في الوقت الذي يصنف فيه الخبراء الفترة الحالية كأحسن ظرفية للشراء وتخزين المواد الأولية، وعلى رأسها النفط والقمح، اللذين انهارت أسعارهما بشكل كبير في الأسواق العالمية، تقف مجموعة من العراقيل أمام تحقيق هذه الخطوة الرشيدة، وعلى رأسها ضعف بنيات التخزين وتحكم مجموعة من اللوبيات في القطاعات المعنية، وهو ما سيحرم المغرب من الاستفادة من هوامش إضافية إذا ما عادت الأسعار إلى الارتفاع من جديد. وفق المعلومات الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية، من المرتقب أن يستقر الطلب العالمي على النفط خلال الربع الأول من السنة الجارية في حدود 92.5 مليون برميل، بعدما كان يتجاوز 93.5 مليون برميل خلال الربع الأخير من العام الماضي، ما يجعل فائض المعروض العالمي من النفط يقدر بمليون برميل يوميا، وهو ما سيدفع أسعار الذهب الأسود إلى مزيد من الانخفاض، حسب توقعات الخبراء، وعلى رأسهم مصرف «مورغان ستانلي»، الذي يتوقع أن تنحدر الأسعار إلى حوالي 43 دولارا في الربع الثاني من السنة الجارية. هذه الوضعية تنطبق، كذلك، على مادة أخرى لا تقل أهمية، وهي القمح، حيث تتوقع البورصات العالمية أن تشهد أسعار هذه المادة تراجعا قويا خلال السنة الجارية. وحسب خبراء في بورصة شيكاغو التجارية، فإن وضعية سوق النفط العالمية ستؤدي إلى تراجع أسعار الحبوب، وهو ما سيكون إيجابيا بالنسبة إلى البلدان المستوردة. غير أن السؤال الذي يطرح نفسه، هو لماذا لا يستغل المغرب هذه الظرفية المتميزة بتراجع أسعار المواد الأولية من أجل شراء كميات كبيرة منها وتخزينها، خاصة أن أسعار النفط والقمح مرشحة للارتفاع من جديد خلال سنة من الآن على أبعد تقدير؟ المخزونات الاحتياطية.. ضمان لأمن البلاد خلال شهر يناير من السنة الماضية، كاد المغرب أن يتعرض لأزمة نفطية خانقة بعد أن عجزت سفن محملة بأطنان من النفط الخام عن الرسو بميناءي المحمدية والجرف الأصفر، بسبب سوء الأحوال الجوية. هذه الأزمة خلقت استنفارا بميناء المحمدية ودفعت مسؤولين كبارا في شركة «سامير» إلى الإشراف شخصيا على عملية تسهيل رسو البواخر المحملة بالنفط، كما دفعت وزير الطاقة، عبد القادر عمارة، إلى عقد اجتماع عاجل مع تجمع النفطيين في المغرب، طالب من خلاله جميع الفاعلين في القطاعين الخاص والعام بضمان تأمين الإمدادات حتى لا يقع المغرب في أزمة تموين بالمحروقات. ما وقع بالموانئ النفطية المغربية طرح معه، آنذاك، إشكالا مستعصيا يتعلق بالمخزونات الاحتياطية التي يتوفر عليها المغرب من المنتجات البترولية، خاصة أن إنشاء هذه المخزونات، التي تقاس بعدد الأيام، يهدف إلى تحقيق السلامة والوقاية من الأزمات التي يمكن أن تؤثر على التزويد العادي للبلاد من هذه المنتجات. وتظهر أهمية المخزونات الاحتياطية للمواد النفطية، في حث الوكالة الدولية للطاقة الدول على توفير مخزون يعادل 90 يوما من استيراد المواد الخام أو المواد البترولية المكررة. أما الاتحاد الأوربي، فيقدر هذا المخزون ب 90 يوما للاستهلاك من المواد المكررة مع إمكانية استبدالها بالبترول الخام في حدود نسب 40 إلى 50 في المائة. أما في المغرب، فيخضع إنشاء المخزونات الاحتياطية، التي تعتبر من مؤشرات ضمان أمن البلاد، لمقتضيات القانون رقم 9 - 71بتاريخ 12 أكتوبر 1971 المتعلق بالمخزونات الاحتياطية. ويحدد قرار وزير الطاقة والمعادن رقم 393-76 بتاريخ 17 فبراير 1977، كما وقع تغييره سنة 2008، المستويات التي يجب الاحتفاظ بها من طرف مصافي التكرير والموزعين ومراكز التعبئة. وحسب هذا القرار، يتعين على المصافي الاحتفاظ بمخزون احتياطي من البترول الخام يعادل 30 يوما من مبيعاتها من المنتجات البترولية. كما يجب على الموزعين الاحتفاظ بالنسبة لكل منتوج بمخزون يعادل 60 يوما من مبيعاته في السوق المحلية. أما بالنسبة لمراكز تعبئة البوطان، فإن المخزون الذي يجب تكوينه يعادل كذلك 60 يوما من الكميات المعبأة والموزعة في السوق الداخلية. وإذا كانت الاحتياطيات النفطية بهذه الأهمية، فإن الاحتياطيات من مواد أولية أخرى، وعلى رأسها القمح، لا تقل أهمية، والدليل على ذلك، أن المغرب نجا خلال سنة 2013 من أزمة خطيرة على مستوى احتياطيات القمح، وكاد أن يصل إلى مستوى العجز عن تزويد السوق الوطنية بهذه المادة الحيوية، بعد أن أصبحت الاحتياطيات المتوفرة لا تغطي سوى 3 أشهر فقط. وحسب المحللين، فإن المثير في أزمات القمح، التي تتكرر في المغرب سواء كان الموسم الفلاحي جيدا أم ضعيفا، أن وزارة الفلاحة واعية بأن الحل يكمن في تعزيز نظام التخزين، بشكل يتيح للفلاح الحفاظ على محاصيله لفترة معينة تفاديا لبيعها بسعر بخس خلال الشهور التي تعرف وفرة في العرض، غير أن المسؤولين عنها لم يكلفوا أنفسهم عناء ذلك، وفضلوا الاقتصار على المخازن المتوفرة، والتي لا تفوق طاقتها الاستيعابية 25 إلى 30 في المائة من الإنتاج الوطني.
ظرفية مناسبة لشراء النفط وبنيات تخزين غائبة يصنف الخبراء الظرفية الحالية للأسواق العالمية، والمتميزة بتراجع قياسي لأسعار النفط والقمح، على أنها الفترة المناسبة للقيام بعمليات شراء كبيرة للمواد الأولية وتخزينها من أجل توفير هوامش ضخمة في حالة إذا ما عادت الأسعار إلى الارتفاع من جديد. غير أن هذه الظرفية تصطدم بعوائق بنيوية، على رأسها، ضعف بنيات التخزين، وتحكم بعض اللوبيات في القطاعات المعنية. وحسب تقرير صادر عن المجلس الأعلى للحسابات، فإن الدولة وضعت مجموعة من التشريعات والقوانين لضمان توفر المخزونات، لكن ذلك بقي حبرا على ورق. ومن أبرز التشريعات المنصوص عليها، في حالة عدم إنشاء المخزونات المذكورة، تطبيق الغرامات والغرامات التهديدية المنصوص عليها في الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 255- 72- 1 بتاريخ 22 فبراير 1973 المتعلق باستيراد مواد المحروقات وتصديرها وتكريرها والتكفل بتكريرها وتعبئتها وادخارها وتوزيعها. أما فيما يتعلق بتمويل المخزونات الاحتياطية، فقد تقرر سنة 1976 منح خصم بنسبة 0.7 في المائة للشركات التي كونت هذه المخزونات. إلا أنه لم يتم العمل بهذا النظام التمويلي منذ إنشائه، حيث تبين أن جميع الشركات لم تحترم التزاماتها بهذا الشأن. وفي سنة 1981 تم إنشاء هامش خاص لتمويل المخزونات أدرج في تركيبة الأسعار. وقد تم تعليق العمل بهذا الهامش سنة 1997 بالنسبة للمنتجات البترولية السائلة في الوقت الذي يواصل العمل به بالنسبة لغاز البوطان. وتقوم الوزارة المكلفة بالطاقة، بتفويض من رئيس الحكومة، بمراقبة احترام تكوين المخزونات الاحتياطية من طرف مختلف الفاعلين، حيث تتكلف هذه الوزارة شهريا بعمليات المعايرة لدى مختلف الفاعلين في القطاع. وتبرز معطيات الوزارة المكلفة بالطاقة الخاصة بالمخزونات المتوفرة تفاوتا مهما بالمقارنة مع المستويات التي تنص عليها التنظيمات الخاصة بهذا المجال، حيث يتبين أن المخزونات المتوفرة لا تشكل مقارنة مع تلك المنصوص عليها في القانون سوى نسبة متوسطة لا تتعدى 32.3 في المائة بالنسبة للبوطان، و36.3 في المائة بالنسبة للغازوال، و48.3 في المائة بالنسبة للبنزين. ومقارنة مع مستوى استهلاك المواد البترولية لسنة 2012، توفر الطاقات التخزينية الموجودة تغطية احتمالية لا تتعدى 47 يوما بالنسبة للغازوال، و28 يوما بالنسبة للبوطان، في حين تمكن من تغطية 72 يوما من البنزين. وحسب تقرير قضاة جطو تمثل طاقات التخزين عنصرا مهما لترشيد التزود من طرف الفاعلين الذين يمكنهم اغتنام الفرص التي يتيحها السوق أو انخفاض الأسعار بها. وهكذا، ففي ظل وضعية تتسم بطاقات تخزين محدودة، يصبح التزود منصبا أكثر على سد الحاجيات المباشرة للسوق الداخلية، مما قد يحد من ترشيد التوريدات في حالة انخفاض الأسعار في السوق الدولية. ويبين تطور طاقات التخزين الخاصة بالمواد البترولية أنها لم تعرف تقدما مهما، حيث إن أغلب هذه الطاقات أنجزت سابقا، ولم يتم توسيعها إلا بشكل محدود. فبالنسبة للبوطان الذي عرفت طاقته التخزينية تقدما ملحوظا، فإن ذلك يرجع إلى الشروع في تشغيل خزان جديد تابع لشركة «سوماس» بسعة 80 ألف طن في دجنبر 2013، الأمر الذي رفع الطاقة الإجمالية لتخزين البوطان بنسبة 67 في المائة. لكن رغم هذا الاستثمار، تظل طاقات تخزين هذه المادة غير كافية. وتبين المعطيات أن الآليات التي تم وضعها لحث الفاعلين على توسيع طاقات التخزين وإنشاء المخزونات النظامية لم يتم استعمالها بكيفية مرضية. وهكذا، فإن نظام الخصم المشار إليه سابقا لم يتم تفعيله، كما أن نظام الهامش الخاص بتمويل مخزونات الشركات البترولية مكن من مراكمة مبالغ مهمة دون أن يتم استثمارها في الغاية التي أحدث من أجلها، إذ منذ إرساء هذا النظام، تمكنت الشركات المذكورة من مراكمة مبلغ يتجاوز 3.08 مليارات درهم إلى غاية نهاية سنة 2013، ولا تزال هذه الأموال غير المستعملة، ويمكن أن تكون مسجلة لدى الشركات المعنية كخصوم طويلة الأمد لفائدة صندوق المقاصة دون أن يتمكن هذا الأخير من استردادها. تخزين القمح.. عجز الدولة يشجع السماسرة تؤكد معطيات المكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني، أن الطاقة الاستيعابية لنظام تخزين الحبوب لا تتجاوز 32 مليونا و165 ألف قنطار، تتوزع بين أماكن التخزين الداخلية بطاقة استيعابية تصل إلى حدود 30 مليونا و665 ألف قنطار، وصوامع الحبوب بالموانئ، التي تبلغ سعتها مليونا و500 ألف قنطار. ما يعني أن أكثر من 56 مليون قنطار تخزن بطرق تقليدية. وتختلف الطاقة التخزينية بالموانئ، حسب حجم التجارة والمبادلات التي تمر عبر هذه الأخيرة. وهكذا نجد أن ميناء الدارالبيضاء يضمن تخزين 47 في المائة من الكميات الإجمالية الموجودة بالموانئ، يليه ميناء أكادير بنسبة 27 في المائة وميناء أسفي بنسبة 16 في المائة، وأخيرا ميناء الناظور بنسبة 11 في المائة. وتتوزع أماكن التخزين على مختلف المراكز بجهات المملكة ويظل نمط التخزين في المخازن المهيأة لهذا الغرض هو المهيمن، إذ تقدر الكميات المخزنة فيها بحوالي 22 مليونا و 258 ألف قنطار مقابل 8 ملايين و407 آلاف قنطار في صوامع الحبوب. وفي مواجهة ضعف بنيات التخزين العمومية في المغرب، تم اللجوء إلى سياسة دعم آليات التخزين الخاصة، من خلال تخصيص منحة للمطاحن والتعاونيات الفلاحية، غير أن هذا الإجراء حاد عن الأهداف المرسومة له، وأصبح البعض يستغله في تحقيق مزيد من الأرباح. ويؤكد العارفون بخبايا القطاع أن انعدام آليات المراقبة لدى المكتب، فسح المجال أمام العديدين للتصريح بكميات وهمية من القمح من أجل الحصول على منح إضافية للتخزين، موضحين أن عدم توفر الفلاحين على فواتير تحدد الكميات التي تم بيعها للمطاحن والتعاونيات يشجع وحدات التخزين على هذا النوع من الممارسات غير المشروعة. وحسب الخبراء، فإن وحدات التخزين تستفيد من دعم يصل إلى درهمين للقنطار لكل 15 يوما من التخزين، بالمقابل، من المفروض أن تسوق هذه الوحدات الكميات المخزنة لديها للمطاحن بسعر محدد في 258 درهما للقنطار، في ما يتعلق بإنتاج الدقيق الوطني، على أن تنتج المطاحن الدقيق الوطني بسعر لا يتعدى 182 درهما للقنطار عند الخروج من المطاحن ليصل إلى المستهلك النهائي بسعر في حدود درهمين للكيلوغرام، علما أن الدولة تؤدي دعما يصل إلى الفرق بين سعر البيع والكلفة لفائدة المطاحن. غير أن هذه العملية تتم في مرات عديدة بشكل وهمي، خاصة إذا كان المتدخلون في مختلف حلقاتها تربطهم علاقات خاصة.