند لقاءاته بالملك الراحل الحسن الثاني، ويشرح كيف أخبره في إحدى الجلسات الخاصة أنه يتوفر على معلومات تؤكد قرب القيام بمحاولة انقلابية جديدة بالمغرب. – قلت بأن فرنسا كانت تشكل عائقا أمام ألمانيا للاستثمار في المغرب، هل سعى المسؤولون الألمان إلى إقناع المغرب بضرورة الدخول على خط المنافسة؟ أريد فقط أن أؤكد أن احترام الألمان للمغاربة نابع أيضا من كونهم لم ينسوا مساهمة الجنود المغاربة في الحرب العالمية، خاصة في الجنوب الألماني، حيث خاضوا معارك ضارية جدا ضد القوات النازية. ولذلك كانوا يقولون لي دائما، ومنهم مستشارون ألمان سابقون، إن المغرب قادر على أن يلعب دورا مهما في منطقة شمال إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء. ومازلت أتذكر أن المسؤولين الألمان كانوا يرغبون في لقاء الملك الراحل الحسن الثاني، واقترحوا علي ذلك مرات عديدة، وقد بلغت ذلك لجلالة الملك. – كيف بلغت ذلك للملك، وأنت لم تكن سوى طالب ثم صحافي لتحمل أوراق الاعتماد الألماني؟ – يضحك- لقد التقيت الملك الراحل الحسن الثاني مرات كثيرة، وسأسرد لك خلال هذا الحوار فحوى لقاءاتي معه، لكن فيما يرتبط بالدعوة الألمانية، فقد التقيته في باريس أثناء زيارته الأخيرة للعاصمة الفرنسية، وأبلغته بشكل شفوي بأن المسؤولين الألمان اقترحوا عليه زيارة ألمانيا في أقرب وقت. – هل التقيت معه على انفراد؟ نعم، وقد قلت له ما يشبه هذه الجملة: المسؤولون ومعهم الكثير من المواطنين الألمان يسألون لماذا لا تزور ألمانيا؟ – ماذا كان جواب الملك الحسن الثاني؟ لم ينبس بأي شيء، وظل يستمع إلى ما كنت أقوله له، ويومئ برأسه فقط. وواصلت الحديث معه بالقول إن الألمان هم أصحاب فكرة اللقاء. – كيف استطعت أن ترتب لقاء بالحسن الثاني، أو دعني أطرح السؤال بصيغة أخرى، كيف استطعت أن تنفذ إلى المسؤولين الألمان بهذه السهولة؟ السفير المغربي في ألمانيا السيد عبد الحكيم العراقي كان يسألني دائما: كيف يزورك البرلمانيون والمسؤولون في بيتك، فيما تبذل السفارة المغربية جهودا كبيرة جدا دون أن تتوفق في ذلك. الألمان كانوا أذكياء جدا ويحبون النقاش وليسوا متصنعين ولا يحبون المجاملات، وأنا كنت أسايرهم في هذا التوجه، ولن أنسى أنهم كانوا منبهرين جدا بالثورة الإيرانية ضد الشاه، وكانت جل أسئلتهم تتمحور حول الأهداف التي تريد تحقيقها الثورة، بل إنهم كانوا ينظرون إليها على أنها بمثابة ثورة عالمية جديدة، بمعنى آخر كانت الثورة بالنسبة إليهم نوعا من الحلم الرومانسي، وكان لدي صديق ألماني يقول لي إن ألمانيا عقلها في الشرق وروحها في الغرب، وهذا كان صحيحا جدا. – هل كانوا يعرفون شيئا عن الدور المغربي في التوسط بين الشاه والثوار؟ لم يكونوا يعرفوا أي شيء عن ذلك، لكن ما أتذكره أن جل أحاديثهم اليومية كانت حول الثورة الإيرانية ومآلاتها. إذا سمحت دعني أعود لسؤال سابق حول رؤية الألمان للمغرب، فقد أخبرني هيرمون شميت، المستشار الألماني السابق بفندق المامونية، أن الحسن الثاني ملك داهية ولديه أفكار موسوعية وشاملة عما يجري في المحيط الإقليمي والعالمي. – متى بدأ اهتمامك بقضية الصحراء بألمانيا؟ سنة 1970 بالتحديد، وقد تبلور هذا الاهتمام بسبب البحث الدؤوب حول الموضوع على كل المستويات، بيد أن خطاب حمدي ولد مكناس، وزير الخارجية الموريطاني، أكد على أن الصحراء الغربية موريطانية، الشيء الذي جعلني بمعية كارل هازنتلر، وهو صحافي ألماني، وكان نائبا لوكالة الأنباء الفرنسية بمدينة فرانكفورت الألمانية، أكتب مقالة طويلة نقول فيها إن الحل المرحلي لقضية الصحراء هو تقسيمها بين المغرب وموريطانيا، وهذا ما حدث فعلا بعد ذلك، وفي تلك الفترة أي سنة 1973، زار هنري كيسنجر، وزير الخارجية الألماني مدريد وقال وقتئذ بصريح العبارة إن المغرب جاد في مطالبه حول الصحراء، وكلمة كيسنجر كانت موجهة بالتحديد إلى المسؤولين الإسبان وليس للمغاربة، بمعنى آخر كان يبتغي أن يوجه رسالة إلى الإسبان مؤداها أن البحث عن حل أصبح مسألة ملحة لا تحتمل التأجيل. في هذه المرحلة، سأنتقل من مرحلة الدفاع عن قضية الصحراء بالكتابات الصحافية والتحليلات إلى مستوى آخر، يتمثل في التحرك على المستوى الميداني لأنني اقتنعت أن قضية الصحراء المغربية، آنذاك، تمر بفترة صعبة جدا.