صفعة جديدة للجزائر.. بنما تقرر سحب الاعتراف بالبوليساريو    تنسيق أمني مغربي إسباني يطيح بخلية إرهابية موالية ل"داعش"        لقجع يؤكد "واقعية" الفرضيات التي يرتكز عليها مشروع قانون المالية الجديد    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        كيوسك الجمعة | إيطاليا تبسط إجراءات استقدام العمالة من المغرب    السلطات الجزائرية توقف الكاتب بوعلام صنصال إثر تصريحات تمس بالوحدة الترابية لبلده    بنما تعلق الاعتراف ب "الجمهورية الوهمية"    البحرين تشيد بالدور الرئيسي للمغرب في تعزيز حقوق الإنسان    أنفوغرافيك | صناعة محلية أو مستوردة.. المغرب جنة الأسعار الباهضة للأدوية    توقعات أحوال الطقس لليوم الجمعة    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    جنايات طنجة تدين المتهمين في ملف فتاة الكورنيش ب 12 سنة سجنا نافذا    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'            المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة أكتوبر 1956..طائرة قادة الثورة الجزائرية التي أشعلت الخلاف مع المغرب
حفريات في الأزمة المغربية الجزائرية
نشر في المساء يوم 01 - 11 - 2015


إعداد- رشيد شريت
تعد أكبر أزمة سياسية بين المغرب حديث العهد بالاستقلال وبين جزائر الثورة التحررية وهي في عامها الثوري الثاني. بل يمكن القول إن الأزمة كانت منعطفا كبيرا في تاريخ العلاقات المغربية الجزائرية المتوترة على الدوام. وبذلك سيغدو تاريخ 22 أكتوبر 1956 أحد أهم محطة من محطات التوتر وسوء الفهم الكبير والصراع المفتوح بين الرباط والجزائر، ففي هذا اليوم تم اختطاف الطائرة المقلة لقادة الثورة الجزائرية المتوجهة من الرباط إلى تونس. ستتضارب الروايات والمصادر التاريخية، وشهادات الرواة كل حسب موقعه من خارطة الصراع الدائر. فالرواية المصرية ومعها الجزائرية، تصران على تورط الطرف المغربي وتشير بأصابع الاتهام إلى الأمير مولاي الحسن، وتحديدا محيطه، وهي الرواية التي أعاد ترديدها محمد حسنين هيكل في برنامجه الأسبوعي على قناة الجزيرة ربيع 2008، وبأسلوب أقل هجوما بالمقارنة مع الرواية الأصلية، إذ اعتبر أن ما حدث قد يكون بغير قصد. بينما تبرئ الرواية المصرية- الجزائرية الوالد محمد الخامس، وإن كانت تتهمه بالتقصير في متابعة الموضوع، كما سنرى في رسالة أحمد بنبلة من معتقله إلى مدير المخابرات المصرية فتحي الديب. في حين يصر الحسن الثاني على أن ما حدث كان نتيجة رصد الرادارات الفرنسية الطائرة التي كانت تقل بنبلة ورفاقه. بينما تذهب رواية الطبيب الخاص لمحمد الخامس إلى الاتهام الضمني للأمير في العملية من أجل التخلص من بعبع الجمهورية الناصرية المزمع إنشاؤها على مشارف المملكة الشريفة.
أكتوبر 1956 قمة التوتر بين فرنسا ومصر الداعمة للثورة الجزائرية
لا يمكن فهم ما جرى في 22 أكتوبر 1956 إلا باستحضار السياقات العامة، فالمسألة لم تكن خاصة بالقضية الجزائرية بقدر ما كانت خيوط اللعبة المتشابكة مرتبطة بخارطة الشرق الأوسط وتوازناته الإقليمية والدولية، وعلى رأسها مصر الناصرية، التي رمت بثقلها في نصرة القضية الجزائرية عبر الاحتضان السياسي واستضافت قادة الثورة التحررية، ثم تدريب عدد من قيادتها وضباط الثورة الجزائرية بالمعسكرات المصرية خاصة بمعسكر أَنْشاص الواقع على نحو 40 كلم من القاهرة، وأخير الدعم المادي والمالي لاسيما عبر مد الثورة بالعتاد والسلاح.
باخرة أتوس
اعتبرت عملية تسليح وحدات جيش التحرير الوطني الجزائري في مرحلة الثورة التحررية معضلة عويصة لقيادة الثورة في الخارج وتحديا حقيقيا لمدى فعالية بل واستمرارية الثورة، لدرجة أن قائد الولاية الخامسة محمد العربي بن مهيدي اختزل توصيف الوضعية التي كانت عليها الثورة لمحمد بوضياف في لقاء بالقرب واد ملوية في مارس من عام 1955، «السلاح وإلا اختنقنا». في هذا الإطار توالت عمليات التزويد بالأسلحة لا سيما شحنات الأسلحة الكبيرة القادمة من المشرق عبر البواخر الملاحية والتي رست بالشواطئ الشرقية للمغرب. ولعل أشهرها ثلاث سفن هي «انتصار» و«دينا» و«أتوس».
في فجر الرابع من أكتوبر 1956 أبحرت الباخرة أتوس « Athos » من ميناء الإسكندرية محملة بأضخم شحنة من الأسلحة والعتاد بغية إمداد الثورة التحررية الجزائرية التي كانت تعاني أزمة شح التموين بالأسلحة والعتاد. وقد ضمت الشحنة 400 صندوق بحمولة قدرها 100 طن، منها ألف رشاش آلي، و6 مدافع مضادة للطائرات، 360 بندقية وعشرات الآلاف من الطلقات النارية… بتكلفة قدرها 80 ألف دولار، وتم اقتناؤها من مصنع Fabbrica Nazionale di Arme
وقد كانت الباخرة تحمل الجنسية البريطانية ويقودها السوداني إبراهيم نايل ويعينه في الاتصال اليوناني نيكولاس كوكافسيس، والذي كان يتقن الحديث بالعربية علاوة على الفرنسية والانجليزية والإيطالية والإسبانية، وكان وثيق الصلة بالمخابرات الفرنسية. أكثر من ذلك، كشفت الأبحاث التاريخية، ومنها كتاب صدر سنة 2014 للمجاهد محمد الهادي حمدادو، وهو أحد ركاب الباخرة «أتوس»، تحت عنوان: أضواء على حادثة «يخت دينا» و»مركب أتوس»، واستنادا لما كتبه الضابط الفرنسي أروان بركو في كتابة : Commandos de choc Algérie : Le dossier rouge, services secrets contre F.L.N. بأن الموساد الإسرائيلي في يونيو 1956 سرب معلومات للفرنسيين تفيد بأن أحمد بن بلة يستعد بمساعدة مدير المخابرات المصرية المكلف بالثورة الجزائرية، فتحي الديب، لإرسال شحنة مهمة من السلاح لمنطقة الغرب الجزائري.
ففي 15 أكتوبر 1956 بدأت البحرية الفرنسية في الاستطلاع من أجل حجز السفينة بحيث حلقت طائرة حربية فرنسية بالقرب من السفينة الحاملة البريطاني، ما سبب حالة من الذعر داخل السفينة. لتبدأ عملية الحجز في اليوم الموالي، فجر 16 أكتوبر 1956 بالقرب من سواحل وهران بالغرب الجزائري. حيث كان من المتوقع أن ترسو السفينة بسواحل الناظور على أمل تفريغ الشحنة هناك ثم نقلها وتهريبها إلى الولاية الخامسة الحدودية. وكان في انتظار الباخرة بالناظور محمد بوضياف.
وقد كانت العملية ضربة قوية للثورة الجزائرية بشقيها السياسي والمسلح، إذ خلفت عملية حجز الباخرة «أتوس» استياء وإحباطا كبيرين لدى قادة الثورة الجزائرية، والذين سعوا للتحرك مباشرة بعد ذلك أياما قليلة من أجل البحث عن مخرج سياسي معقول، لا سيما بعد تدخل كل من السلطان محمد بن يوسف والحبيب بورقيبة بغية عقد قمة مغاربية لمدارسة الملف الجزائري الشائك.
29 أكتوبر.. العدوان الثلاثي على مصر
في 26 يوليوز 1956 أعلن جمال عبد الناصر، من ميدان المنشية بالإسكندرية، قرار تأميم شركة قناة السويس، وتحويلها من شركة خاصة تعود أرباحها إلى بريطانيا إلى مؤسسة حكومية تتكفل بتحصيل إيراداتها الحكومة المصرية. بعد سحب الولايات المتحدة عرض تمويل السد العالي والتحاق كل من بريطانيا والبنك الدولي بقافلة الرافضين تمويل مشروع عبد الناصر. وقد خلف قرار التأميم المفاجئ ضجة دولية وغضبا كبيرين عند الدول الغربية لا سيما المستعمر السابق بريطانيا وفرنسا، بحيث قامت كل منهما بتجميد الأموال المصرية المودعة في البنوك الفرنسية والبريطانية. ناهيك عن الردود والتحركات الدبلوماسية التي كانت قوية، بحيث أعلنت الدول الغربية بأن تأميم القناة مخالف للقانون الدولي، ويهدد مبدأ حرية المرور في القناة، علاوة على زعزعة استقرار السلام الهش والأمن في منطقة الشرق الأوسط. ودعت كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا إلى تدويل القضية عبر تنظيم مؤتمر دولي تدعى إليه الدول المنتفعة بالقناة، وهي الدول التي وقعت على معاهدة القسطنطينية 1888، وبعد فشل الإجماع الدولي حول مسألة تدويل التأميم، لم تتردد كل من فرنسا وبريطانيا وإسرائيل باعتبارها أكثر الدول المتضررة من القرار والسياسة المصرية بصفة عامة في الإعداد السري لما عرف بالعدوان الثلاثي وتقاسم الأدوار، حيث قامت القوات الإسرائيلية بمهاجمة سيناء في 29 أكتوب
ر 1956، وعقب ذلك مباشرة أصدرت كل من بريطانيا وفرنسا إنذاراً بوقف الحرب وانسحاب الجيشين المصري والإسرائيلي لمسافة عشرة كيلومترات، مما يعني حرمان مصر من السيادة الفعلية على إدارة قناة السويس، ووضعها تحت المراقبة الفرنسية- البريطانية. بيد أن التدخل القوي للاتحاد السوفياتي وتهديده بإشعال حرب نووية، دفع الولايات المتحدة إلى الضغط على الثلاثي إسرائيل وفرنسا وبريطانيا للانسحاب، وبذلك انتهت أزمة ما عرف بحرب السويس.
مجريات عملية الاختطاف حسب الروايتين المصرية والجزائرية
تتطابق الرواية الجزائرية مع الرواية المصرية في وجود مؤامرة ونية مبيتة للاختطاف. الرواية مفصلة سنجدها في كتاب عبد الناصر والثورة الجزائرية لفتحي الديب، مدير المخابرات المصرية والمكلف حينها بملف المغرب العربي والثورة الجزائرية تحديدا.
تبدأ مجريات الأحداث بوصول الدكتور محمد الأمين دباغين مفوضا عن عبان رمضان القاهرة، بينما كان الجميع أحمد بن بلة والمخابرات المصرية منهمكين في وضع اللمسات الأخيرة للباخرة « أتوس». والحال أن الثورة حينها كانت منقسمة بين تيار الداخل بقيادة عبان رمضان، وتيار الخارج المتمثل في أحمد بن بلة ورفاقه. وكانت النقاشات حامية الوطيس بين مبعوث عبان رمضان والمخابرات المصرية في شخص فتحي الديب والذي كان لا يخفي ميله ودعمه الكامل لتيار أحمد بن بلة. ومعظم النقاشات كانت حول توحيد الصف الثوري وأيضا حول النقطة المركزية ألا وهي متطلبات قيادة الداخل لا سيما التموين بالسلاح والعتاد.
في يوم 13 أكتوبر 1956 اجتمع بن بلة بفتحي الديب ليبلغه بوصول مندوب من قبل السلطان محمد الخامس حاملا لرسالة يطلب فيها الاجتماع بالإخوة ممثلي قيادة الثورة الجزائرية بالخارج، بغية التشاور معهم حول مستجدات القضية الجزائرية. وبعدها طلب ابن بلة من فتحي الديب إبلاغ الرئيس عبد الناصر رغبة ابن بلة مقابلته عاجلا، قبل السفر إلى مدريد للاتصال بباقي القيادة الجزائرية ومنها إلى تطوان من أجل مقابلة الملك محمد الخامس. فحدد له موعد السابعة من مساء يوم 15 أكتوبر بقصر الطاهرة. وتم اللقاء الذي دارت محاوره حول تقييم الوضع الراهن والانقسام الحاصل بين تيار الداخل وتيار الخارج، والأهم من ذلك عقب الرئيس جمال بعد فترة من الاستغراق في التفكير العميق بعدم اطمئنانه لهذا اللقاء وإحساسه بعدم الارتياح لاحتمال تدبير مؤامرة في الخفاء بالاتفاق بين بورقيبة والحكومة الفرنسية وعملاء فرنسا بالمغرب. ونصح ابن بلة بتوخي الحذر الشديد قبل التوجه وبعد هذا الاجتماع المزمع عقده! وإن كان يفضل أن يتم هذا اللقاء بعيدا عن أرض المغرب أو تونس، خاصة أنه علم أن هناك لقاء مزمعا عقده بين محمد الخامس وبورقيبة وخشيته من أن يتم الاتفاق في هذا الاجتماع على تصفية الثورة الجزائرية ….
واختتم بن بلة حديثه بعرض خطة العمل للثلاثة أشهر التالية، وحاجيات جيش التحرير على مستوى كل الجبهات إلى كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة. فاستجاب الرئيس لطلبه بعد تنسيقه مع المشير عبد الحكيم عامر، وكلفوا فتحي الديب بالاتصال باللواء فتحي رزق، مدير الإمدادات والتموين لتوفير الكميات المطلوبة بشكل مستعجل.
وفي مساء يوم 16 أكتوبر، غادر كل من أحمد بن بلة ومحمد خيضر القاهرة صوب مدريد من أجل الالتقاء بكل من محمد بوضياف وحسين آيت احمد. وكان فتحي الديب قد طلب من ابن بلة موافاته برقيا عبر الملحق العسكري بالسفارة المصرية بمدريد بأخبار عن الباخرة «أتوس»، التي انقطعت أخبارها منذ إبحارها من الإسكندرية قبل 12 يوما.
الرواية المصرية ومعها الجزائرية تشير بأصابع الاتهام إلى ضلوع الأمير ولي العهد مولاي الحسن في العملية، ولا سيما حاشيته، مع استبعاد تام أن يكون الملك محمد الخامس على علم بالموضوع. ومن القرائن والأدلة التي تستند إليها صحيفة الاتهام:
1_التراجع عن مصاحبة قادة الثورة الجزائرية للملك محمد الخامس في طائرته الخاصة المسافرة إلى تونس في آخر لحظة. في وقت خصصت للوفد الجزائري طائرة ثانية لم تكن مقررة في برنامج السفر، وتغطية عدم تواجدهم وحيدين بالطائرة بتسفير عدد من الصحفيين الأجانب والمغاربة معهم.
2_ تأجيل سفر الطائرة المخصصة لقيادة الثورة الجزائرية إلى ما بعد إقلاع طائرة الملك مع إعادة تبديل بعض أسماء ركاب الطائرة لتفادي ركوب أي عنصر مغربي مسؤول. وقد استغرق هذا التأخير ساعتين من الزمن، بحجج واهية، وضح فيما بعد أن الهدف منها هو إعطاء فرصة كافية لتفادي حدوث أي لبس ما بين طائرة الملك والطائرة المراد اختطافها.
3_ الاستعدادت والتجهيزات المسبقة والتي لا يمكن إعدادها بصورة عاجلة من جانب السلطات الفرنسية بالجزائر، سواء بمطار الجزائر أو خارجه، مما يؤكد التدبير المشترك بين الفرنسيين وبعض رجالهم بالمغرب.
هذه الأدلة من قرائن الاتهام، التي سردها الصحفي المغربي محمد اليوسفي الذي رافق الوفد الجزائري على متن الطائرة المختطفة، ونشرت بجريدة الرأي العام التابعة لحزب الشورى والاستقلال في عددها 24 أكتوبر 1956.
رواية فرانسوا كليري المرافق والطبيب الخاص لمحمد الخامس
في صيف 1956 كثف محمد الخامس اتصالاته بقادة الثورة الجزائرية، الذين قدموا له عن طريق كل من الفقيه البصري والمهدي بن بركة، من أجل ربح ثقتهم على أمل البحث عن حل للقضية الجزائرية. ومعها تقررت إقامة مؤتمر بتونس يجمع الأطراف المغاربية الثلاثة؛ المغرب وتونس، علاوة على قادة الثورة الجزائرية.
كان من المقرر أن تقلع طائرة واحدة من الرباط يوم 22 أكتوبر صوب تونس. لكنني فوجئت وأنا رفقة محمد الخامس، ونحن نوشك على الإقلاع، بأحمد بن بلة ورفاقه يقودهم الأمير مولاي الحسن نحو طائرة ثانية! والغريب هو حضور العقيد ألفريد طويا قائد الدرك بالمغرب، الذي كان ملازما طول الوقت للأمير وكأنه ظله!
كان من المقرر أن تقلع الطائرتان في وقت واحد، لكن من الواضح أنه تم تعطيل إقلاع الطائرة الثانية. وقد بلغ هذا التعطيل، حسب عدة مصادر، ساعتين من الزمن؟
وفي الوصول شاهدت بورقيبة متوترا وهو يستقبل الملك محمد الخامس، ويطلعه على خبر اعتراض المقاتلات الفرنسية للطائرة الثانية، التي كانت على متنها القيادة الجزائرية. الخبر نزل على السلطان كأنه صاعقة لأنه كان يعرف بأن أصابع الاتهام ستوجه إليه من دون أدنى تردد! بينما كنت على معرفة تامة بحجم عداء الأمير مولاي الحسن لإقامة جمهورية شعبية بالحدود الشرقية للمملكة…كان يجب التحرك فورا من تجنب الكارثة (إعدام القادة المختطفين).
وعندما علمت بأن من تولى قيادة العملية هو الجنرال لوريلو، استشرت الملك بأن أفتح معه اتصالات مباشرة للاطمئنان على سلامة القادة الجزائريين المختطفين. كنت قد تعرفت على الجنرال لوريلو بالهند الصينية، أكثر من ذلك كان دائم التنويه بي. صحيح أنه كان صارما، لكن كان شريفا ومستقيما. تم الاتصال فعلا، واستغرب الجنرال وجودي بتونس رفقة الوفد الرسمي، وتعهد بالحفاظ والسهر على سلامة قادة الثورة المعتقلين. ثم بعد ذلك مباشرة ربط محمد الخامس اتصالات مباشرة بباريس، والغريب أن باريس لم تكن كلها على علم بما جرى.
وطيلة مدة إقامتنا بتونس كنا محتجزين بقصر قرطاج مخافة أن نكون هدف عملية انتقامية من الثوار الجزائريين المسلحين المقيمين بتونس. أما العقيد طويا فقد فضل
اللجوء والاحتماء بداخل السفارة الفرنسية بتونس ريثما تهدأ العاصفة. وقد كنت مستهدفا أيضا لدرجة أنني مكثت مختبئا في دورات المياه! وفي الليل اصطحبني الملك إلى غرفته الخاصة حيث زودني ببعض الأكل! وبعد أن هدأت الأوضاع وعدنا إلى الرباط، بدأت رحلة البحث عن الذي أبلغ القيادة العسكرية بالجزائر عن الطائرة، ومن دبر وتواطأ، وقد حامت الشكوك حول الأمير ومحيطه، وهي الشكوك التي راودت الملك محمد الخامس
وزعزعت منسوب الثقة بينهما! الحادث جعل الملك محمد الخامس يسرع بإنشاء مجلس العرش مباشرة بعد عودته ويختار له أشخاص ثقاة…
نقلا عن كتاب: الحسن الثاني بين التقليد والاستبداد/ إينياس دال، ص 146 نقلا عن كتاب الطبيب الخاص للملك محمد الخامس فرنسوا كليري: جواد الملك ص 240 علاوة على حديث غير مكتوب خصه به دال.
رواية الحسن الثاني لحادثة اختطاف الطائرة
ولأنه كان أكبر من مجرد شاهد على حدث اختطاف الطائرة الجزائرية وعلى متنها قادة الثورة، بل كان أحد الأطراف الفاعلة من صناع القرار، فقد كان لزاما على ذاكرة الملك الحسن الثاني أن تقف عند هذا الحدث التاريخي والمحوري في تاريخ العلاقات المغربية_الجزائرية، وهو الشيء الذي أعاده الصحفي إريك لوران في حديثه الطويل مع الملك الحسن الثاني.
– سؤال: لكن ألم يشكل اختطاف طائرة بنبلة عام 1956 عرقلة لهذا التطور(العلاقات المغربية_ الفرنسية ) ؟
الجواب: بوسعي أن أحدثكم عن هذه المرحلة بكل تفصيل، لأنني كنت قبل أسابيع من بدايتها في باريس، حيث كنت أتفاوض مع الحكومة الفرنسية في موضوع رجوع وإدماج الرجال بأسلحتهم في القوات المسلحة الملكية، كنت أتناقش مباشرة مع آلان سافاري، وكان غي مولي إذ ذاك رئيسا للحكومة، وماكس لوجون وزيرا للدفاع. وعندما رصدت الرادارات الفرنسية الطائرة التي كانت تقل بن بلة ورفاقه، كان ماكس لوجون هو الذي أصدر الأمر باختطافها وهو الذي غطى العملية سياسيا. وقد قيل لي فيما بعد بأن غي مولي عندما علم بالأمر خلال مأدبة عشاء رسمية انتابه غضب شديد، وبدا ذلك على ملامحه. أما ماكس لوجون فقد كان فخورا مزهوا. وبمجرد ما علم والدي بالخبر اتصل على الفور هاتفيا من تونس بالرئيس كوتي. وكنت بجانبه حيث سمعته يقول: «السيد الرئيس. أبعث لكم بنجلي الاثنين على أن تردوا إلي هؤلاء الأشخاص. فهم ضيوفي». لقد كان كوتي المسكين محرجا. فلو كان يتوفر على سلطات مثل التي خولها دستور الجمهورية الخامسة للرئيس، لكان قد قام بالتأكيد بعمل ما، لأنه رجل مستقيم. في حين كانت جماعة ماكس لوجون شأنها شأن جنرالات الجزائر قراصنة الجو الأوائل. فهم وليس الفلسطينيون الذين ابتدعوا هذه الطريقة المشينة. - سؤال: هل واصل والدكم بذل جهوده للإفراج عن المختطفين ؟ جواب: نعم، بذل الجهود، وأرسل مبعوثين ثم وفدا وزاريا، وبعد وقت وجيز من ذلك وقعت حوادث مكناس المفجعة. وهنا كان والدي صارما لأنه مهما كان المبرر لم يكن ليقبل الفوضى في الشارع، وقد نبهني إلى هذه القاعدة الثمينة، «لا تسامح مع الفوضى بأي وجه من الوجوه» وأتذكر أنني تلقيت درسا آخر خلال مجلس وزاري، طالب خلاله الوزراء الحاضرون بضرورة: «قطع العلاقات مع فرنسا واستدعاء السفيرين» فأجابهم والدي بقوله: «طيب لكن إذا قطعنا العلاقات ألا يتعين علينا استئنافها في يوم من الأيام» فاعترف جميع الوزراء بوجاهة رأي والدي الذي زاد فقال:»إذا كنا سنستأنف هذه العلاقات فلم نقطعها؟ أيها السادة دلوني على حل وسط». وبالفعل تم الاكتفاء باستدعاء السفيرين كل واحد إلى بلده، لكن السفارتين ظلتا مفتوحتين، وبذلك تم إنقاذ لأهم. وبعد عامين من ذلك، دعا الجنرال ديغول للحكم، واعتبر صراحة أن المغرب يمتلك حقا يشبه حق الشفعة فيما يتعلق بالأسرى الخمسة. لذلك أمر بنقلهم إلى قصر أولناي وقال: «إن المغرب هو الذي سيتكفل بهم ماديا». لقد كان قراره هذا في نفس الوقت قرارا رمزيا شجاعا. وهكذا كان سفيرنا بباريس يتفقدهم يوميا ويزودهم بكتب وصحف وملابس، بل ويؤمن حلاقتهم! وبلغ التنسيق مع قصر الإليزيه حدا أصبح معه قصر أولناي يكاد يكون فرعا من الحرم الدبلوماسي المغربي. وبهذه الطريقة أراد ديغول أن يستدرك معنويا الضرر الذي ألحق برفيقه في التحرير. ذاكرة ملك صفحة 22...حوار إريك لوران مع الملك الحسن الثاني.كتاب الشرق الأوسط/ ط 1993. ابن بلة يتهم من معتقله المحيط الملكي بالتواطؤ في عملية الاختطاف
ننشر مقتطفا من نص رسالة أحمد بن بلة من معتقله بفرنسا إلى رئيس المخابرات المصرية فتحي الديب منتصف نوفمبر 1959، يتهم فيها علانية المحيط الملكي بالتآمر والتواطؤ في عملية اختطاف القادة الخمسة، وكذا الملك محمد الخامس في التباطؤ والتخاذل في دعم قضية المختطفين.
الأخ الكريم ف.
يسعدنا أن نسعى باغتنام هذه الفرصة الثمينة التي أتيحت لنا اليوم على طريق الصدفة، فنكاتبك مباشرة…
ففي الأيام القليلة الماضية رأينا الحكومة المراكشية وعلى رأسها الملك نفسه وولي عهده مدفوعين دفعا تحت ضغط الشعور الوطني للتظاهر بمواقف نحو الجزائر لم يسبق أن اتخذوها من قبل، ذلك كي لا تنكشف للأعيان خيانتهم الطويلة وتآمرهم السري مع الاستعمار. وحتى تقطع في نفس الوقت على المعارضة ما يرجع لها من فائدة المبادرة من أجل التضامن مع الكفاح التحرري الجزائري. وهذا لا يعني أنه يوجد اليوم في مراكش قوتان متنافسان أحدهما الحاكمة والأخرى المعارضة، وكلتيهما تحاول التركيز على قوة الرأي العام الوطني المنجزة وكسبه. فمن البديهي والوضع على هذا الشكل أن نتدخل في هذا النزاع الذي له مفعول على مستقبل كفاحنا وإن ساند المعارضة لأن في انتصارها كفالة وضمان أقوى وأثبت لنا …..
والاقتراح الثاني هو أن نشجع المعارضة وندفعها لإثارة قضيتنا(نحن الخمسة) من جديد أمام الرأي العام المغربي، وكشف النقاب عن كل ما أحيك في الظلام بين «القصر» من جهة الاستعمار ومن جهة أخرى من أجل إبقائها على ما هي عليه منذ أكثر من أربعة أعوام. وأن المسؤول الأول على هذا السكوت الفظيع بالنسبة لنا هو الملك والمسؤول الثاني هم إخواننا أنفسهم، ذلك لأنهم لو استمروا في التأثير على «القصر» والحث والمطالبة المستمرة بالفصل في الموضوع لأجبر الملك على إعادة النظر في هذه القضية والتراجع عن موقف التخاذل، ولأجبر بدوره فرنسا للعودة أمام اللجنة الدولية التي أسست في سويسرا أو سواها من اللجن التابعة للأمم المتحدة، ولكننا سكتنا فسكت الملك، وأصبحنا عرضة في كل حين لكل مكابد ولأبشع التهديد، يتظاهر الفرنسيون في شوارع الجزائر وباريس ويطالبون جهارا وعلى رأس الملأ بقتلنا وقطع رؤوسنا ! ومحمد الخامس ساكت وراكن كأن الأمر غير أمره وكأن أرواحنا لا تهمه في شيء ولا تهم شرفه وشرف
شعبه !
و لولا عناية الله ورحمته لرحنا ضحية للمؤامرة الفاشية التي وجهت ضدنا غير مرة وخصوصا عندما أضرب حراس سجن «لا سيتي» عام 1958 عن العمل، وتركنا حينذاك في معزل من العالم وتحت رحمة الأعداء. كما أنه لولا عناية الله لما فشلت محاولة اختطافنا من السجن عدة مرات…بل واليوم ونحن في هذه الجزيرة، فالتهديد باق والمؤامرات مستمرة وسيبقى الخطر يحوم فوق رؤوسنا مادام الملك راكد لا يبالي…و أبشع من هذا وذاك هو أنه تحقق لدينا من أول لحظة بأن إلقاء القبض علينا تم بمشاركة مغاربة من حاشية الملك وقد تحقق لدينا هذا من جهات رسمية عديدة مراكشية وغير مراكشية. والذي جعلنا نسكت عن هذه المؤامرة البشعة هو جهلنا نوع العلاقات الحقيقية والدائمة بين القصر وحكومتنا وتخوفنا من أن نعكر هذه العلاقات على جهل إذا ما وضعنا النقط على الحروف من هذا الشأن بغير موافقة
حكومتنا……
نص الرسالة كاملة في كتاب عبد الناصر وثورة الجزائر/ فتحي الديب. دار المستقبل العربي ط 2/1990 ص 716


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.