بين دروب منطقة سيدي البرنوصي بمدينة الدارالبيضاء، تقطن عائلة دنيا، 24 سنة، إحدى المهاجرات المغربيات ببيروت اللواتي سقطن بين أيدي مافيا الاتجار في البشر. في حي شعبي بالمنطقة الواقعة في الجانب الآخر من المدينة الميتروبول المغربية، تسكن العائلة المكونة من سبعة أفراد في بيت واحد تبدو علامات فقر قاطنيه على الزقاق الضيق الذي يقود إليه. جالسة القرفصاء أمام باب البيت وهي تتطلع إلى الزائر، ردت أم دنيا التحية، وسألت عن هوية الزائر، «أنا صحافي كنت في بيروت وقابلت ابنتك دنيا...». تهلل وجه السيدة ذات الخمسة عقود، ودنت من الزائر متسائلة عن أحوال ابنتها وظروف عيشها وعن صحتها... السيدة أكدت أن ابنتها ربطت الاتصال، عبر الأنترنيت، بمدير مطعم في بيروت، أمن لها السفر إلى لبنان، وأشارت إلى أن ابنتها تحرص على إرسال قسط من المال على رأس كل شهر لفائدة عائلتها، غير أنها تتواصل معهم مرة واحدة فقط خلال الشهر، وهو عندما تريد أن تبعث لهم بالمال. «ليس لدينا رقم هاتفها لأن مدير المطعم يمنعها من امتلاك رقم خاص بها»، تقول الأم. المرأة لا تعرف أن ابنتها تشتغل في أحد كباريهات منطقة «جونية» يدعى «زوس هاوس»، وتقطن في أحد الفنادق كالأسيرة، يتم تنقيلها ليلا إلى الكباريه ومنه إلى الفندق ومن هذا الأخير إلى شقة الزبون ثم إلى الكباريه من جديد. هذا هو برنامج عملها اليومي والدائم، التقتها «المساء» في بيروت، حيث أكدت أنها مجردة من الهاتف النقال الممنوع على جميع الفتيات للحيلولة دون تواصلهن مع العالم الخارجي أو مع الزبناء، وأنها تعيش بدون جواز سفر مثلها مثل باقي الفتيات المشتغلات هنا في كباريهات بيروت. «عندما تستدعي الضرورة الخروج فإن ذلك يتم بحضور «بودي جارد» يتتبع خطواتنا في الشارع، لا يُفارقنا، أبعث ما تيسر من المال إلى العائلة. أكلمهم في الهاتف وأعود إلى الفندق، تقول دنيا. وتؤكد أنها كانت تعرف في بادئ الأمر أنها ستشتغل في كباريه لكنها لم تعتقد يوما أنها ستجد نفسها بين يدي شبكة منظمة تقوم باستعباد المغربيات و«كرائهن» للزبائن. رغم ما تعانيه الفتيات هناك، فإنهن حافظن على رابط قوي مع عائلاتهن غالبيتهن خرجن من أوساط فقيرة، وانقطعن عن الدراسة في وقت مبكر، ومعظمهن ذقن أموال الدعارة هنا في المغرب قبل أن يقررن خوض “تجربة” الدول العربية. في شارع عقبة بمنطقة أكدال بالرباط، خرجت «خوْلة» في رحلة إلى تونس ومن تم إلى إسطمبول، عاصمة تركيا، وهي طريق غالبا ما تسلكها غالبية المغربيات المتجهات إلى بلاد الأرز. الوجهة كانت معروفة، كباريه «فونتريكال» في بيروت وفندق «سنتر قزي طبجا»، مقر الإقامة أو «معسكر الإذلال»، والوظيفة واضحة: رقص في الليل ودعارة بالنهار. عائلة «خوْلة» رفضت استقبال صحافي «المساء» وتبرأت من الابنة، التي يبدو أنها تتحدر من أوساط متوسطة، وليست فقيرة كباقي صديقاتها في بيروت. أحوال عائلات الفتيات اللائي «يعملن» في الدول العربية والخليجية تختلف بين من يعرف الحقيقة، حقيقة عمل ابنتها في الدعارة و«يرضى بالأمر الواقع أو يرفضنه فتتبرأ من فلذات أكبادهن»، وبين عائلات أخرى تجهل حقيقة عمل بناتها في هذه الدول. وضع العائلات في هذه الحال صعب أمام غياب تواصل السفارة المغربية ببيروت مع المواطنات هناك، وروح التحقيق في ما تنشره الصحف العربية واللبنانية، خصوصا، حول أوضاع المغربيات في هذه المنطقة من العالم. في المقابل، حصلت «المساء» على نسخ من «عقود العمل» وجوازات سفر الفتيات والتأشيرات التي حصلن عليها من السفارة اللبنانية بالرباط، وكتب عليها أن الفتيات يتوجهن إلى لبنان للعمل كفنانات في مراقص في منطقتي «جونية» و«الحمر»... عسى أن يحرك نشرها مسؤولي الدولة للتدخل من أجل رفع الاحتجاز عن مواطنات مغربيات يعانين، رغم كل شيء، في صمت.