أزمة جديدة للقمح بدأت تطل برأسها على الاقتصاد الوطني، خاصة بعد تأخر التساقطات وتراجع احتياطيات الحبوب إلى مستويات مقلقة لا تتجاوز شهرين تقريبا. وتعيش وزارة الفلاحة حالة استنفار قصوى للتعامل مع الوضعية الحالية، كما صادق مجلس الحكومة على مشروع مرسوم يتعلق بمقدار رسم الاستيراد المفروض على القمح اللين ومشتقاته، والذي يقترح مراجعة تعريفة رسوم الاستيراد المطبقة على القمح اللين من 50 في المائة إلى 30 في المائة، وذلك من أجل ضمان تمويل عادي للسوق المحلي من هذه المادة، بهدف بلوغ سعر عند الاستيراد في حدود 260 درهما للقنطار. ورغم أن نتائج المحصول الزراعي للموسم الفلاحي 2014 – 2015، كانت أكبر من المتوقع حيث وصلت إلى 115 مليون قنطار متجاوزة بنسبة 5 في المائة رقم 110 ملايين قنطار، الذي توقعته الوزارة، إلا أن المغرب لم يستفد كثيرا من هذا المحصول القياسي. ولم تتخذ وزارة الفلاحة أي إجراء استثنائي للتعامل مع محاصيل الموسم الفارط، رغم أنها واعية بأن الحل يكمن في تعزيز نظام التخزين، بشكل يتيح للفلاح الحفاظ على محاصيله لفترة معينة تفاديا لبيعها بسعر بخس خلال الشهور التي تعرف وفرة في العرض، بحيث إن المسؤولين عنها لم يكلفوا أنفسهم عناء ذلك، وفضلوا الاقتصار على المخازن المتوفرة، والتي لا تفوق طاقتها الاستيعابية 25 إلى 30 في المائة من الإنتاج الوطني. وتؤكد معطيات المكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني، أن الطاقة الاستيعابية لنظام تخزين الحبوب لا تتجاوز 32 مليونا و165 ألف قنطار، تتوزع بين أماكن التخزين الداخلية بطاقة استيعابية تصل إلى حدود 30 مليونا و665 ألف قنطار، وصوامع الحبوب بالموانئ، التي تبلغ سعتها مليونا و500 ألف قنطار. ما يعني أن أكثر من 56 مليون قنطار تخزن بطرق تقليدية. وفي ظل تراجع إمكانيات التخزين يتكرر السيناريو نفسه دائما في السنوات السمان، حيث يستغل الوسطاء المحاصيل القياسية لدفع الأسعار نحو الانهيار، ليجد الفلاح الصغير نفسه في وضع لا يحسد عليه بين مطرقة صعوبة تخزين أكياس القمح ذي الثمن البخس، وسندان عدم تعويض الخسائر الموروثة عن السنوات الماضية. ويبدو أن الموسم الفلاحي المنصرم لم يشذ عن القاعدة ولم يشكل استثناء في مسلسل معاناة الفلاح، فالأرقام الصادرة عن وزارة الفلاحة التي بشرت بمحصول يتجاوز هذه السنة 115 مليون قنطار، جعلت الفلاح، مرة أخرى، في مواجهة تحديات التخزين ومظاهر المضاربة وأشكال التلاعب التي يلجأ إليها بعض الوسطاء والسماسرة، بغية تحقيق أرباح على حساب الفلاحين ومصالح الدولة، وجعلت الدولة كذلك تدفع الثمن، خاصة مع تأخر التساقطات خلال الموسم الحالي وتنامي المخاوف من سنة عجفاء.