أكدت عمليات اعتقال منصرين في حالة تلبس في بعض المناطق من التراب المغربي، خلال الشهور الأخيرة، قلق المتتبعين من تزايد أنشطة المنصرين، في الوقت الذي تؤكد فيه المصادر الأمنية أنها تراقب تلك الأنشطة عن كثب وتتدخل في الوقت المناسب لوضع حد لها وترحيل المتورطين فيها. ويثير اكتفاء السلطات بترحيل المنصرين جدلا وسط رجال القانون الذين يطالبون بمحاكمتهم بتهمة زعزعة عقيدة مسلم، وهي التهمة التي يكيفها القانون الجنائي كجنحة. آخر عمليات أجهزة الأمن كانت بداية شهر دجنبر الجاري بمدينة السعيدية في أقصى شمال شرق البلاد، حيث تم اعتقال 17 شخصا بمدينة السعيدية بينهم أجانب، كانوا مجتمعين بشكل غير قانوني داخل أحد المنازل، يتدارسون سبل إنجاح عملية استقطاب مغاربة مسلمين لعقيدتهم المسيحية. وكان من ضمن الموقوفين منصران من جنوب إفريقيا وآخر من غواتيمالا، إلى جانب شخص سويسري ومواطنين مغربيين. وأوضح بلاغ لوزارة الداخلية أن عمليات التفتيش في عين المكان مكنت من حجز العديد من الأدوات التنصيرية من ضمنها كتب وأقراص مدمجة باللغة العربية وبلغات أجنبية. هذه العملية جاءت شهورا قليلة بعد حادث طرد السلطات المغربية لخمسة منصرين أجانب بسبب قيامهم بأنشطة تنصيرية يجرمها القانون. وجاء في بيان لوزارة الداخلية الأحد 29-3-2009 أن “مصالح الشرطة القضائية بالدار البيضاء قامت بترحيل خمسة مبشرين خارج التراب الوطني بعد ضبطهم يعقدون اجتماعا للتنصير كان يحضره مواطنون مغاربة، وتم حجز عدد كبير من الوسائل الدعائية التنصيرية، منها كتب وأشرطة فيديو بالعربية”. وتحدثت الداخلية وقتئذ عن أن المنصرين المطرودين هم أربعة إسبان وامرأة ألمانية، تم ترحيلهم جميعا بحرا إلى إسبانيا دون اعتقال أو تهمة رسمية، ولم يتم تحديد المذهب المسيحي الذي ينتمون إليه. وتقدر مصادر من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية أن أكثر من 800 منصر مسيحي ينشطون في المغرب تحت غطاء العمل الخيري والاجتماعي، في الوقت الذي تتضارب فيها الأرقام بخصوص المواطنين المغاربة الذين تنصروا. وسبق للمحامي خليل الإدريسي أن أكد ل«المساء» بأن التعامل مع المنصرين يجب أن ينضبط لفصول القانون الذي يجعل من التنصير “جنحة”. وشدد الإدريسي على أن الأجهزة المغربية يجب أن تحرص على التوضيح لكل من يزور المغرب بضرورة احترام الخصوصيات الدينية لبلادنا التي تتمحور حول الدين الإسلامي. وينص الفصل 220 من القانون الجنائي على أن “من استعمل العنف أو التهديد لإكراه شخص أو أكثر على مباشرة عبادة ما أو على حضورها أو منعه عن ذلك، يعاقب بالحبس بستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من مائة إلى 500 درهم، ويعاقب بنفس العقوبات كل من استعمل وسائل إغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى، باستغلال ضعفه أو حاجته إلى المساعدة، واستغلال مؤسسة التعليم أو الصحة أو الملاجئ أو المياتم، ويجوز أن يحكم بإغلاق المؤسسة التي استغلت لهذا الغرض، إما بصفة نهائية أو لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات”. ويرى الدكتور سمير بودينار، رئيس مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة، في تصريح ل “المساء”، أنه لوحظ تركيز كبير من طرف المنصرين على الجهة الشرقية “لكونها تعتبر جدارا يفصل بين منطقة القبائل الجزائرية ومنطقة الأطلس المغربية” وهي منطقة استراتيجية تحظى باهتمام بالغ من طرف المنظمات التنصيرية الدولية التي تهدف إلى إيجاد أقليات دينية في بلدان شمال إفريقيا لاستغلالها كورقة سياسية للتدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدول. وفي نظر بودينار فإن المقاربة الأمنية على أهميتها لا تكفي، بل يجب أن يتدخل جميع الفاعلين في الحقل الديني والسياسي والاجتماعي لمحاربة هذه الظاهرة.