توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    طنجة المتوسط يعزز ريادته في البحر الأبيض ويتخطى حاجز 10 ملايين حاوية خلال سنة 2024    رفض تأجيل مناقشة "قانون الإضراب"    ضبط شحنة كوكايين بمعبر الكركارات    جهود استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد بإقليم العرائش    "جبهة" تنقل شكر المقاومة الفلسطينية للمغاربة وتدعو لمواصلة الإسناد ومناهضة التطبيع    وزارة الداخلية تكشف عن إحباط أزيد من 78 ألف محاولة للهجرة غير السرية خلال سنة 2024    اتخاذ إجراءات صارمة لكشف ملابسات جنحة قطع غير قانوني ل 36 شجرة صنوبر حلبي بإقليم الجديدة    رغم محاولات الإنقاذ المستمرة.. مصير 3 بحّارة مفقودين قرب الداخلة يظل مجهولًا    رسميا.. مسرح محمد الخامس يحتضن قرعة الكان 2025    توقيع اتفاقية مغربية-يابانية لتطوير قرية الصيادين بالصويرية القديمة    دولة بنما تقدم شكوى للأمم المتحدة بشأن تهديدات ترامب لها    ترامب يعاقب أكبر داعم "للبوليساريو"    القضاء يبرء طلبة كلية الطب من التهم المنسوبة اليهم    منتخب "U17" يواجه غينيا بيساو وديا    القضاء الفرنسي يصدر مذكرة توقيف بحق بشار الأسد    هلال يدين تواطؤ الانفصال والإرهاب    الشيخات داخل قبة البرلمان    اعتقال المؤثرين .. الأزمة بين فرنسا والجزائر تتأجج من جديد    غموض يكتنف عيد الأضحى وسط تحركات لاستيراد المواشي    المحكمة الدستورية تجرد بودريقة من مقعده البرلماني    وهبي يعرض مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد    عزيز غالي ينجو من محكمة الرباط بدعوى عدم الاختصاص    طلبة المعهد الوطني للإحصاء يفضحون ضعف إجراءات السلامة بالإقامة الداخلية    الغموض يلف العثور على جثة رضيعة بتاهلة    بنعلي: المغرب يرفع نسبة الطاقات المتجددة إلى 45.3% من إجمالي إنتاج الكهرباء    أيوب الحومي يعود بقوة ويغني للصحراء في مهرجان الطفل    120 وفاة و25 ألف إصابة.. مسؤول: الحصبة في المغرب أصبحت وباء    الإفراط في تناول اللحوم الحمراء يزيد من مخاطر تدهور الوظائف العقلية ب16 في المائة    حضور جماهيري مميز وتكريم عدد من الرياضيين ببطولة الناظور للملاكمة    سناء عكرود تشوّق جمهورها بطرح فيديو ترويجي لفيلمها السينمائي الجديد "الوَصايا"    محكمة الحسيمة تدين متهماً بالتشهير بالسجن والغرامة    الدوري السعودي لكرة القدم يقفز إلى المرتبة 21 عالميا والمغربي ثانيا في إفريقيا    "أزياء عنصرية" تحرج شركة رحلات بحرية في أستراليا    مجموع مشتركي نتفليكس يتخطى 300 مليون والمنصة ترفع أسعارها    الكويت تعلن عن اكتشاف نفطي كبير    دراسة: أمراض اللثة تزيد مخاطر الإصابة بالزهايمر    أبطال أوروبا.. فوز درامي لبرشلونة وأتلتيكو يقلب الطاولة على ليفركوزن في مباراة عنيفة    الجفاف وسط البرازيل يهدد برفع أسعار القهوة عبر العالم    شح الأمطار في منطقة الغرب يثير قلق الفلاحين ويهدد النشاط الزراعي    Candlelight تُقدم حفلاتها الموسيقية الفريدة في طنجة لأول مرة    جماهير جمعية سلا تطالب بتدخل عاجل لإنقاذ النادي    رئيس جهة سوس يقود حملة انتخابية لمرشح لانتخابات "الباطرونا" خلال نشاط رسمي    عادل هالا    الصين تطلق خمسة أقمار صناعية جديدة    المدافع البرازيلي فيتور رايش ينتقل لمانشستر سيتي    الشاي.. كيف تجاوز كونه مشروبًا ليصبح رمزًا ثقافيًا عميقًا يعكس قيم الضيافة، والتواصل، والوحدة في المغرب    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" رفقة سكينة كلامور    افتتاح ملحقة للمعهد الوطني للفنون الجميلة بمدينة أكادير    وفاة الرايس الحسن بلمودن مايسترو "الرباب" الأمازيغي    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«البيزوطاج».. من «نزع الدهشة» إلى جلسات للتعذيب
ممارسات «سادية» يقترفها الطلبة القدامى ضد الملتحقين الجدد بدعوى تسهيل التعارف والاندماج
نشر في المساء يوم 22 - 09 - 2015

خلال أواخر شهر شتنبر من كل سنة، يكون للطلبة موعد جديد مع احتفالات ما يصطلح عليه باسم "البيزوطاج"، التي تعود إلى الظهور مجددا في هذه الفترة من السنة بفضاءات العديد من المعاهد العليا والمدارس والكليات المغربية المحدودة الولوج.
تظاهرة ينظمها الطلبة القدامى بتنسيق مع إدارة المؤسسة التعليمية، لاستقبال الوافدين الجدد القادمين من عالم الثانويات بأنشطة ثقافية وترفيهية مختلفة، تؤهلهم فكريا وثقافيا وتسهل اندماجهم داخل المحيط الدراسي الجديد، وتجعلهم يتخلصون ويتحررون من كل مشاعر الخجل والخوف والتردد والانطواء على الذات…
في أسطر هذا الربورتاج نسلط الضوء على مسار هذه التظاهرة، وكيفية انتقالها إلى أوساط التعليم العالي بالمغرب، ومن تم كيف انحرفت عن غاياتها وأهدافها المسطرة لتتخللها سلوكيات انتقامية وتجاوزات أخلاقية خطيرة يتعرض لها الطلبة الجدد. خصوصا وأن مجموعة منهم أصيبوا بأزمات نفسية حادة صعب عليهم التخلص منها.
أيضا نستعرض آراء الفاعلين في قطاع التعليم العالي والأطباء النفسيين وكذا الحقوقيين بخصوص هذا الموضوع.
منذ القدم تبنت الثكنات العسكرية في الدول الأجنبية ممارسات تسمى "البالوطاج"، حيث كان الجنود القدامى يستقبلون زملاءهم من الملتحقين الجدد بأساليب صارمة من نوع قاس، ويعرضونهم لتداريب عسكرية قاسية جدا، ويخضعونهم لمواقف صعبة أحيانا ومحرجة أحيانا أخرى، من أجل تحريرهم من كل مشاعر الخوف والفزع التي يشعرون بها تجاه الحياة العسكرية، الشيء الذي يساعدهم على سرعة التأقلم مع الوضع الجديد والتعود عليه.
أيضا كانت الثكنات العسكرية تلجأ لمثل هذه الممارسات لوضع الجندي في حالة تأهب جسدي ونفسي للحفاظ على رباطة الجأش ورزانة العقل والصمود أمام الإهانة التي قد يتعرض لها في حال أسره من قبل العدو، مما سيجعله قادرا على اختيار الموت مقابل عدم إفشاء السر المهني. ومن هنا انتقلت الفكرة إلى مؤسسات التعليم العالي الأوربية والأمريكية، وذلك بتغيير الاسم إلى «البيزوطاج» بدل «البالوطاج»، لكن دونما إحداث أي تغيير في الجوهر الذي ظل يهدف إلى تسهيل التعارف والاندماج.
ومع حلول سنة 1912م، دخلت فرنسا إلى الأراضي المغربية وفرضت عليها نظام الحماية، وجلبت معها جنودها الذين تشبعوا بهذا النوع من العادات، التي غزت بعد ظرف وجيز من حلول الكيان الفرنسي بالمغرب جزءا من المعاهد العليا والمدارس وبعض الكليات المحدودة الولوج. والتي ظل الفرنسيون يشرفون على تسييرها طيلة مدة الحماية.
في البداية كان عدد المؤسسات التي قررت الخوض في هذه التجربة قليلا جدا، وهذا راجع إلى كونها ظاهرة جديدة وغريبة على الوسط الدراسي المغربي خلال تلك الحقبة من الزمن. لكن هذا النفور لم يدم طويلا، وذلك بسبب إصرار وإلحاح الطلبة على «البيزوطاج» بعد معرفتهم الجيدة بأهدافه النبيلة وما يمكن أن يقدمه لهم من منافع، فلم يكن أمام مجموعة كبيرة من المعاهد والمدارس والكليات خيار سوى الدخول على الخط وتخصيص مكان لهذه الاحتفالات المغرية داخل برنامجها.
وبعد حوالي 44 سنة من الاستعمار حصل المغرب على استقلاله سنة 1956 م، لكن رغم رحيل الكيان الفرنسي، بقي «البيزوطاج» إرثا كولونياليا ملازما لكل دخول مدرسي.
«البيزوطاج» والتحضيرات الفايسبوكية
تسببت نسبة مهمة من طقوس «البيزوطاج» في زرع بذور الحقد والغل…في نفوس مجموعة كبيرة من الطلبة. مما جعلهم يعتبرون الموسم الدراسي الذي يلي ذلك الذي أخضعوا فيه ل»البيزوطاج» أنسب فرصة للانتقام. وذلك عن طريق تعريض الملتحقين الجدد لمواقف أخطر وأشرس من تلك التي تعرضوا لها هم أنفسهم.
حيث يردد "البزاوط" -وهو لقب ينادى به الأشخاص الذين مورس عليهم «البيزوطاج»- شعارات مثل "غير حتى لعام جاي ونتعداو على البزاوط لي غادين يجيو"، وغيرها من الشعارات الانتقامية الأخرى. وبهذا يخصص الطلبة القدامى الشهر الذي يسبق التظاهرة للتخطيط والتنسيق فيما بينهم على الفقرات المحتمل إدراجها في «البيزوطاج»، ويستعينون في ذلك بمواقع التواصل الاجتماعي وخاصة الموقع الأشهر عبر العالم المسمى "فايسبوك" وذلك من خلال إنشاء "جروبات" فايسبوكية تكون سرية في الغالب ومغلقة أحيانا، حتى لا يتسنى لأي شخص الاطلاع على محتوياتها.
وبالتنسيق مع بعض مسيري هذه "الجروبات الفايسبوكية"، تمكنا من الاطلاع على بعض محتوياتها.
وأثناء تفقد جروب لطلبة المعهد «ع.إ.إ» بالرباط، وفيه تنشر مقترحاتهم بخصوص الفقرات التي يرونها مناسبة للتظاهرة، صادفنا حالة نشرها "س.ج" وهو أحد الأعضاء كتب فيها بالحرف "الإخوان إلا سهل علينا الله عز وجل فهاد أعمال الخير لي ناويين نقومو بيها في الختام غادين نوقفو الطلبة الجداد قدام باب المعهد بحجة التقاط صورة تذكارية ومجموعة منا تطلع فوق المؤسسة ونخويو عليهم سطولة ديال الماء من الفوق"، وفي زيارة لجروبات أخرى لم نجد سوى الأفكار والمقترحات الشريرة التي ينوون تعريض الملتحقين الجدد إليها، كحالة فايسبوكية نشرتها "خ.د" كتبت فيها "أنا أقترح فكرة الحضانة غاديين نرجعو باباهم بحال شيتربيات خانزين هههه"…وهذا كله ناتج عن عقد نفسية تتربى في بواطن الطلبة بعد تعرضهم لمواقف مهينة. وبالتالي يصممون على الانتقام من زملائهم الجدد بتصرفات لا تمت بصلة إلى فكرة تسهيل التأقلم مع الوضع الجديد.
طلبة يرفهون وآخرون يعذبون:
لو جعلنا فرنسا نموذجا للدراسة والتحليل بخصوص هذا الموضوع، بحكم أنها الدولة التي وصلت على طريقها هذه التجربة إلى المغرب، سنجد أنها أطلقت «البيزوطاج» منذ قرابة قرن من الزمن في جامعة باريس، بهدف تمريس الطلبة على الوسط الجامعي الذي يعتبر جديدا بالنسبة إليهم، لكنها-فرنسا-ظلت تحارب كل العوامل التي رامت إلى تشويه هذا الإرث الثقافي. فبعد إجبار إحدى الطالبات على المشي عارية فوق الثلج تحت مسمى الطاعة والولاء للطلبة القدامى، وموتها من شدة البرودة، قامت الحكومة الفرنسية بإصدار قانون 17 يونيو 98، الذي يجرم الممارسات السادية للطلبة القدامى على الجدد، فاستمر بعدها «البيزوطاج» بالمؤسسات الجامعية الفرنسية، لكن تحسنت طرقه وأساليبه وأصبح يسمى"ويكاند الإدماج" .
ويتم كذلك إخبار الطلبة بأن الاستقبال سيكون له طابع خاص، عبر مجموعة من الأنشطة الترفيهية والثقافية التي تقام على طول شهر شتنبر، لمساعدتهم على الاندماج في الوسط الجديد، ويأتي الإعلان مرفقا بقائمة طويلة من الأنشطة الاختيارية مع التفاصيل الكاملة.
لكن التجربة المغربية انقسمت بين من يرفه ومن يعذب، فبعض مؤسسات التعليم العالي بالمغرب حافظت على جوهر «البيزوطاج»، وسخرته دائما لخدمة التعارف وخلق الانسجام داخل أوساط الطلبة، وذلك من خلال الكثير من الأنشطة التي تخدم هذا الجانب، على سبيل المثال مرافقة الطلبة القدامى لزملائهم الجدد للقيام بجولة بفضاءات المؤسسة الجامعية التي سيلجون إليها، ومداعبتهم وممازحتهم بطرق لا تتسبب لهم في أي أدى سواء كان جسديا أو نفسيا.
لكن يبقى عدد هذه المؤسسات قليلا مقارنة مع نظيرتها التي توارثت هذه الممارسات بشكل خاطئ وشوهت صورة «البيزوطاج» وأهدافه الأصلية، من خلال ممارسة طقوس عنوانها الأول والأخير"الإهانة"، كإدخال رؤوس الطلبة في مياه ملوثة، وإرغامهم على شرب سوائل كالماء والحليب والعصير…بما يفوق طاقتهم التحملية، أو إلباسهم لباسا نسائيا أو حمالات للصدر بالنسبة للطلبة الذكور، أو حفاظات أطفال وإجبارهم على التجول بها في الشارع العام، أو الدفع بهم إلى تناول الأكل من أطباق موضوعة على الأرض بطريقة مذلة ومهينة…وسلوكيات أخرى كثيرة هدفها الانتقام وتفريغ مكبوتات الحقد إزاء الآخر، وفيها كثير من العبث بمشاعر الغير، وتعمد الأذى بحجة المرح وأجواء الاندماج داخل المجموعة.
ولعل أبرز نموذج لهذه الممارسات هو ما حدث سنة 2010م بالمدرسة الوطنية العليا للفنون والمهن ENSAM، حيث انحرفت هذه الممارسات عن غاياتها الأصلية لتتحول إلى تعنيف وإيذاء للغير وتعريض حياته للخطر.ففي الوقت الذي كان فيه «البيزوطاج» بالمدرسة يصل يومه الرابع، كان أولياء أمور الطلبة الجدد يحتجون ويتظاهرون ويولولون أمام باب المؤسسة. فمن الطلبة من كسرت يده، ومنهم من تعرض لحصة من"التعلاق" والضربات المبرحة، وهناك من دروا التوابل في عينيه وأجبروه عن تناولها، وفئة أخرى أجبروا على شرب بول أحد الطلبة القدامى…الشيء الذي تسبب لهم في مشاكل صحية خطيرة كان أبرزها الاختناق والإغماء، مما استدعى حضور أولياء أمورهم بسرعة.
بالإضافة إلى ما حصل أخرا في أحد المعاهد بمدينة العرفان بالرباط، حيث دخل الطلبة القدامى غرفة طالب جديد وأيقظوه من النوم، وبدؤوا يسبونه بكلمات قبيحة ويعاملونه بأساليب مستفزة أدت إلى إصابته باكتئاب حاد.
وطالب آخر بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بالرباط، أجبر على الصعود فوق طاولة بمطعم المعهد أثناء تناول الطلبة للأكل، وبدأ يرحب بهم بصوت عال وكأنه أعد لهم وجبة من ماله الخاص، مما تسبب له في إحراج شديد.
وغيرها من الممارسات العنيفة الأخرى المتكررة في كل مناسبات الدخول المدرسي، والتي دفعت مجموعة كبيرة من الطلبة إلى اتخاذ قرار تغيير المؤسسة الجامعية بعد الإهانات التي تعرضوا لها خلال أيام «البيزوطاج.»
الأضرار النفسية المحتملة:
يقول أبو بكر حركات أخصائي العلاج النفسي والجنسي في تصريحات أدلى بها ل»المساء» بخصوص هذا الموضوع، إن هذه الممارسات السادية ناتجة عن عقد نفسية أو مكبوتات لأشخاص مورس عليهم «البيزوطاج» من قبل، ويقومون بتفريغها عن طريق تعذيب الطلبة الجدد. وفيما يخص الأضرار النفسية المحتمل أن تنتج عن بعض هذه الطقوس، أفاد حركات أن هذا الأمر يمكن ربطه بالشخصية، فأصحاب الشخصيات القوية لا يتأثرون في الغالب بهذه الممارسات مهما اشتدت قساوتها، أما أصحاب الشخصيات الهشة، من الذين عاشوا في الرفاهية، أو من كانوا وحيدي آبائهم فيعانون في هذا الجانب من أمراض نفسية خطيرة أبرزها فقدان الثقة في النفس وفي الغير، الدخول في مرحلة اكتئاب، الانطواء على النفس، العزلة… أما العلاج فمدته فتختلف من شخص إلى آخر حسب درجة الصدمة النفسية يقول حركات.
أولياء الأمور وفوبيا «البيزوطاج»:
أصبح العديد من آباء وأمهات الطلبة المقبلين على السلك الجامعي، وحتى الذين لا زال أبناؤهم في المرحلة الابتدائية أو الإعدادية أو الثانوية، يعانون من فوبيا تجاه احتفالات «البيزوطاج» نظرا لما بدأ ينجم عن بعضها من مشاكل صحية ونفسية. وهذا الإحساس بالخوف والتوتر ناتج عما قرؤوه أو شاهدوه أو سمعوه عن هذه التظاهرة في وسائل الإعلام المختلفة، أو ما حكي لهم من طرف بعض أصدقائهم أو أفراد عائلاتهم عن الوجه السلبي لهذه التظاهرة، ومدى انحرافها عن مسارها الحقيقي، وكونها لم تعد تخدم في غالب الأحيان سوى العنف والتعذيب بمختلف أشكاله سواء كان جسديا أو معنويا.
فقناة الأقسام التحضيرية بمدينة المحمدية على موقع «يوتوب» نشرت منذ أيام مقطع فيديو تتوعد فيه الطلبة الجدد بأيام جحيمية، بحيث جاء في الفيديو عبارات تهديد وعرض لأبشع طرق التعذيب التي تنتظر الطلبة أثناء الدخول المدرسي المقبل 2015/2016.
وفي حديث ل"المساء" مع عينة من أولياء الأمور، قالت خديجة وهي أم لطالبة مقبلة على الدراسة بالمعهد العالي لمهن السمعي البصري والسينما بالرباط، أنها خائفة على ابنتها هند من التعرض لمضايقات أو أن تلحق بها أضرار خلال فترة «البيزوطاج.»
أما فاطمة فقالت إن الممارسات السادية التي أصبحت تشهدها احتفالات «البيزوطاج»، مجرد انحرافات وتجاوزات لن تؤدي إلا إلى خلق مشاكل صحية في صفوف الطلبة، وأضافت أنه إذا استمر الأمر على حاله، ستمتنع عن إرسال ولديها اللذين لم ينالا بعد شهادة الباكالوريا إلى أي من هذه المؤسسات التعليمية التي تتبنى طقوس «البيزوطاج».
في حين أن سونيا كان لها رأي مخالف، حيث قالت إنه رغم التعنيف الذي أصبح يتخلل هذه التظاهرة، لن تتردد عن إرسال أبنائها إلى مؤسسات التعليم العالي المحدودة الولوج إن اجتازوا اختبارات الالتحاق بنجاح، لأنها حسب سونيا الخيار الوحيد أمام رداءة التعليم في الجامعات المفتوحة الولوج.

عادة تروم إعادة إنتاج وتكريس التراتبيات بين الأفراد والجماعات"
يجب اعتبار «البيزوطاج» عملية متنافية بشكل واضح مع مضامين المواثيق الدولية لحقوق الإنسان على اعتبار أنها تتضمن سلوكيات قد تمس بالحق في الحياة والأمان الشخصي، كما أنها تدخل في عداد المعاملات القاسية والحاطة بالكرامة، ونذكر في هذا الصدد ما يتضمنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته السابعة التي تحظر إخضاع الأفراد للمعاملة والعقوبة القاسية أو المهينة.
كما أن هذه العملية تروم إعادة إنتاج وتكريس التراتبيات بين الأفراد والجماعات، ولها انعكاسات سلبية على المستوى النفسي والبدني.
وفي هذا الإطار، يجب على الدولة أن تضع إجراءات تشريعية وإدارية وقضائية لمنع وتفادي كافة الأعمال التي تؤدي إلى التعذيب وغيره من ضروب المعاملة التي تمس بالكرامة الإنسانية، وذلك اقتداء بالقوانين الدولية والأوربية التي عالجت الإشكالات المرتبطة ب «Bizutage» كسلوكيات مهينة والتي تتم في إطار المؤسسات التعليمية تحت ذريعة الإدماج.
إن عملية الإدماج التربوي في المؤسسات التعليمية يجب أن تستحضر بشكل خاص كرامة الطلبة وأن تعمل على خلق فضاء للتواصل يروم ضمان النمو المتوازن للطالب وتنمية قدراته ومهاراته، وجعل المدرسة أو المؤسسة فضاء خصبا يساعد على تحرير الطاقات الإبداعية لتعريف الطالب بكل مكونات العملية التعليمية وبالمحيط الجديد الذي سيلجه، وذلك عبر مجموعة من الأنشطة ذات الطابع الإشعاعي والرياضي والترفيهي.
حسن محفوظ "عضو المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان AMDH".

عبد الكريم مدون: «البيزوطاج» ممارسة حاطة من كرامة الإنسان
ما هو تقييمكم لتظاهرة «البيزوطاج» في السنوات الأخيرة؟
الطرق التي أصبحت تمارس بها هذه الاحتفالات بعيدة كل البعد عن مساعدة هؤلاء الملتحقين الجدد على الاندماج في عالمهم الجديد، باعتبارها تتضمن ممارسات مشينة تحط من كرامة الإنسان.
فمؤسسات التعليم العالي تبقى مؤسسات لتلقين المعرفة وإنتاجها خدمة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية. وإذا كان منطق الاندماج النفسي والاجتماعي ضروريا للطلبة الجدد في هذه المؤسسات، فيجب أن ينبني على منطق تصان فيه كرامة الإنسان وحقوقه التي دافعت عنها المواثيق الدولية.
هل هناك لجنة مكلفة تقوم بمراقبة الظروف التي يمر فيها «البيزوطاج»؟
المنطق هو أنها ظاهرة غير عادية يجب محاربتها وليس خلق لجن لمراقبتها.
فالاندماج بالنسبة للطلبة الجدد يجب أن يتم بشكل حضاري تحترم فيه كرامة الإنسان وثقافته، ويجب الاعتماد على آليات اجتماعية ونفسية وبيداغوجية أكثر عقلانية، ولنا في ذلك من التجارب العالمية في الاندماج الإيجابي للفرد ما يمكن الاستفادة منه. فالأساس هو الاندماج في منظومة تعليمية جديدة تعتمد على بناء الشخصية المستقلة. وبذلك يجب أن يتحول الطالب القديم إلى محتضن للطالب الجديد وهذا هو الأساس، وليس إلى جلاد له كما هو الحال في الممارسات التي تطبع هذه التظاهرة.
هل النقابة تؤيد فكرة إلغاء احتفالات «البيزوطاج» بصفة نهائية؟
رغم أن هذه التظاهرة لا توجد سوى في بعض مؤسسات التعليم العالي ذات الاستقطاب المحدود فيجب أن نحاربها لا لشيء سوى لكونها تتعارض مع ثقافتنا، ومع حقوق وكرامة الإنسان، بل على القانون الجنائي المغربي أن يجرم هذه الممارسات المشينة.
والدول الديمقراطية التي تدافع عن حقوق الإنسان ذهبت إلى تجريم هذه الممارسات، فالقانون الفرنسي وتصريحات وزراء التعليم العالي بفرنسا أدانت بشدة هذه التظاهرة، وعلى وزارة التعليم العالي بالمغرب أن تسير في هذا الاتجاه وتتخذ قرار منعها وتجريمها.
فالمغرب له ثقافة عريقة، ويحمل من المبادئ ما يمكن أن يؤسس لمنطق الاحتضان. وثقافتنا وتاريخنا وتربيتنا مبنية على التكافل وعلى التعاون، ولنا في الممارسات المجتمعية ما يجعلنا نرفض هذه الظاهرة التي أعتبرها دخيلة على ثقافتنا، فقد تعلمنا في إطار الحركات الطلابية احتضان الطالب الجديد ومساعدته ماديا ومعنويا، والعمل على تسهيل اندماجه في الحياة الجامعية، وليس تعذيبه وتعنيفه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.