لم تكن ظاهرة التنصير بالمغرب، قبل سنوات فقط، تثير كبير اهتمام لدى المسؤولين المغاربة كما لدى عامة الناس، وإن كان علماء المغرب في الماضي أثاروا انتباه أولياء الأمر، في ظل الاحتلال الفرنسي، إلى المبشرين الذين احتموا بالمستعمر من أجل نشر النصرانية. غير أن تزايد تنامي الظاهرة في السنوات الأخيرة، واستغلال المنصرين لوسائل التكنولوجيا الحديثة في استقطاب الفئات المستهدفة، والتي تركز على الشباب بالخصوص، كما تنقل ذلك تقارير إعلامية، جعل المسؤولين المغاربة يقرعون ناقوس الخطر. وكانت البداية من تحت قبة البرلمان حين طالب نواب الأمة، بحضور وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، بالكشف عن الإجراءات الحكومية المتبعة للوقوف في وجه هذه الحملات التنصيرية التي باتت مكشوفة ولا يجد بعض المتعاطفين معها أدنى حرج في الإعلان عن تحولهم إلى النصرانية بفضلها. ورغم اتساع ظاهرة التنصير ببلادنا، فإن المسؤولين ما فتئوا يقللون من حجم هذه الخطورة، ولا أدل على ذلك من موقف أحمد التوفيق، في إجابته عن سؤال للنائب البرلماني الذي سأله قبل أزيد من سنة عن التدابير المزمع القيام بها لمواجهة تصاعد الظاهرة، حين قلل من شأن التقارير الصحافية التي تحدثت عن أن «خطر التنصير بات يهدد المغرب»، مشيرا إلى أن تزايد عمليات التنصير في المغرب وإقبال المغاربة على المسيحية »أمر مبالغ فيه وغير صحيح». وفي نظر التوفيق فإنه «لا يتصور أن تنجح عمليات التنصير في زعزعة المغاربة عن عقيدتهم الإسلامية»، مذكرا في ذات السياق بمحاولات التنصير التي تعرض لها المغرب عبر قرون وانتهت بأصحابها إلى اليأس، بحسبه قبل أن يزيد موضحا أنه «لا يتصور أيضا أن تبدل ولو قلة قليلة من المغاربة دينها بدين غيره»، نافيا أن يقع الفقراء ضحية للإغراء التنصيري خلافا لما ذكرته بعض الصحف المحلية، ومشيرا كذلك إلى أن ما وصفه ب «حفنة» من ذوي الطموحات من غير الفقراء في بعض البلدان الأخرى هم الذين ينجرون إلى هذا المجال. وتحرص وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، بصفتها القطاع الحكومي الذي يسهر على الحفاظ على الأمن الروحي للمغاربة، على ألا تكون الإجراءات التي تدخل في هذا الإطار تمس بحرية التدين لدى غير المسلمين، انطلاقا من أن مفهوم الإنسان في ظل الشريعة الإسلامية يشمل المسلم وغير المسلم، ومن ثم فإن الشريعة، التي هي عدل كلها ورحمة كلها، كما تنقل ذلك تدابير الوزارة، كفلت لغير المسلمين حق العيش الكريم في ظل الدولة المسلمة، وحفظت لهم حق الحياة وحرية التدين والمسالمة ما سالموا المسلمين، فلهم السلام والأمان والعدل في معاملتهم. ويرى التوفيق، في شهادته التي أدلى بها أمام نواب الأمة، أن مسألة التنصير بالمغرب توجد تحت مراقبة السلطات العمومية، تنفيذا للضوابط والقوانين الجاري بها العمل، وفي هذا الإطار يقول وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية إن وزارته تجند العلماء عبر كل ربوع المملكة لمحاربة كل ظواهر الانحراف المحتمل في الدين ومعالجتها بالأسلوب الحكيم والمناسب. وفي الوقت الذي تشير فيه تقارير غير رسمية إلى وجود أزيد من 800 مبشر يقوم بمهمة الدعوة إلى النصرانية، وهذا ما جعل نسبة معتنقي هذا الدين تصل إلى ما يناهز 30 ألف مغربي ينتمون إلى مناطق نائية، حسب المصادر نفسها، فإن الباحث في علم الاجتماع، عبد الرحيم عمران، يتردد كثيرا في التعليق على الظاهرة وما إذا كانت متجذرة أم أنها لا تزال فقط في بداياتها الأولى، معتبرا، في تصريح ل«المساء»، أن غياب معطيات ودراسات دقيقة تجعل الباحث «محرجا» في تقديم إجابة شافية عن سؤال مقاربة المسؤولين وطبيعية استراتيجية المواجهة إذا كانت خطورة المسألة تقتضي ذلك. وفي الوقت الذي أشارت فيه التقارير الإعلامية إلى أن المنصرين يقومون بمهامهم تحت غطاء القيام بأعمال اجتماعية، فإن المتتبعين يقرون بصعوبة إثبات عدم قانونية تلك المهام لأولئك الأشخاص، خاصة في ظل حديث وزارة الأوقاف عن حماية “المستأمنين”، الذين يدخلون ديار المسلمين بغرض السياحة أو التجارة أو تلقي العلم أو العلاج أو غيرها من المصالح الإنسانية، ولهؤلاء -في الإسلام- حسب مناهج عمل الوزارة، الأمان الكامل والرعاية التامة لحقوقهم ما لم يخلّوا بأمن الدولة أو يعتدوا على أبنائها أو يرتكبوا من الأفعال ما يعرضهم للمساءلة والعقوبة.