الأسبوع المنصرم اعترفت السلطات المغربية ب»الجمعية الصحراوية لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان» المرتكبة من طرف الدولة المغربية، بعد عشر سنوات على تقديم وثائق تأسيسها. ويشكل هذا القرار خطوة هامة تفتح المجال لاعتراف الدولة المغربية بانتهاكات حقوق الإنسان، التي ارتكبت في حق الصحراويين بسبب آرائهم السياسية. ويطرح هذا القرار السؤال التالي: هل يمكن لأشخاص وجمعيات وأحزاب سياسية أن يتبنوا اختيار «الانفصال» أو تقرير المصير علنيا دون أن يتهموا بخيانة الوطن أو يحاكموا قضائيا بسببه؟ في الحقيقة، لا مانع للسماح بالتعبير عن آراء سياسية «انفصالية» في الفضاء العام ما دامت سلمية ولا تدعو إلى العنف و كراهية الآخر لأن هذا التطور الديمقراطي هو أقوى سلاح يمكن أن يضع حدا لهذا الصراع. و أكيد أن الدولة الحديثة في أوربا أو في العالم العربي بنيت على أساس توحيد التراب ومبدأ الوحدة الوطنية، لكن هذا لا يتناقض مع التغيير الديمقراطي والاعتراف بالتنوع المجتمعي والثقافي، بل الدولة تكون أقوى عندما تكون منفتحة على جميع مكونات المجتمع. والمغرب خطا خطوات هامة في هذا الاتجاه بعد أن اعترف دستور 2011 بأهمية اللغة والثقافة الحسانيتين، وتبنى فكرة الجهوية الموسعة التي يمكن أن تمهد لمقترح الحكم الذاتي. وأكيد أن قرار اعتراف الدولة المغربية بجمعية صحراوية «انفصالية» يأتي في سياق مؤسساتي وسياسي أفضل مما كان عليه في الماضي، لكنه لا يضمن للصحراويين حق التعبير عن القضايا المرتبطة بحقوق الإنسان أو عن أفكارهم بكامل الحرية. وتحقيق السلام بين المغاربة والصحراويين يقتضي الشروع في مبادرة مصالحة سياسية من شأنها أن تفتح صفحة جديدة بين الطرفين، لأنه لا يمكن الخروج من هذا الصراع إلا إذا تم الرجوع إلى الأحداث المؤلمة التي عاشها الضحايا، وتعويضها ماديا ومعنويا، مثلما فعلته الدولة المغربية عند تأسيسها سنة 2004 لهيئة الإنصاف والمصالحة الخاصة بضحايا «سنوات الرصاص». ومبادرة مصالحة مغربية-صحراوية لا مفر منها لأنها هي التي يمكن أن تساعدنا على أن ننتقل من حالة حرب باردة وكراهية و شيطنة الآخر إلى مصالحة حقيقية تسمح لنا بالتعايش السلمي. وأكيد أن نزاع الصحراء له عوامل عدة، منها دور إسبانيا الاستعماري في الأراضي الصحراوية، والمنافسة بين المغرب والجزائر في المنطقة، إلا أن الخروج منه على المدى الطويل يتطلب لكل من الدولة المغربية والبوليساريو تجاوز الوطنية الضيقة والقدرة على إبداع أشكال سياسية جديدة تحافظ على الهويتين المغربية والصحراوية في إطار سياسي جديد يخدم مصلحة الشعبين، ويتوجه بمشروع وحدوي لجميع شعوب المنطقة يضم الجزائر وموريتانيا وتونس وليبيا.