مادام إدريس اليزمي «ضربته النفس» على المساواة بين المرأة والرجل لدرجة المطالبة بالمناصفة في الإرث، فإننا ندعوه أن يبدأ بمجلسه ويطبق المناصفة بين امرأة تسمى «الدولة» ورجل يدعى «الشعب». «المجلس الوطني لحقوق الإنسان»، مثل كل المؤسسات الدستورية، يموله الشعب من ضرائبه وتعين الدولة أعضاءه، مما يعني أن الرجل مدين بمنصبه للشعب والدولة على حد سواء، وأضعف الإيمان أن يطبق المساواة بين هذا «الكوبل»، الذي يضمن له راتبه، قبل أن يتصدى لملفات أكبر. بصيغة أوضح، نتمنى من رئيس «المجلس الوطني لحقوق الإنسان» أن يتجرأ على تناول ملفات حقوقية تزعج الدولة مقدار جرأته في فتح قضايا تزعج الشعب المحافظ، من قبيل تغيير نظام الإرث! والحقيقة أنني ابتسمت وأنا أرى الرجل، الغارق في مستنقع الريع حتى أخمص قدميه، يشرب حليب السباع فجأة ويدعو في النهار القهار، إلى المساواة في الإرث، ضاربا عرض الحائط بالنصوص الدينية التي تشكل مصدرا رئيسيا للتشريع في المملكة، وعلى رأسها الآية القرآنية التي تقول: «للذكر مثل حظ الأنثيين»… «آسيدي برافو، ما عندي ما يتسالك». جميل أن يشكل اليزمي ورفاقه «طليعة ثورية» في معركة بناء مجتمع حديث، يتساوى فيه الرجل والمرأة أمام القانون، وتتطابق فيه التشريعات المغربية مع مبادئ حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها، المشكلة أن ذلك يجري بشكل انتقائي يدعو إلى الضحك، لأنه يكشف عن جرأة كبيرة كلما تعلق الأمر بقضايا تزعج الشعب ويظهر خوفا مبالغا فيه كلما تعلق الأمر بملفات تزعج الدولة. ولا يسعنا إلا أن نسأل الرجل، الذي شرب حليب السباع ويريد تغيير نظام الإرث المنصوص عليه في آية قرآنية، لماذا يصاب ب»اللقوة» كلما تعلق الأمر بانتهاكات تمس المواطنين؟ لماذا «سرط» لسانه عندما كان صحافي مغربي يخوض إضرابا عن الطعام في جنيف أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، احتجاجا على حرمانه من وثيقة إدارية تافهة؟ كل الجمعيات الحقوقية والمدنية تحركت لإنقاذ علي لمرابط، بل حتى وزارة الداخلية والخارجية وسفارة المغرب في مجلس حقوق الإنسان، أبدت بطريقتها الخاصة «قلقها» من هذه المعركة التي كادت تنتهي بإزهاق روح صحافي محروم من حقوقه البسيطة، في وقت لاذ فيه اليزمي بصمت مريب، وذلك ليس غريبا على مجلس يظل أهم شيء في رصيده هو تبييض سمعة معتقل تمارة، الذي تؤكد كل المنظمات الحقوقية في الداخل والخارج أنه كان مركزا للتعذيب، مر منه سجناء معروفون، بعضهم من نزلاء «غوانتانامو»، لكن اليزمي ورفاقه زاروا المعتقل ووقعوا لأصحابه «صك براءة» من كل تهم التعذيب! ومنذ أسبوعين، يخوض أستاذ جامعي وناشط حقوقي معركة الأمعاء الخاوية في مقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، دفاعا عن حقه في السفر، دون أن نسمع تعليقا صغيرا من اليزمي، ببساطة لأن قضية المعطي منجب تزعج أطرافا في الدولة، وكل ما يتعلق بهذه الأطراف لا يقترب منه اليزمي ومجلسه الموقر، بل يتجرأ فقط على ثوابت المغاربة! والحقيقة أن اليزمي لم يكتف بالدعوة إلى المناصفة في الإرث، وهي دعوة سبقه إليها عدد من الحقوقيين والسياسيين، وعلى رأسهم إدريس لشكر، بل ذهب بعيدا ولام الحكومة التي يقودها حزب «العدالة والتنمية»، لأنها لم تصنع شيئا كي تحول التشريع في مجال الإرث من الحقل الديني إلى دائرة حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا، وهنا مربط الفرس. إذا ظهر السبب بطل العجب. واضح أن «المجلس الوطني لحقوق الإنسان» ليس إلا أداة أخرى للضغط على عبد الإله بنكيران، وإحراجه أمام الشعب المغربي، عن طريق وضعه أمام مواقف حرجة، ورمي «قشور البنان» تحت قدميه لعله «يزلق» ويسقط على رأسه قبل استحقاق العام المقبل. رغم أن الخطة أثبتت فشلها، خصوصا بعد أن اكتسح «العدالة والتنمي» انتخابات الرابع من شتنبر، بالرغم من كل الأحجار التي رماها شباط على بيت الحكومة. وربما لأن ورقة شباط احترقت، يريد من يصنعون الشمس والجو الممطر في المملكة تجريب ورقة اليزمي، لذلك تعمد بعض وسائل الإعلام إلى تلميع صورته هذه الأيام، وتتحدث عن إمكانية منحه حقيبة وزارة الخارجية بدلا عن صلاح الدين مزوار، مما سيشكل ضربة قاتلة للسياسة في هذه البلاد. «ما قدهم فيل زادو فيلة». لا يكفي أن لدينا وزير داخلية تكنوقراطي، لا يستطيع أحد محاسبته، يريدون أن يضيفوا إليه زميلا آخر في الخارجية، رغم أن رصيده الوحيد، منذ تولي «مجلس حقوق الإنسان» وقبله «مجلس الجالية»، أنه يحمل «بنديرا» ويغني: «كولو العام زين.»…