استنادا لتطور طبيعة الأشياء، وخضوعا لمنطق التحول، لا يمكن أن نتناول تجربة الفنان فؤاد شردودي إلا من هاتين الزاويتين، تجربة عرفت مسارا تصاعديا، وضع فيها الفنان اهتماماته في محك اختيارات صعبة في ظل التراكمات المشهدية التي تعرفها الساحة التشكيلية المغربية والعربية، جاء من الكتابة والشعر محملا بأسئلة ثقافية مقلقة اعتمدها كمرجع تأسس عليه مشروعه التشكيلي، مرتحل بين الكلمة والصورة، يغرف من جمالية الصورة الشعرية، ليعطي لعمله نفسا جديدا تتعدد فيه الرؤى بخيال منفتح على آفاق جمالية متنوعة، فإدراكه الحسي بأهمية الصور المخيالية والبلاغية كشاعر أولا، جعلت من عمله الإبداعي كتشكيلي في فترة لاحقة، سندا لأسئلة جوهرية، جمعت بين الفكرة كمعنى والممارسة كتقنية. إن تجربة الفنان شردودي الحالية، تدخل ضمن تجربة تجريدية تعبيرية بعيدة عن حيل وخداع وتمويه الأسلوب والإقرار به، كما أشار إلى ذلك الفنان الهولندي «وليام دوكونينك»، لأن شردودي يشتغل شعوريا وعفويا بجميع الأساليب ليكسب عمله طابعا شخصيا يقترب في تصوره النظري من تجربة الفنان الألماني «جيرار ريشتر». فإذا كان التحليل السيميائي يقوم على البنية الخطابية مع تفكيك الدلالات والرموز، كمعجم بسياقات تخضع للمسار التصويري، فإن الوحدات الدلالية التي تساهم في التوصيف تكاد تكون غائبة في العمل الأخير للفنان شردودي، بعدما أن قام بهدمها ليعيد بناءها من منطلق ذهني افتراضي لدلالات أيقونية تجريدية تجمع بين الظاهر والغابر وبين الواضح والضبابي، بثنائية لونية جعل السند من خلالها مسرحا لتضاربات وتقاطعات لونية يصعب تجميعها، مع احتمالات تشخيصية مشهدية ملتبسة مرئيا. وحتى لا نبتعد عن العملية التحليلية في نظام الوظائف في مجال تحليل الصورة، ودراسة الألوان، بتمظهراتها المشهدية، فإن تجربة شردودي شكلت فوضى مرئية عارمة ومنتظمة في الوقت نفسه، ناتجة عن فعل عفوي من جهة ومراقب ومحكم ذهنيا من جهة أخرى، أفرز تكوينات متوازنة تتجاوز الأمكنة، لفضاءات تعج بحركات خطية ولونية غنائية، أكدت حضورها بقوة لتثبت مصداقية صيرورة إستيتيقية عبر منهج تشكيلي متسلسل في تعامله مع كل المكونات الجمالية للوحة التشكيلية. هذه الفوضى التي وصفها الفنان الراحل محمد نبيلي بتعدد الأساليب في الأسلوب الواحد من خلال الحكاية التي تضمنت اختيار الفنان شردودي لنمط معين في معالجة موضوعه التشكيلي. تبدأ حكايته مع تحفته سنة 2006 بمطعم المعهد الألماني غوته بالرباط، عند عودته آنذاك للتو من معرض بفرنسا، وكان على موعد مع الفنان المرحوم محمد نبيلي ليناقش معه موضوع تأسيس فرع الرباط لنقابة الفنانين التشكيليين المغاربة وكذا ليطلعه على جديده الفني وعلى بعض انشغالاته الأدبية الأخرى حسب قوله. حمل معه صورة عمليه الأخيرين وبعض المطبوعات وانطلق من سلا حيث يوجد مرسمه إلى الرباط. دخل المطعم ووجد محمد نبيلي على طاولة في وسط الفضاء، جلس بعد التحية إلى جانبه، تناولا الغذاء وتحدثا طويلا، ثم أخرج شردودي له صورتي العملين الجديدين، فكان يقرأ في وجهه كل التفاصيل التي قد تساعده على فهم رأيه، لم ينتظر طويلا، حتى قال له: متى أنهيت هاتين اللوحتين؟ أجابه: هذا الصباح. أخذ محمد نبيلي ينظر إلى العملين بتمعن وقال له: «لديك خاصية مميزة، أنت ترسم أعمالا كثيرة في عمل واحد». ثم أعطاه بعض النصائح والملاحظات الجمالية التي كان سعيدا وهو يتلقفها بعطش شديد يضيف شردودي. في نهاية الحكاية، لم يشأ المرحوم محمد نبيلي إلا أن يقتني منه أحد العملين، وكان عبارة عن خماسية ظلت معلقة داخل فضاء مؤسسته بابن سليمان ولا يدري أين انتهى بها المطاف اليوم، أما العمل الثاني فقد احتفظ به لنفسه وعرضه فيما بعد بمعرضه «أيادي الظلال» برواق باب الكبير بالرباط.