إلهام الطالبي لم تتوقع أن تعصف بها رياح المجهول إلى المغرب لتصارع من أجل قوتها اليومي، ممسكة بيدي طفليها، خائفة من فقدانهما كما فقدت الكثير من أهلها في بلدها، كانت تحرك عينيها نحو كل اتجاه، ترتدي عباءتها السوداء وتمسح العرق من جبينها بسبب أشعة الشمس الملتهبة، كان يبدو عليها التعب وهي تلاحق سيارات في إشارة المرور لتحصل على بعض المال الذي يعينها على تكاليف الحياة، وكانت ما بين الفينة والأخرى تجلس هي وطفليها على رصيف الشارع وتخرج قنينة ماء وخبزا وزيتونا أسود لتطعم أطفالها. المشهد لا يتعلق بمتسولة مغربية احترفت هذه المهنة، ولكن بإحدى السوريات اللواتي قادهن القدر إلى المغرب فارات من جحيم الحرب في الشام. مشهد يتكرر كل يوم لسوريين أجبرتهم الحرب على التشرد، تاركين خلفهم كل شيء، قد تلاحظ وجودهم دون أن تسأل نفسك عن رحلة عبورهم وطريقة وصولهم إلى المغرب، «المساء» تتبعت خيوط هذه الرحلة التي ابتدأت من سوريا وصولا إلى المغرب في انتظار العبور نحو الضفة الأخرى، رحلة عبورهم إلى المغرب لم تكن مفروشة بالزهور، بل كانت محفوفة بالمخاطر والأشواك… انتقلت «المساء» إلى حي «الفرح سلام» بعمالة مقاطعات الحي الحسني بالدار البيضاء، لتقترب من رحلة سوريين عبروا الحدود هروبا من الموت. كلمات من الشام بمجرد وصولنا إلى التجمع السكني الذي يقطن فيه المهاجرون السوريون، بدأنا نسمع للوهلة الأولى كلمات شامية وأخرى كردية، ونشاهد نساء كانت ملامحهن تدل على طول المسافات التي قطعنها، وأطفال بعيون زرقاء وعسلية يرتدون ملابس بعضها ممزق، كانت ملامحهم توحي بحجم الحرمان الذي طالهم، إنها طفولة عرفت فصل الخريف قبل الأوان، بينما الشباب يقفون في مكان لوحدهم يدخنون ويخفون واقعهم الجريح بابتسامة تخفف من وطأة جراحهم. قررنا اختراق هدا التجمع، بيد أنهم واجهونا برفض شديد عبر عنه تبادلهم لنظرات تنم عن شكهم وخوفهم، لكن هواجسهم لم تستمر طويلا، لأن إحدى النساء صرخت في وجهي قائلة: «تكتبون عنا في الجرائد أننا نمتهن التسول… من أين سنطعم أطفالنا… من الصعب أن نثق فيكم… نعم نتسول ونحصل على المال، لكننا متشردين … روحوا ما بدنا شي … فقط ادعو لنا إننا نرجع لبلدنا وتنتهي الحرب…». الهروب من الموت واصلنا رحلتنا بين أزقة الحي إلى أن التقينا «مصطفى»، في العشرينات من عمره، كان يقف مع شابين سوريين، يدخن سيجارته والهموم بادية على ملامحه، لقد كان مصطفى نحيفا، لم يتردد في الحديث لنا عن رحلة العبور، لقد أبدى رغبته في سرد حكايته، لقد كانت أول عبارة يستهل بها حديثه «سوريا لا تموت». قالها بنبرة صوت مشحونة بالأسى وعينين مغرورقتين بدموع حاول جاهدا إخفاءها، وقبل أن يستأنف حديثه تنهد تنهيدة عميقة عائدا بنا إلى ادلب مسقط رأسه قائلا: «كانت ادلب تعيش على أصوات المدافع والرصاص بشكل يومي»، وعلى الرغم من تصاعد القصف، غير أن فكرة الرحيل من سوريا لم تراود مصطفى، إلا عقب استشهاد أقرب أصدقائه. وفي غضون حديثه عن مصرع أصدقائه تغيرت نبرة صوته وعجز عن إيقاف دموعه ليختار الاستسلام للبكاء متوقفا عن الكلام لفترة وجيزة، سارحا بنظراته بعيدا، مشعلا سيجارته وعلامات الأسى مرسومة على محياه . الحياد القاتل كان الرجوع به إلى نقطة انطلاق رحلته، يزيد آلامه ومعاناته، يقول مصطفى: «كان من الصعب العيش في سوريا بسبب الحرب»، مشيرا إلى أنه رفض الانضمام إلى جيش المعارضة أو إلى النظام السوري، ليختار الحياد، مما جعله مضطهدا من الجانبين، لم تقتصر معاناة مصطفى وغيره من سوريين على الخوف من القصف، بل عانوا من حرب اقتصادية شنها عليهم التجار الكبار باحتكارهم السلع ورفع أسعار البنزين والغداء، لتدفع هده الأوضاع مصطفى وغيره من السوريين الذين التقينا بهم إلى الرحيل من سوريا، بيد أن أوضاعهم المادية كانت متفاوتة، فمن بينهم من سافر مباشرة الى موريتانيا، ومن لم تسعه الظروف، لجأ إلى حلول أخرى كمصطفى الذي اختار السفر الى اللاديقية والعمل فيها إلى أن يؤمن مصاريف رحلة العبور. يقول مصطفى في هذا الصدد: «شهدت التأشيرة من ادلب الى اللاديقية ارتفاعا صاروخيا من 100 ليرة سورية قبل الحرب الى 4000 ليرة لشخص الواحد جراء ارتفاع أسعار البنزين». مكث مصطفى في اللاديقية ستة أشهر واشتغل حينها في محل تجاري لأجل تغطية تكاليف السفر خارج سوريا، واقتناء تأشيرة السفر من سوريا إلى نواكشوط عاصمة موريطانيا لأنها دخولها لا يتطلب تأشيرة العبور «فيزا». الوصول إلى نواكشوط وصف لنا مصطفى إحساسه بأنه كان خليطا من الأحاسيس: الحزن والفرح والخوف… ليختزله في عبارة واحدة «مافي أدفى من بلدك «، وشعر بالفرح أيضا لأنه تمكن من الفرار من الموت على خلاف من لقوا حتفهم تحت القصف. عند الوصول إلى نواكشوط يلجأ المهاجرون إلى أقاربهم بينما من ليس لديه أقارب يصبح الشارع مأواه، وحسب تصريحات من التقينا بهم، فالجمعيات الخيرية والمساجد كانت تمنح مساعدات لهم في نواكشوط. ومن عاصمة موريطانيا، سيشد مصطفى وباقي الفارين من جحيم الحرب في سوريا الرحيل إلى جاو، الرحلة ستستغرق ثلاثة أيام عبر الطائرة، وبعد ذلك سيرحلوا عبر الحافلة إلى جاو العاصمة، يقول مصطفى: «كانت الطريق من بماكو إلى جاو معظمها حواجز وأمام كل حاجز كنا ندفع 5000 سيف (العملة التي يتعامل بها الماليون)، واجتزنا أزيد من 15 حاجزا، فضلا عن التعرض للميز والعنصرية من لدن الماليين ولهجتهم التي لم نكن نفهمها، وقال: «لقد شعرنا أننا غير مرغوب فينا من خلال نظراتهم إلينا». سمير شاب فتح قلبه لنا وحكا لنا عن رحلة العذاب، قائلا: «لقد كان سعر التذكرة مرتفعا مقارنة مع ما قبل الحرب» وأضاف «لقد قام موظفو السفارة المالية بالزيادة في سعرها على السوريين، فضلا عن أن كل من يملكون المال من سوريين يدفعون أكثر لكي يتمكنوا من السفر بسرعة، وفي المقابل يواجه الفقراء صعوبات لأنهم لا يستطيعون دفع نفس الثمن. المهربون الماليون مرحلة الوصول إلى جاو تعد من أخطر المراحل التي يخوضها المهاجرون، لاسيما أنهم يسلمون أرواحهم للمهربين، يقول سمير في هذا الصدد: «بمجرد وصولنا تعرف علينا المهرب مباشرة، وقام بتقديم نفسه لنا على أنه المهرب لكننا رفضنا في البداية». يلجأ المهربون إلى مجموعة من الإجراءات لكسب ثقة المهاجرين، يزكي مصطفى حديث ابن بلده سمير ويقول: «لقد كانوا يقومون بإطلاعنا على صور جوازات سفر السوريين الذين هربوهم لكسب ثقتنا». يعتمد المهربون الماليون على هذه الطريقة لإقناع السوريين بأنهم سيقومون بتهريبهم في الحافلة إلى الجزائر مقابل 150 دولارا، وأشار مصطفى إلى أن المهرب كان يتكلم العربية الفصحى وكانت أول جملة قالها لهم: «أنا مهرب إذا معك مخدرات أو أي شيء تهربه 950 دولارا فقط «، بيد أن مصطفى وغيره من السوريين هدفهم الرئيسي هو الهروب للنجاة من الموت. جحيم صحراء مالي كانت الشاحنة تضم أزيد من 90 مهاجرا كانوا أطفالا ونساء وشيوخا… حاملين معهم معلبات غذائية، لاسيما وأنهم سيخوضون رحلتهم في صحراء مالي. وصف سمير الصحراء قائلا: «لقد كانت مليئة بالحواجز والمسلحين والمهربين وعند كل حاجز كان يفرض المهربون على المهاجرين دفع المال ومن لا يملك المال يقومون بضربه». في تلك اللحظات، كان مصطفى يحفز ذاكرته ليقدم لنا أصعب اللحظات التي عاشوها في رحلتهم في صحراء مالي قائلا: «عندما تعطلت الشاحنة في الصحراء ولم يكن معنا ماء للشرب، لازلت أتذكر ذلك المشهد وصور الأطفال أمامي يصرخون من شدة العطش والجوع، ولحسن الحظ أن الأمطار هطلت وتمكنا من الشرب من ماء المطر، عبر وضعنا للأوشحة الذي كنا نغطي به رؤوسنا في البرك المائية الى أن تتبلل ونعصرها للأطفال أولا ليشربوا وبعد ذلك نشرب نحن». صمت النساء كان صعبا إقناع السيدات السوريات بحي «فرح السلام» بالبوح بالصعوبات التي واجهتهن إبان رحلة العذاب. وفي غضون زيارتنا لهذا الحي، لمسنا لدى معظم النساء اللائي حاولن الحديث عدم الثقة في أي شخص، غير أن بحثنا الطويل قادنا إلى أم حمزة، وهي أرملة في عقدها الخامس، كانت ترتدي عباءة سوداء وتبدو على ملامحها مشاق السفر، تمشي إلى جانب أطفالها الأربعة تتنقل من مسجد لآخر ومن إشارة مرور إلى أخرى، تمسك بأطفالها الصغار: ثلاث بنات وولد لازالوا صغارا أكبرهم يبلغ من العمر 10 سنوات. إقناع أم حمزة لم يكن سهلا لأنها كباقي السوريين فقدت الثقة في كل شيء، ومع ذلك لم نستسلم أمام رفضها واخترنا أن نلاحقها إلى المسجد الذي تتسول أمامه، و بعد محاولات عدة اقتنعت بالحديث إلينا، وبأن تمنحنا التذكرة للسفر معها إلى بداية رحلة حلب، وتبوح لنا بأسرار العبور، قائلة: «استشهد زوجي وأمي وأبي وإخوتي الشباب معتقلين في السجون، ظل عندي أخ واحد يعيش في فرنسا» . أم حمزة اختارت أم حمزة أن تنأى بنفسها عن الموت وتغادر سوريا إلى لبنان في سيارة بعد أن باعت جميع ممتلكاتها بأقل من ثمنها، محتضنة أبناءها الأربعة، لقد كانت أم حمزة تتذكر الحسرة والهلع والخوف الذي كان باديا على أطفالها وهي حاملة ما تيسر لها من متاع وما تبقى لها من ذكريات مودعة سوريا. أم حمزة عاشت هي أيضا، أصعب مرحلة في حياتها، فخلال انتقالها للحديث عن مرحلة عبورها صحراء مالي تغيرت ملامح وجهها وبدأت الدموع تنهمر من عينيها، اختارت الصمت والإبحار بنظرتها بعيدا عنا، لتستأنف الحديث قائلة «صحراء مالي جحيم لن أنساه طيلة حياتي» بنبرة صوت مشحونة بالأسى، تواصل أم حمزة حديثها، فيما عيون أطفالها ترمقها، محاولين منعها من مواصلة الحديث قائلة: «قبل ركوبنا الشاحنة اتفقنا مع المهربين على ثمن، ولكن بعد ركوبنا بدؤوا يطلبوا منا دفع أموال أخرى، لكننا رفضنا اعطاءهم المال مما دفع المهربين الى ضربنا ورمينا في الصحراء، لازالت أتذكر معاملاتهم القاسية». ومن بين أهم مشاهد الألم التي ظلت راسخة لديها، قيامهم بقتل رجل مسن فقط لأنه بدأ يصرخ في وجههم، تقول أم حمزة: «قتلوه أمامنا ورموه في الصحراء كما ألقوا باقي المهاجرين من الشاحنة ليواجهوا مصيرهم في الصحراء»، وتضيف قائلة: «عندما رمونا في الصحراء كنا أزيد من 70 مهاجرا مختلطين سوريين وأفارقة من جنوب الصحراء ….لا يمكن أن أنسى تلك اللحظة ونحن ضائعين في صحراء مالي، لقد تمنينا في تلك اللحظات الموت من شدة العطش وأشعة الشمس الحارقة ونفاد ما كان عندنا من غذاء». كانت حالة أم حمزة النفسية متوترة وكانت الدموع تتسارع لتنسكب من عينيها وهي تصف لنا ذلك المشهد المأساوي. تتابع (أم حمزة) «كنا نواصل المشي ولكن أطفالي شعروا بالتعب والعطش والجوع ولم يستطيعوا مواصلة الرحلة مما أثقل كاهلي». لقد استمر ضياع أم حمزة وباقي المهاجرين في الصحراء مدة 17 يوما من الجحيم والانتظار والخوف من مصير مجهول … إلى أن استطاعوا الوصول الى صحراء الجزائر. «هنا تنتهي الحياة» «هنا تنتهي الحياة».. عبارة مكتوبة على لافتة في صحراء جاو، لازالت راسخة لدى مصطفى، لأنها تكشف الكثير من الأسرار التي يكتشفها المهاجرون في الصحراء حول المهربين الذين يمارسون عليهم التعذيب ويستغلون هروبهم من الموت لسلبهم أموالا وأحيانا أرواحا تزهق في رمال الصحراء. ورغم ذلك، تمكن مصطفى ومن كانوا معه من النجاة، بعد أن قام سائق إحدى شاحنات التهريب قادما من الجزائر من رؤيتهم والإخبار عنهم ليتوصلوا بمساعدة ويتم إصلاح الشاحنة المعطلة، وبذلك تمكنوا من الوصول الى صحراء الجزائر بعيدا عن تمنراست ب13 ساعة، يقول مصطفى: «أخذونا إلى منزل كبير في صحراء الجزائر مقابل 200 دولار للشخص الواحد، كان فيه أكل وشرب لكن كانوا يعاملوننا معاملة العبيد، وبعدها استأنفنا رحلتنا إلى الجزائر حيث ركبنا سيارة صغيرة الحجم تتسع لثمانية أشخاص فقط، ولكن ركب على متنها 20 شخصا، بالإضافة إلى الجو الحار الذي فاقم من حدة الوضع». الرحلة إلى الجزائر إبان وصولهم إلى مدينة «تمنراست»، كان أول شيء يفكر فيه المهاجرون هو إيجاد حافلة تقلهم إلى مكان آمن، لقد كان الخوف من السلطات الجزائرية هاجسا انتاب معظم من قابلناهم، يقول مصطفى: «انتقلت من مدينة «ميلة» إلى مدينة «مغنية» في الحافلة، لقد شعرت حينها بالخوف، سيما وأني كنت أسمع بأن العديد من السوريين أعادتهم السلطات الجزائرية الى سوريا» . لم يستطع مصطفى ومن كانوا معه من السوريين المبيت في فندق خوفا من الشرطة الجزائرية، لكن أحد الجزائريين قدم لهم بيته للمبيت فيه وللاختباء من السلطات الجزائرية. إبان ركوب المهاجرين الحافلة للوصول إلى مغنية، يقول سمير: «كان يسألنا سائق الحافلة هل نحن سوريين، وعندما يتأكد من أننا سوريين يقوم بإجراء اتصال في الهاتف مع المهرب، وبمجرد وصولنا إلى مدينة مغنية كنا نجد المهرب ينتظرنا، ليعرض علينا خدماته، لكننا في البداية لم نثق فيه الى أن كشف لنا صورا لجوازات سفر سوريين قام بتهريبهم إلى المغرب، عقب ذلك اتفقنا معه على المال وعلى دفع مبلغ 30 ألف دينار جزائري، وقام بتحديد الموعد والمكان الذي سنلتقي فيه معه بعد أن يكمل العدد المحدد» . لقد شكلت الجزائر للمهاجرين معبرا إلى المغرب، بيد أن الخوف من إلقاء القبض عليهم ظل ملازما لهم طيلة فترة مكوثهم في الجزائر، تقول أم حمزة: «عند وصولنا الى الجزائر كنا نفترش الأرض وننام في أي مكان بعيد عن أعين الشرطة»، سيما أن أم حمزة لديها أربعة أطفال وطبيعي أن تتضاعف معاناتها في رحلة العبور، خاصة وأنها ستعبر الحدود من مغنية الى المغرب مشيا على الأقدام مع المهرب، لتقول بهذا الصدد: «لازلت أتذكر الظلام وكيف كنت أمسك بأطفالي قاطعين مسافات طويلة مشيا على الأقدام، بينما المهرب يأمرنا بعدم إصدار أصوات لكي لا يسمعنا الدرك، لقد كنت أهمس بصوت خافت لأطفالي بأن يصمتوا ولكن عندما وصلنا إلى الواد تبللت حقائبنا وملابسنا بالماء وقد كان علينا أن نقطعه بدون أن نصدر أصواتا لكي لا يتم القبض علينا». يقوم المهربون الجزائريون بإيصال المهاجرين الى النقطة الحدودية بين المغرب والجزائر، ويقول سمير: «عند وصولنا إلى المغرب وجدنا المهرب المغربي الذي تعرف علينا»، مشيرا إلى أنه لم يأخذ منهم المال لأنه شريك للمهرب الجزائري الذي أنهى مهمته عند النقطة الحدودية مع المغرب، لتبدأ مهمة المهرب المغربي الذي قادهم صوب محطة الحافلات في وجدة. العبور إلى المغرب عاش المهاجرون سلسلة من المراحل ولكل مرحلة أبطالها من المهربين، الذين يتاجرون في معاناتهم ويستغلون ظروفهم الصعبة، بيد أن رحلة عبورهم لم تتوقف عند المغرب، فمن بينهم من يحلم بالبريق الأوروبي واجتياز حاجز مليلية أو سبتة، كسمير الذي ربما سيكون خلال كتابة هذه السطور قد عانق الحلم الأوروبي ليكمل رحلته بحثا عن الأمان الذي فقده في بلده الأم، يقول سمير: «لا يمكنني الاستقرار في المغرب أنا وعائلتي، لقد أمضينا سنة في المغرب وكنا نعتمد في معيشنا على التسول، لن أنسى كيف كانت أخواتي يتعرضن للمضايقات من طرف بعض الشباب»، كان سمير يقول هده الكلمات وعيناه مغرورقتين بالدموع. كان سمير أثناء حكيه عن آلامه، يبكي من شدة الظلم الذي طاله وأسرته في مختلف محطات رحلتهم، كان يختار الصمت بين الفينة والأخرى، ويستأنف حديثه قائلا: «هاجمني ثلاثة شباب مغاربة وضربوني بسكين حاد وسرقوا مالي ولكن لم أستطع أن أقدم بهم شكاية، لأن وضعيتي غير قانونية أنا وعائلتي»، معظم من قابلناهم كانوا يتكبدون معاناتهم بصمت ويتخوفون من الحكي عما خاضوه من صعوبات، لأنهم يعتبرون أن وضعيتهم غير القانونية لا تسمح لهم بالمطالبة برفع الظلم عنهم . الحلم الأوروبي أما أم حمزة، فهي تمضي أيامها المتبقية في المغرب وهي تتسول لتعيل أطفالها، تقول: «المغرب بالنسبة لي ممر إلى أوروبا، ولا يمكننا أن نعيش طيلة حياتنا نتسول، وعلى الرغم من أني أجلس أمام باب المسجد لأتسول، غير أنني تعرضت لمحاولة اغتصاب» . لم تستطع أم حمزة أن تدين الشخص الذي حاول اغتصابها لأنها تعتبر نفسها مهاجرة غير قانونية، وعليها أن تصبر إلى أن تحين لحظة خروجها من المغرب، والالتحاق بشقيقها في فرنسا ليتمكن اطفالها من الولوج الى المدارس، بينما هم في المغرب لا يدرسون حالهم كحال باقي الاطفال السوريين الذين لم يكملوا دراستهم ويمارسون التسول لتوفير حاجياتهم اليومية. من جهته، ينتظر مصطفى منحه الإقامة ولا يزال مترددا بين أن يكمل رحلته الى أوروبا أو يظل في المغرب، لاسيما أنه ترك خطيبته في سوريا، كان يتخوف من أن لا يتمكن من الرجوع إلى سوريا أو أن تموت خطيبته جراء القصف، كان يعيش حالة نفسية صعبة، فهو يعيش في المغرب مع أقاربه بدون عمل ولا م ستقبل. يبدو أن مصطفى بدوره لم ينج من مضايقات بعض الشباب المغاربة، لأنه قام بالاتصال بنا مؤخرا ليخبرنا بأنه تعرض لطعن بسلاح أبيض من طرف شباب مغاربة، مما تسبب له في جروح بليغة في يديه وساقه إبان رحلته إلى مدينة مكناس للعمل .. تنتهي رحلتهم من موريتانيا وينتهي جحيم صحراء ماليوالجزائر والمغرب، لتبدأ رحلتهم الأخرى مع حدود المغرب مليلية وسبتة إلى اسبانيا … إنه الجزء الثاني من رحلة يعيشها المهاجرون بين أحضان المجهول في رحلة قد تكون نهايتها الموت غرقا في بحار المتوسط. المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في المغرب وفي اتصال ل»المساء» بمكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالمغرب، كشفت أن عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى المفوضية 1523 حتى 31 يوليو 2015، مشيرة إلى أنهم تم تسجيلهم من طرف المفوضية، مما يسمح لهم بالاستفادة من المساعدات الإنسانية التي تقدمها المفوضية وشركاؤها كالدعم النفسي والتعليم والمساعدة المالية للأكثر ضعفا والمساعدة القانونية والتمثيل القانوني. وأضافت أن 5000 سوري استفادوا من الإجراء الاستثنائي من طرف الحكومة لتسوية وضع المهاجرين، عامي 2014 و2015 وتلقوا بطاقات إقامة لمدة سنة قابلة للتجديد، مما يمكنهم من الاندماج وولوج سوق العمل. وورد في الاتصال أن معظم اللاجئين يرغبون في العودة إلى بلادهم إذا كان الوضع الأصلي في بلادهم يسمح بذلك، داعية إلى ضرورة تقديم المغرب لمشروع قانون اللجوء في البرلمان، وهذا التشريع سيمكن السلطات المغربية من الاعتراف بالسوريين كلاجئين وليس فقط مهاجرين، ومشيرة الى أن السوريين في المغرب محميين من قبل السلطات المغربية. وأشارت الى أن السوريين الغير مسجلين لدى المكتب ولم يستفيدوا من الاجراء الاستثنائي من طرف الحكومة لتسوية وضع المهاجرين لا يمكن للمكتب منحهم المساعدة ، وبالتالي ليست لديهم اي معطيات دقيقة بخصوص السوريين في وضعية غير قانوينة بالمغرب ، بينما المسجلين لدى المفوضية فبطاقة اللاجئين تحميهم داخل المغرب حيث أنهم لا يضطروا الى التسول.