الانتخابات الجماعية والجهوية التي أجريت بالمغرب يوم 4 شتنبر 2015 تشكل محطة مهمة في الحياة السياسية المغربية لأنها أول انتخابات محلية تنظم بعد تبني دستور 2011 الذي يخول للمجالس الجهوية المنتخبة سلطات مهمة من شأنها أن تغير طريقة تدبير شؤون الدولة في اتجاه اللاتمركز واللامركزية؛ كما تعتبر هذه الانتخابات أول امتحان انتخابي لحزب العدالة والتنمية بعد تسييره للحكومة مع حلفائه لمدة أربع سنوات. وأكيد أن حزب المصباح اجتاز هذا الامتحان بتفوق يسمح له بأن يواجه خصومه ويستمر في تجربته الحكومية بمشروعية سياسية أقوى. والمفارقة في نتائج الانتخابات الجماعية هي أن حزب العدالة والتنمية يأتي فقط في المرتبة الثالثة بعد حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال، مع العلم بأنه حصل على أكبر عدد من الأصوات المعبر عنها، الشيء الذي يفسر بطبيعة التقطيع الانتخابي وعدم التوازن في توزيع المقاعد الجماعية بين المدن والقرى. ومع ذلك، استطاع حزب العدالة والتنمية أن يتصدر النتائج الخاصة بانتخاب أعضاء المجالس الجهوية ويستعد لتسيير شؤون العديد من المدن الكبرى. وقد يفسر الفوز الانتخابي لحزب العدالة والتنمية بقدرته على نيل ثقة المواطنين الذين يعتبرون أن مناضليه أكثر نزاهة من مناضلي الأحزاب الأخرى، كما يفسر بتجذره في المجتمع الحضري وحسن تدبيره للجماعات التي كان يسيرها. والعديد من المواطنين يعلمون بأن الأحزاب السياسية لا يمكنها أن تأتي بتغيير اقتصادي واجتماعي جذري، ولكنهم ينتظرون منها أن تحسن لهم جوانب عدة من حياتهم اليومية وتضمن لهم الولوج إلى الخدمات العمومية الأساسية. ومن ثم، عند اختيارهم للمرشح الأنسب، يفضل المواطنون المرشحين الذين تتوفر فيهم صفتا الاستقامة والصدق أكثر من أي صفة أخرى. وفوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الجماعية والجهوية يفسر كذلك بشعبية رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران الذي يتكلم لغة واضحة مفهومة عند المغاربة ويعتمد أسلوبا يجعله دائما قريبا من الطبقات الشعبية والمتوسطة؛ والعديد من الناخبين لم يصوتوا لصالح العدالة والتنمية فقط تجاوبا مع الشؤون المحلية وإنما أدلوا بأصواتهم لفائدته تعاطفا مع رئيس الحكومة ودعما له في معاركه السياسية الوطنية. واليوم، فوز حزب العدالة والتنمية لا يعني أن هذا الأخير سوف يسيِّر لوحده المجالس الجماعية والجهوية، بل يحتاج إلى حلفائه الحكوميين لتشكيل أغلبية في معظم المجالس. ولعل هذا المعطى يخلق نوعا من الانسجام النسبي بين الأغلبية الحكومية والمجالس الجهوية، وبين السياسات العمومية المركزية والعمل التنموي للجهات. وبعبارة أخرى، إذا استطاعت الأغلبية الحكومية أن تحافظ على حد أدنى من الانسجام السياسي في الجهات، فسوف تتمكن من تنزيل مشروع الجهوية الموسعة في ظروف سياسية أفضل وأنسب، والشروع في تغيير طريقة تسيير شؤون الدولة في اتجاه لامركزية تقرب المواطنين من مراكز القرار وتتيح لهم إمكانيات المشاركة في اتخاذ القرارات السياسية.