في البداية، لم يصدق كثيرون ما يجري حين توصلوا بأطباق من الحلوى قيل لهم إن الملك أرسلها إليهم شخصيا حتى منازلهم، إلى درجة أن البعض تساءل مندهشا: «وهل يعرفني الملك شخصيا؟!». حدث ذلك أياما قبيل عيد الأضحى الماضي؛ واستمرت هذه الهدايا توزع على عدد من سكان طنجة لأزيد من أسبوعين بعد العيد. الأشياء كانت تجري بسلاسة لا تخلو من مفاجأة.. يتم قرع أبواب مواطنين بالصدفة، وحين يفتحون يجدون أشخاصا «باينة عليهم مخزن» وهم يحملون أطباق حلوى. لكن، منذ متى بدأ المخزن يوزع الحلوى عوض الهراوة؟! وقبل أن يسأل الناس عن سرِّ هذه الهدية غير المتوقعة، يبادرهم الزائرون بالتفسير: «حنا من الدرك الملكي.. هاد الهدية صيفطها ليكم جلالة الملك.. بصحتكم». يأخذ المواطنون طبق الحلوى وينسون في كثير من الأحيان توجيه الشكر إلى «الجدارمية» الذين حملوا لهم الهدية، ربما يعتقدون أن القضية لها علاقة بالكاميرا الخفية. حين بدأ الناس يتناقلون هذه الحكايات، صدقها البعض بينما اعتبرها آخرون حكاية من المسلسلات الرومانسية في التلفزيون. لكن ما جرى بعد ذلك دفع الجميع إلى التصديق، لأن الهدايا تجاوزت أطباق الحلوى لتصل إلى أغلفة مالية. الذين توصلوا بأطباق الحلوى من الملك قالوا إن ذلك حدث قبيل عيد الأضحى الماضي، وبالضبط في الليلة التي سبقت العيد، حيث توصل مواطنون في عدد من أحياء طنجة بالهدايا المفاجئة، خصوصا وأن «جدارمية الحلوى» لم يكونوا يفرقون بين حي وآخر، بل كانوا يطرقون أبواب المنازل المتواضعة وشقق العمارات الأنيقة، بل ويقدمون الهدايا حتى إلى سكان الفيلات الفارهة؛ وفي الغالب كانوا يطرقون أبواب بضعة منازل في كل حي أو منطقة. لكن بضعة أيام بعد العيد ستصبح الهدايا من طبيعة مختلفة، إذ ستصبح عبارة عن أغلفة مالية بها مبالغ تتراوح ما بين سبعة آلاف وعشرة آلاف درهم. في البداية، كان سكان المنازل المحيطة بالقصر الملكي في الجبل الكبير من أوائل المتوصلين بالهدايا.. «يطرقون الباب ويطلبون من رب البيت أن يقدم بطاقته الوطنية للتعرف عليه، ثم يسلمونه ظرفا ماليا به عشرة آلاف درهم، ويقولون له إنها هدية من الملك»، يقول أحد المواطنين من حي قريب من القصر، ثم يضيف: «حين يطرقون الباب يعرفون على أنفسهم بكونهم من الدرك الملكي. وإذا خرجت إليهم امرأة فإنهم يطلبون منها مقابلة زوجها، فإذا كان الزوج غائبا سلموها هيَ المبلغَ، بعد إدلائها ببطاقة تعريفها». لكن هناك من لا يصدقون ويرفضون حتى اللقاء بزوار الهدايا. وتحكي امرأة من طنجة قائلة: «عندما رن جرس الأنترفون في العمارة سمعت عبره صوتا جهوريا يسأل عن زوجي. سألت: لماذا؟ فرد الصوت بأنهم من الدرك الملكي، فأحسست بالخوف وتظاهرت بأني لا أسمعه، لكن الرجل المتكلم طلب مني بطاقة تعريفي وقال لي إنه سيسلمني رسالة من جلالة الملك. وهنا اعتقدت أن في الأمر مزحة ثقيلة، فأغلقت خط الأنترفون. لكن بعد ذلك عرفت أن الأمر لم يكن مزحة، لكني سعدت بأن يأخذ المال شخص آخر، ربما كان أكثر حاجة مني إليه». لكن بغض النظر عن هدايا المال وأطباق الحلوى، فإن الناس اختلفوا في «أسباب النزول». هناك من يقولون إن ذلك حدث بمناسبة أيام العيد، وإن الملك عادة ما يفعل ذلك في مدن أخرى. لكن البعض قال إن الملك صار يمضي وقتا طويلا كل صيف في طنجة، عكس والده الذي كان ينظر إلى المدينة بتوجس، وإن طنجة كانت فأل خير عليه حين وصله خبر سار من العاصمة الفرنسية باريس عن إنجاب ابنة أخته، لالة سكينة، توأمين ذكرا وأنثى، فهذا الخبر كان لا بد أن يسعد الملك، ويسعد جيرانه أيضا. ويبدو أن أطباق الحلوى وأغلفة العشرة آلاف درهم ليست، في النهاية، هي ما يشغل الطنجاويين كثيرا، بل إن أحاديث الناس طوال الصيف كانت تتركز حول تحول المدينة إلى عاصمة دبلوماسية لا تفتر فيها الأنشطة، حيث استقبلت العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز لأسابيع طويلة، واستقبلت أيضا أمراء وسلاطين الخليج، واستضاف فيها الملك محمد السادس الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، حيث فوجئ الناس ذات مساء بالملك والرئيس وهما يتجولان في أحياء وشوارع المدينة، بدون بروتوكول، وهو ما جعل الرئيس الفرنسي يعتزم العودة إلى طنجة قريبا في زيارة لا أثر فيها للسياسة، بل للاستجمام والراحة فقط.