في تصريح مثير للقلق تناقلته وسائل الإعلام الجزائرية المستقلة الأربعاء الماضي، اعتبر محمد خلفاوي وهو ضابط كبير سابق في مديرية الأمن والاستعلامات (المعروفة اختصارا ب DRS) بأنه من الممكن أن تتحول الجزائر إلى سوريا أخرى في ظرف 24 ساعة. ويبني الخبير الجزائري تحليله على كون تداعيات الصراعات التي تشهدها كل من مؤسسة الرئاسة وقيادة الجيش وقيادة الأجهزة الاستخباراتية، قد انتقلت من مستوى تباين الرؤى بين قادتها إلى مستوى الاستهداف الشخصي بشكل علني، لبعضهم البعض. إن تصريح العقيد خلفاوي يكشف في الواقع عن مظهر واحد فقط من المظاهر المتعددة للأزمة العميقة وغير المسبوقة التي تجتازها الجزائر راهنا، والتي تفتح الباب أمامها على المجهول، في ظل انهيار متواصل لأسعار المحروقات واحتدام الصراع حول مقعد الرئاسة لخلافة بوتفليقة، وعودة شبح الإرهاب الداخلي من جديد.. تحمل جميع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي يتناقلها الإعلام الجزائري يوميا وعلى مدار الساعة منذ أشهر، على الاعتقاد بأن البلد الجار يجتاز راهنا واحدة من أعمق أزماته، إن لم تكن الأسوأ التي تجتازها جزائر ما بعد الاستقلال. فقد بلغ سعر صرف الدينار الجزائري يوم الخميس الماضي أدنى مستوى له في تاريخه عند صرفه مع الدولار، حيث بلغ سعر الدولار 102 دينار جزائري. وهي مجرد عتبة أخرى على درب سقوط العملة الجزائرية المتواصل منذ سنوات، حيث تكشف أرقام بنك الجزائر عن أن سعر الصرف المتوسط للدينار مقابل الدولار كان قد انخفض إلى 24ر93 دينارا نهاية مارس 2015، مقابل 9ر77 دينار سنة من قبل. ويأتي انهيار العملة الجزائرية برأي خبراء الاقتصاد والمالية الجزائريين، كنتيجة منطقية للظروف الاقتصادية التي تعيشها البلاد، والتي يميزها انخفاض غير مسبوق لأسعار المحروقات في الأسواق العالمية. فالمعروف أن النفط الذي يحدد قيمة العملة الجزائرية يمثل 98 % من صادرات الجزائر، وقد هوت أسعاره من 125 دولارا إلى ما دون 50 دولارا في العام، ما أدى إلى تراجع مداخيل البلاد، التي تعتمد على العائدات النفطية لتأمين 60 % من ميزانيتها. وتكشف معطيات الجمارك الجزائرية نتيجة لذلك عن كون العائدات النفطية في الجزائر انخفضت بنسبة 71،43 % خلال النصف الأول من العام 2015 بسبب انخفاض سعر الخام. وهكذا بلغت قيمة الصادرات من المحروقات خلال الستة أشهر الأولى من العام الجاري، مبلغ 9،18 مليار دولار فقط في مقابل 14،32 مليارا خلال الفترة نفسها من العام الماضي. وللمقارنة فإن فاتورة الواردات الجزائرية في سنة 2014 لوحدها ناهزت 60 مليار دولار، ما يعني أن المداخيل برسم العام الجاري لن تكفي للوفاء بحاجة الجزائريين. ولذلك اتخذت الدولة في الأشهر الأخيرة إجراءات صارمة للتقليص من الواردات، كما عملت على إيقاف أغلب المشاريع الكبرى التي تنجزها شركات أجنبية، مع التشجيع على استهلاك الإنتاج المحلي. لكنها لم تتجرأ على المساس بالمساعدات الاجتماعية والدعم الذي تقدمه للمواد الأساسية والمحروقات والكهرباء. فرغم أن هذا الدعم يكلف الدولة حوالي ربع قيمة الناتج القومي الخام، إلا أنها تحافظ عليه لأنه يضمن لها نوعا من الاستقرار الاجتماعي، إلى درجة أن المواطنين باتوا يعتبرونه خطا أحمر. ولمواجهة الأزمة الخطرة الحالية، يشدد بعض الاقتصاديين على أن الجزائر مطالبة في غضون الثلاث سنوات القادمة بتغيير سياستها الاقتصادية، من خلال السعي إلى خلق بدائل أخرى منتجة وعدم الاكتفاء بالاعتماد على عائداتها من المحروقات؛ وإلا تعرضت إلى أزمة اقتصادية أكثر خطورة على المواطن الجزائري بحلول عام 2018. بينما يعتبر آخرون بأن تلك المهلة غير كافية لكي تغير الجزائر بين عشية وضحاها سياستها الاقتصادية. فهي لم تعمل باكرا على تطوير القطاعات المنتجة من سياحة وفلاحة وصناعة، من خلال استثمار أموال النفط. أيام كانت تتوفر لديها فوائض كبيرة. وفي خطوة غير مسبوقة تعكس مدى صعوبة الوضع الاقتصادي، شرعت الحكومة الجزائرية في فرض ضرائب جديدة لمواجهة العجز، كما أقرت منتصف الشهر الجاري موعدا للشروع في استقبال المصارف للأموال المكنوزة والمهربة، والتي قدرها الوزير الأول عبد الملك سلال في حدود 37 مليار دولار، ووعد بالتسامح مع أصحابها. وهي أموال تفيد مصادر جزائرية متطابقة بأنها متحصلة من النشاطات غير الشرعية، من تهريب وتجارة مخدرات، ورشاوى مال عام. لكن رغم كل الإجراءات المتخذة والمبرمجة، تبدو الآفاق قاتمة أمام الجزائر في ظل ترجيح بنك غولدمان ساكس أن تنحدر أسعار النفط إلى حاجز 40 دولارا خلال الأشهر المقبلة، وتوقع الخبراء العالميين أن لا تعاود الأسعار الصعود إلا بعد عامين إلى ثلاثة أعوام. ويضع هذا الواقع الجزائر في مواجهة واحد من ثلاثة السيناريوهات المحتملة التالية: الجزائر ستتجاوز الأزمة بسلام ثمة قراءات وتحليلات سياسية تستبعد حدوث ثورة داخلية في الجزائر. دليلها على ذلك أنه مهما ساء الوضع الاقتصادي فإن مخلفات العشرية السوداء ما زالت تسكن ذاكرة الجزائريين من جهة، ومن جهة أخرى هناك حرص النخب السياسية على حصانة البلد في وجه الانهيار الذي قد يعصف به سريعا. وثمة أيضا عامل ضعف المعارضة المنقسمة على نفسها. وفضلا عن ذلك، يرى أصحاب هذا الرأي المتفائل بأن مآل الحراك السياسي في بلدان الربيع العربي ليبيا ومصر واليمن وسوريا والعراق، قد انتهى بها إلى فواجع مدمرة، من شأنها أن تشكل كابحا لأي حماس للتمرد على أجهزة الدولة في الجزائر. وفي هذا الصدد يتذكر كثيرون من سكان الجزائر، الذين يبلغ عددهم 40 مليون نسمة، بأن انهيار أسعار النفط عام 1986 كان سببا في تفجر أعمال شغب واسعة وضعت الاقتصاد الوطني على حافة الانهيار. لكنها في المقابل أطلقت الاصلاحات الرامية إلى إنهاء النظام السياسي القائم على الحزب الواحد. غير أن معطيات 2015 أكثر تعقيدا من 1986، وبالتالي فمن شأن أية انتفاضة جماهيرية تنفجر في سياق الأوضاع الداخلية والخارجية الراهنة، أن تعصف بمستقبل البلد. وخلاصة هذا الرأي أنه حتى لو كانت الحكومة الجزائرية الحالية فاسدة وعاجزة، إلا أنها على الأقل توفر حدا أدنى من الأمان الشخصي والاستقرار الاقتصادي للمواطنين. ولذلك فإن بقاءها يعد أفضل من الدخول في أية مغامرة قد تقود البلد في اتجاه المجهول. وتتقاطع وجهة النظر هذه مع الطرح السياسي الرسمي الذي لا يمل من تخويف الجزائريين بفزاعة العشرية السوداء. وهي للتذكير سنوات الحرب الأهلية التي تلت انقلاب الجيش على الإسلاميين، عندما اكتسحوا صناديق الاقتراع في أول انتخابات ديمقراطية في 1991. واستمرت حوالي عشر سنوات سقط خلالها حوالي 200 ألف جزائري قتلى و30 ألف مفقود. ورغم مساعي السلطات الجزائرية لطمأنة المواطنين على استمرار سياسة الدعم الحكومي لأسعار المواد الاستهلاكية إلا أن خوفا حقيقيا ينتابها من احتمال تواصل انخفاض أسعار النفط لفترة طويلة مقبلة، خاصة وأنها اعتمدت طيلة السنوات الأربع الماضية (أي منذ اندلاع ما يعرف بثورات الربيع العربي) على السيولة المالية التي تحققت لها من عائدات البترول، لشراء صمت الجزائريين خاصة المحتاجين منهم. فأنفقت بسخاء على دعم أسعار المواد الاستهلاكية والزيادة في أجور موظفيها عام 2011 بشكل كبير، لتهدئة الغضب الاجتماعي الصاعد. كما زادت ميزانية القوات المسلحة بنسبة 176 % أي بنحو عشرة مليارات دولار، ما جعل الجزائر الدولة الأكثر إنفاقا على الجيش في أفريقيا. وإلى حدود الساعة تتحكم الحكومة في تراجع العائدات من خلال اللجوء إلى مدخراتها التي تزعم منذ سنوات بأنها تبلغ 200 مليار دولار. لكن خبراء في الاقتصاد والمالية جزائريين وأجانب كشفوا بأن تلك المدخرات لم تزد في الواقع عن 180 مليار دولار في شهر شتنبر 2014،في مقابل 195 مليار في شتنبر 2013. ويتوقع بعضهم أن تفقد الجزائر نصف احتياطاتها من العملة الصعبة المدخرة بحلول نهاية السنة الجارية، في حال استمرار صعوبة الظرفية الاقتصادية الحالية. لكن مع ذلك، يرجح أصحاب الرأي القائل بإمكانية تجاوز الجزائر للأزمة الحالية بسلام، أن تتوافق النخب السياسية والعسكرية والأمنية المتصارعة فيما بينها على خلافة بوتفليقة من طرف شقيقه الأصغر سعيد؛ وهو أستاذ جامعي يشغل منصب مستشار خاص للرئيس. إذ سيكون على المتصارعين أن يتنازلوا عن طموحاتهم الشخصية في نهاية المطاف، حفاظا منهم على تماسك المؤسسات والبلد. كما يرجح أن تستمر السلطة في شراء صمت الجزائريين رغم استمرار انهيار أسعار النفط، وتعمد إلى تمويل ذلك بعد استنزاف الاحتياطيات من خلال اللجوء إلى المديونية الخارجية، التي سوف تكون مكلفة جدا.
انفجار الوضع الاجتماعي وعودة الإرهاب جاء في تقرير أمريكي صدر أواسط الأسبوع الماضي بأن الجزائر ليست بمنأى عن خطر عدم الاستقرار الذي تعرفه بلدان الجوار العربي، وذلك لأسباب حصرها معدا التقرير في غموض الوضع السياسي في الجزائر وإشكالية مرحلة ما بعد بوتفليقة من جهة، وتردي الأوضاع الاقتصادية من جهة أخرى. وجاء في التقرير أن أجيالا جديدة تنتظر رحيل الشيوخ الذين قادوا الحكم في الجزائر لمدة 50 سنة، لكن لا أحد يعرف من ولا متى سيتم استخلاف الرئيس الحالي. وتنبأ التقرير باحتدام الصراع بين النخب الحاكمة بعد رحيل بوتفليقة عن الحكم. وخارج مضمون التقرير المذكور، تواجه الجزائر تحديات أخرى ليست أقل خطورة، وتهدد تماسك نسيجها الاجتماعي من خلال العصف بسلمها الأهلي الهش. لقد كانت السنتان الماضية والجارية صعبتان بسبب انهيار أسعار النفط، حيث وجدت السلطات نفسها مضطرة إلى اتخاذ إجراءات تقشفية، مثل إلغاء الكثير من المصاريف التي لم تعد قادرة على تمويلها، وتسريح آلاف العمال، وتجميد التوظيف في المؤسسات الحكومية في 2015. وبحسب صندوق النقد الدولي، تحتاج الجزائر إلى زيادة سعر البرميل ليبلغ أكثر من 120 دولار إن هي أرادت تجنب الصعوبات الاقتصادية التي تلوح في الأفق. لكن ذلك يبدو غير وارد في الأفق المنظور، حيث يتوقع خبراء في المحروقات أن يبقى سعر النفط دون عتبة 50 دولارا للبرميل إلى غاية 2017. فالاتفاق الغربي مع إيران لا يصب في صالح بلدان الأوبك الفقيرة (نيجيريا، وفنزويلا والجزائر). وبعودة المستثمرين العالميين إلى السوق الإيرانية، قد تصل صادرات طهران من النفط إلى 2.4 مليون برميل يوميا في 2016 بعد تطوير حقولها النفطية، مقارنة مع 1.6 مليون برميل يوميا في 2014. وينتظر مع ذلك أن يزيد النفط الإيراني من التخمة العالمية في الأسواق بما سيؤدي إلى مزيد من الانخفاض في أسعار النفط. وتبعا لتلك التقديرات من المرجح أن يجبر تراجع أسعار النفط الحكومة الجزائرية على مزيد من تقليص ميزانية التسيير وخفض الرواتب، ورفع الدعم عن المواد الاستهلاكية الأساسية. بل وتشير التقديرات إلى أن الجزائر قد تصبح عاجزة عن دفع مرتبات مليوني موظف تابعين للقطاع العام، إذا استمر تراجع أسعار النفط. وهو ما قد يؤدي إلى انفجار غضب شعبي كبير في الأجل القريب. ورغم أن لديها احتياطي أجنبي بقيمة حوالي 200 مليار دولار بحسب ما تدعي، مع تمويل احتياطي بترول بقيمة أكثر من 50 مليار دولار، إلا أن أخبارا راجت أخيرا تفيد بأن ذلك الاحتياطي آخذ في التآكل بسرعة. وحتى لو كان المبلغ لا يزال كاملا فإن 200 مليار دولار لن تكفي سوى للإنفاق لمدة تقل عن ثلاث سنوات، بحسب المحافظ السابق لبنك الجزائر. ولذلك يرى فاعلون سياسيون وخبراء اقتصاد بأن سياسة شراء السلم الاجتماعي قد انتهت في الجزائر مع انهيار أسعار النفط، وأن تراجع أسعار النفط يمثل الزلزال الذي سيضرب المجتمع الجزائري، على نحو ما حصل خلال أزمة النفط في العام 1986، عندما عجزت الدولة آنذاك عن تلبية الاحتياجات الضرورية للسكان، فانفجرت في وجهها انتفاضة 5 أكتوبر 1988. وعلى مستوى آخر، تواجه الحكومة الجزائرية صعوبات في استعادة السيطرة على كل المساجد التي تنتشر في البلاد، رغم إشرافها على نحو 50 ألف موظف بينهم 17 ألف إمام يعملون في أكثر من 20 ألف مسجد، بحسب نقابة الأئمة التي تأسست في العام 2013. فالحكومة عاجزة عن التخلص من «المتطوعين» السلفيين، لأن وزارة الشؤون الدينية والأوقاف ليس لديها المال الكافي ولا الموظفين لملء الفراغ الذي يمكن أن يتركه منع أئمة السلفية من تسيير المساجد. وبحسب التقديرات الرسمية فإن العجز الحالي في عدد الأئمة يقدر بنحو 7 آلاف، في وقت لا توظف الدولة سوى أربعة أو خمسة أئمة ومؤذنين في كل ولاية (نحو 200 في كل أنحاء البلد)، من بين الدفعات الجديدة من الطلاب المتخرجين من المعاهد الدينية التابعة لها. ولا شيء يضمن أن هؤلاء المتخرجين من معاهد الدولة لا يحملون الفكر السلفي. ويرى باحثون جزائريون في الشأن الديني أن الحركة السلفية في الجزائر لديها خلفية اجتماعية متينة وحقيقية في بلدها. كما أنها مدعومة من أشخاص في السلطة والمعارضة، وحتى من الخارج. وبالتالي فإن المد السلفي ليس فقط أفكارا متشددة تنتشر في الرؤوس، بل هي كذلك رؤوس أموال تتحرك في الأرض. فالشباب ليس مستوعبا فقط بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية بل بالأموال التي توفرها للتيار السلفي في الجزائر السيطرة على سوق الهاتف النقال والملابس الداخلية النسائية. وكان تقرير أمني نشرت خلاصته في فاتح أغسطس الجاري أشار إلى أن أتباع التيار السلفي آخذون في العودة بقوة إلى مدن وقرى جزائرية عديدة، من خلال واجهة العمل الخيري واللجان المسجدية. ويقومون أثناء ذلك بمهاجمة بعض عوائد الإسلام الشعبي، من قبيل مواسم الأولياء (الوعدات) ويغلقون الكنائس. والأكثر إثارة للدهشة أن الأمير السابق للجيش الإسلامي للإنقاذ الشيخ مدني مزراق، قام قبل أسبوع فقط بتنظيم جامعته الصيفية مع عدد كبير من أنصاره في إحدى الغابات بمستغانم. وقد تحدى مرزاق بذلك السلطات التي رفضت منحه ترخيصا، حيث وضعها أمام الأمر الواقع بجمع أنصاره، بهدف «مناقشة أوضاعهم منذ استفادتهم من مراسيم المصالحة الوطنية.» وسبق لمرزاق وأنصاره أن نظموا عدة مرات ما يطلقون عليه «الجامعات الصيفية»، وشارك فيها المئات من السلفيين، خاصة في غابات جيجل معقل الجيش الإسلامي للإنقاذ سابقا. وتبدو مثل هذه التسخينات تمهد للعودة إلى «الميدان» من جديد، في حال استولى الجيش من جديد على الحكم في الجزائر.
انقلاب عسكري وعودة الجيش يتمثل ثالث الاحتمالات التي تقف على عتبتها الجزائر في حدوث انقلاب عسكري يعيد الجيش إلى واجهة الحكم. لكن لحكم البلد بشكل مباشر ودونما حاجة إلى التخفي خلف رئيس كومبارس، كما هو عليه الأمر منذ عقود. وكان تقرير أمريكي نشر قبل نحو عام قد وضع الجزائر في الرتبة 29 على لائحة ضمت أربعين دولة مهددة بانقلاب عسكري. واعتمد التقرير الذي أعده المحلل السياسي الأمريكي، جيفري أولفيلدر، الذي ترأس لمدة عشر سنوات منظمة Political Instability Task Force، وهي هيئة استشارية حكومية أمريكية، على 14 مؤشرا لدراسة احتمال وقوع انقلاب على الحكم. ودأب المحلل السياسي منذ ثلاث سنوات على إصدار تقريره بناء على حسابات رياضية. وما يعطي مصداقية لتوقعاته أنه سبق أن تنبأ قبل سنة بوقوع انقلاب عسكري في بوركينا فاسو وحصل. والمثير للدهشة في الترتيب إياه أن الوضع الأمني الحالي البالغ التدهور في ليبيا لم يمنعها من تبوأ مكانة أفضل من الجزائر، حيث احتلت الرتبة 36 على قائمة البلدان المهددة بانقلاب عسكري برسم العام الحالي، بينما احتلت الجزائر الرتبة 29، ما يكشف هشاشة الوضع السياسي والعسكري فيها. ويزكي جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) التوقع نفسه، ويذهب إلى حد اعتبار حدوث انقلاب عسكري أمرا «حتميا» بالجزائر، في سياق الوضع الصحي المتدهور للرئيس عبد العزيز بوتفليقة. فقد نشرت جريدة تدعى «فلاش – إسرائيل» قبل نحو أسبوعين، تحليلا سياسيا خلصت فيه إلى أن وقوع انقلاب عسكري على رأس الحكم في الجزائر، أصبح «أمرا حتميا لا يمكن تجنبه في ظل الصراع القائم بين أجهزة الدولة». والجريدة المذكورة معروفة بقربها من جهاز الموساد الإسرائيلي. ففي الوقت الذي أصبح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة شبه ميت، فإن السلطات الثلاث السياسية والاستخباراتية والعسكرية باتت تشحذ السكاكين ضد بعضها من أجل مواجهة محتملة حاسمة. ويخلص تحليل الصحيفة الإسرائيلية إلى أن انقلابا عسكريا بات وشيكا في الجزائر. وأشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى أنه في الكواليس، يعمل سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس والحاكم السياسي الحقيقي للبلاد، على الحفاظ على دائرة الفساد في أعلى مستوياتها، لافتة إلى أن سعيد يعرف أن في مصلحته بقاء الرئيس الحالي على قيد الحياة. فوفاته سوف تكون بمثابة إعلان حرب مفتوحة بين جميع المتصارعين على السلطة. وفي السياق ذاته، عممت وكالة أسوشيتد برس الإخبارية المطلعة قصاصة إخبارية بتاريخ الخميس ما قبل الماضي، تحمل عنوان «مخاوف من انقلاب عسكري جديد بالجزائر مع سوء صحة الرئيس وتراجع أسعار النفط»، خلصت فيها إلى أن الجزائر باتت في قبضة المكائد السياسية، مع اقتراب رئيسها من الموت وانتشار شائعات عن محاولة حدوث انقلاب عسكري. ففي ليلة 16 يوليو الماضي، عشية عيد الفطر، حاصرت القوات الخاصة المنطقة المحيطة بمقر الرئاسة في زيرالدة وسط شائعات عن تعرضه لإطلاق نار، قد يكون محاولة انقلاب عسكري، أو هجوم شنّه إسلاميون متطرفون. ولم تتضح أبدا حقيقة ما جرى ليلتها. وأضافت القصاصة بأن الإقالة غير المسبوقة لثلاثة من كبار الجنرالات دفعة واحدة تثير الخوف من أن الصراع على السلطة داخل النظام قد اتخذ شكلا معلنا، وبات يهدد بإطلاق العنان لحلقة جديدة من مسلسل إراقة الدماء الذي سبق أن ابتليت بها البلاد في تسعينيات القرن المنصرم. ونقلت الوكالة عن مسؤول سياسي جزائري مطلع قوله: «بالتأكيد، ثمة شيء ما يحدث داخل النظام. نوع من أخطر أنواع الصراع، لدرجة إقالة ثلاثة جنرالات في وقت واحد. وربما تكون هناك خطوة من جانب معسكر الرئيس للحصول على بعض العمق المؤسسي الإضافي في قطاع الأمن. إنهم يحاولون استعادة الدولة العميقة». لقد ظلت التقارير على مدى السنوات الماضية تنقل أنباء الصراعات العميقة التي تمزق قيادات المؤسسات الأمنية والعسكرية والاستخباراتية في الجزائر، بحيث لم يعد الأمر سرا. لكن الجديد أن تلك الصراعات طفت إلى السطح أخيرا، ما يؤشر على قرب انفجارها التماسا للحسم النهائي، الذي يرجح معه أن تعود مؤسسة الرئاسة إلى قيادة الجيش، ممثلة في الفريق قايد صالح رئيس أركان الجيش ونائب وزير الدفاع؛ الرجل القوي في النظام الذي كثف خرجاته الإعلامية أخيرا.