نمر باقر النمر رجل دين شيعي أثار الجدل في حياته، وأشعل فتيل التوتر حتى بعد مماته، فعلى طول العقود الخمسة التي عاشها، لم تنفع كل الاعتقالات التي أخضعته السلطات السعودية لها لإسكاته والحد من خطبه النارية ضد النظام ومطالبته بدولة شيعية، فتقرر إعدامه أملا في إخراس صوت معارض استغلته إيران أحسن استغلال في مواجهتها الدبلوماسية المفتوحة ضد الرياض. دخلت العلاقات الإيرانية السعودية منعطفا جديدا في التوتر الدبلوماسي بينهما، لا يستبعد مراقبون أن يحتد ويتحول إلى حروب بالوكالة في عدد من بؤر التوتر في المنطقة، كاليمن والبحرين، وهي البلدان التي تعرف تواجدا شيعيا، فقد سارعت الرياض إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، في الوقت الذي اعتبرت فيه طهران أن هذا الإجراء هو هروب إلى الأمام بعد ارتكاب خطأ فادح بقتل رجل الدين الشيعي، وبين تبادل الاتهامات بين البلدين، تسارع دول كالولايات المتحدة إلى نزع فتيل توتر طائفي قد ينتقل لهيبه إلى بلدان مجاورة. رجل فرح لموت ملك السعودية يعد «نمر النمر» أحد أبرز رموز الشيعة المعارضين للنظام في المملكة العربية السعودية، ولد في عام 1959 في منطقة العوامية في محافظة القطيف بالسعودية، ودرس في مسقط رأسه العوامية، ثم هاجر إلى إيران عام 1980، حيث التحق بالحوزة العلمية التي استقر بها لما يقارب عشر سنوات قبل أن يتجه من هناك إلى سوريا. تعرض للاعتقال مرات عديدة بسبب مواقفه المعادية والمعارضة للنظام الحاكم في السعودية وما قال إنه إقصاء للشيعة من تولي المناصب السياسية والعسكرية في البلد. تتهمه السلطات السعودية بأنه كان له دور رئيسي في التحريض على أعمال العنف والاحتجاجات التي شهدتها منطقة القطيف في السعودية بين سنتي 2011 و 2012، لما كان له من شهرة في أوساط الشيعة بسبب الخطب الحادة النارية التي يوجهها، والتي كانت تتميز بانتقاد حاد للنظام في المملكة. اتهامات التحريض التي كانت توجهها السلطات السعودية ل»نمر باقر النمر» لم تقتصر على الاحتجاجات التي حدثت في سنة 2011، بل تشمل أيضا احتجاجات أخرى عرفتها البلاد، ففي سنة 2009 هدد النمر بانفصال منطقة القطيف والإحساء وإعادتهما للبحرين من أجل تشكيل إقليم واحد، وهو ما أثار حفيظة السلطات السعودية التي سارعت إلى اعتقاله. شكل استثناء في سنة 2012، عندما عبر عن ارتياحه لوفاة ولي العهد السعودي السابق «نايف بن عبد العزيز» الذي شغل منصب وزير الداخلية أيضا، وبعد تولي الأمير سلمان بن عبد العزيز وليا للعهد خلفا له، سارع النمر من جديد لانتقاد الاختيار. في سنة 2011، استغل «نمر النمر» اندلاع موجات الاحتجاجات في بعض البلدان العربية فيما عرف بالربيع العربي ليعود إلى الخطابة والتدريس بالرغم من الحظر الرسمي الذي سبق للسلطات السعودية أن فرضته عليه، وسرعان ما اتهمته السلطات بالعودة إلى خطابات التحريض على الاحتجاج والعنف، لتقرر السلطات الأمنية اعتقاله في سنة 2012، وأصدرت الداخلية السعودية بيانا فيه تشرح ظروف وملابسات الاعتقال، مشيرة إلى أنه « حاول ومن معه مقاومة رجال الأمن ومبادرته لهم بإطلاق النار، والاصطدام بإحدى الدوريات الأمنية أثناء محاولته الهرب، فقد تم التعامل معه بما يقتضيه الموقف والرد عليه بالمثل، والقبض عليه بعد إصابته في فخذه. خضع للمحاكمة في شهر أكتوبر من سنة 2014، وأصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض، حكماً ابتدائياً يقضي بإدانة النمر، والحكم عليه بالقتل تعزيرا بعد ثبوت ارتكابه عدة جرائم منها «الخروج على إمام المملكة والحاكم فيها خادم الحرمين الشريفين لتفريق الأمة وإشاعة الفوضى وإسقاط الدولة» كما اتهم بمحاولة «إعلانه عدم السمع والطاعة لولي أمير المسلمين في المملكة، وعدم مبايعته له ودعوته وتحريض العامة على ذلك، ومطالبته بإسقاط الدولة عبر خطب الجمعة، وتحريضه على الإخلال بالوحدة الوطنية. وأيدت محكمة الاستئناف الحكم الابتدائي، مشيرة إلى أن المدعى عليه يدعو إلى الفتنة خارج عن الطاعة والجماعة، حريص على تفريق جماعة المسلمين، ولا يقر لولي الأمر بطاعة ولا بيعه، ونتج عن ذلك إزهاق لأنفس بريئة من المواطنين ورجال الأمن، فنفذ إعدامه السبت الماضي، ليشعل توترا يتفاعل بشكل سريع ويهدد بتحويل المنطقة إلى ساحة مواجهة مفتوحة. إيران تنتظر عقابا إلهيا للسعودية هاجم المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي السلطات السعودية متوعدا بأن إعدام رجل الدين الشيعي «نمر باقر النمر» سيكون له عقاب إلهي يطال السعودية، ونقلت وكالة الأنباء الرسمية في إيران عن خامنئي قوله «….إن الانتقام الإلهي سيطال الساسة السعوديين، داعيا دول العالم إلى تحمل المسؤولية فيما وصفها بالجريمة وإراقة دم «نمر باقر النمر» دون وجه حق» حسب تعبيره. كما أدانت الخارجية الإيرانية إعدام «نمر باقر النمر»، وتوعدت إيران السعودية بأنها ستدفع ثمنا باهظا جراء تنفيذها حكم الإعدام. الانتقام الإلهي الذي «تحدث عنه خامنئي وتوعد به السعودية استغله المئات من الشيعة للربط بين إعدام النمر، وبين نبوءات شهيرة في المذهب الشيعي، تعتبر علامة من علامات ظهور المهدي المنتظر، تتحدث عن 3 خطوات لخروج المهدي المنتظر وهي قتل شخص ظلما، ثم سقوط الحكم في المملكة، ثم خروج المهدي والنداء به من السماء». فيما هاجم عضو مجلس خبراء القيادة الإيراني آية الله خاتمي إعدام السعودية المعارض «نمر باقر النمر»، داعيا منظمة التعاون الإسلامي إلى اتخاذ موقف إزاء ذلك. وتتجه إيران لتصعيد دبلوماسي بعد إعدام «نمر باقر النمر»، إذ توعد خاتمي بأن بلاده سيكون لها موقف دبلوماسي حازم تجاه الرياض، واستدعت طهران القائم بالأعمال السعودية في طهران احتجاجا على تنفيذ السلطات السعودية حكم الإعدام في حق «نمر باقر النمر». وتوالت ردود الفعل من الدول الإسلامية التي تتواجد فيها طوائف شيعية، لإدانة إعدام رجل الدين الشيعي، إذ وصف المجلس الإسلامي الشيعي في لبنان إعدام «نمر باقر النمر» بالخطأ الفادح، معتبرا أنه إعدام للعقل والاعتدال والحوار. أما في العراق فقد أدان الائتلاف العراقي الحاكم في العراق تنفيذ السعودية حكم الإعدام، مشيرا إلى أن ذلك سيشعل الفتنة الطائفية. كما أدان الحوثيون الذين تخوض السعودية حربا ضدهم في اليمن، تنفيذ حكم الإعدام، أما زعيم حزب الله اللبناني فقد حذر من «تحويل مقتل الشيخ النمر إلى فتنة مع أهل السنة»، مشيرا إلى أنهم «لن يتجاوزوا مقتله، مضيفا في كلمة له أذيعت على تلفزيون الحزب أن السعودية مدانة إدانة واضحة، مضيفا أن «النمر كان يطالب بالحريات التي يطالب بها كل إنسان بالعالم، ولكن من يتكلم يُعدم في السعودية التي تريد أن تنشر الديمقراطية في المنطقة. قطع العلاقات وتوتر مذهبي بين البلدين
ولم يتأخر رد السعودية على الهجوم الإيراني عليها، إذ وصفت طهران أنها راعية الإرهاب، وأن نظامها هو نظام طائفي، ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن مصدر مسؤول بوزارة الخارجية، قوله، إن « تصريحات النظام الإيراني تكشف عن وجهه الحقيقي المتمثل في دعم الإرهاب، والتي تعد استمرارا لسياساته في زعزعة أمن واستقرار دول المنطقة. وأشار المتحدث ذاته إلى أن»نظام إيران آخر نظام في العالم يمكن أن يتهم الآخرين بدعم الإرهاب، باعتباره دولة راعية للإرهاب، ومدان من قبل الأممالمتحدة والعديد من الدول، ويؤكد ذلك إدراج عدد من المؤسسات الحكومية الإيرانية على قائمة الإرهاب في الأممالمتحدة». واتهم النظام الإيراني ب«توفير ملاذ آمن على أراضيه لعدد من زعامات القاعدة منذ العام 2001، مضيفا «أن تدخلات النظام الإيراني السافرة في دول المنطقة، شملت كلاًّ من العراق واليمن ولبنان، وسوريا التي تدخلت فيها بشكل مباشر من خلال الحرس الثوري، والميليشيات الشيعية من لبنان ودول العالم، ونجم عنه مقتل أكثر من 250 ألف سوري بدم بارد، وتشريد أكثر من 12 مليون». وهاجم محتجون إيرانيون السفارة السعودية في العاصمة طهران وأضرموا النار فيها، احتجاجاً على إعدام المملكة رجل الدين الشيعي، «نمر باقر النمر» ونقلت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية أن المحتجين الغاضبين اقتحموا السفارة وأضرموا النار فيها، وهم يرددون هتافات مناهضة للسلطات السعودية قبل أن تتدخل قوات الأمن في العاصمة الإيرانية وتخرج المحتجين الغاضبين من مبنى السفارة. فيما أدانت الجامعة العربية في بيان لها الاعتداء على السفارة السعودية واعتبر البيان أن الاعتداء انتهاك صارخ للمواثيق والأعراف الدولية»، محملًا إيران مسؤولية حماية المقرات، وفقًا لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية مطالبة ب»ضرورة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، التي من حقها المشروع الحفاظ على أمن مواطنيها، والسلم الأهلي، ووحدة نسيجها الاجتماعي». الإعلام الدولي يتوقع حربا طائفية بسبب الإعدام اعتبرت منظمة العفو الدولية، محاكمة رجل الدين الشيعي «نمر النمر» أنها محاكمة سياسية وغير عادلة، منتقدة تنفيذ حكم إعدامه إلى جانب تنفيذ 47 حكم بالإعدام في يوم واحد. واعتبرت المنظمة في بيان لها نشرته على موقعها الإلكتروني أنه يوم دموي، ووجه مدير المنظمة الدولية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فيليب لوثر سهام نقده إلى السلطات السعودية بخصوص إعدام النمر، معتبرا أن الأمر تصفية حسابات سياسية. وكذب المتحدث ذاته تبريرات السعودية لتنفيذ أحكام الإعدام وأنها تتعلق بمحاربة الإرهاب والحفاظ على الأمن، متهما السلطات السعودية باستخدام الإعدامات لتصفية حسابات سياسية، وسحق المعارضين تحت غطاء مكافحة الإرهاب. وتخشى واشنطن من أن يؤدي إعدام «نمر باقر النمر» في تصعيد التوتر الطائفي في منطقة الشرق الأوسط، وأصدرت الخارجية الأمريكية بيانا دعت فيه السلطات السعودية إلى «احترام حقوق الإنسان، وضمان الإجراءات القضائية الشفافة»، كما دعتها إلى «السماح للمعارضين بالتعبير عن أصواتهم بشكل سلمي» وذهبت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية إلى أن إعدام النمر كان مفاجئا، إذ توقع عدد من المراقبين أن تتراجع السلطات السعودية عن تنفيذ حكم الإعدام، كي تتجنب إشعال توترات طائفية في المناطق التي تعرف تواجدا شيعيا، فيما اعتبرت «نيويورك تايمز» الأمريكية أن تنفيذ حكم الإعدام سيزيد من التوتر في المملكة السعودية بين الأسرة الحاكمة السنية وبين الشيعة في المنطقة، كما حذرت الصحيفة من أن إيران هددت السعودية أنها ستدفع ثمن باهظا. أما صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية فقد كتبت أن تنفيذ حكم الإعدام في حق رجل الدين الشيعي المعارض قد يتسبب في رد فعل عنيف من إيران التي سبق لها أن حذرت السعودية من إعدام «نمر باقر النمر»، كما حذرت الصحيفة من أن يؤدي الحادث إلى عودة التوتر والاضطرابات بين الشيعة في السعودية. وهو التحذير نفسه الذي تبنته صحيفة «وول ستريت جورنال» في تغطيتها لخبر تنفيذ حكم الإعدام في رجل الدين الشيعي، إذ حذرت من أن ذلك قد يشعل التوترات في المنطقة الشرقية. أما صحيفة الإندبندنت البريطانية فقد شنت هجوما عنيفا على السلطات السعودية مشبهة تنفيذ أحكام الإعدام بما يقوم به تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» من قطع للرؤوس وإعدامات في حق مخالفيه، ودعت الصحيفة الدول الغربية وعلى رأسها بريطانيا إلى نهج تعامل مختلف مع النظام السعودي.