حينما اعتقد الجميع أن صفحة جيش التحرير المغربي، بكل تناقضاتها، قد طويت إلى الأبد، ظهر رجل اسمه زكي مبارك، قادته الصدف إلى أن يضع يده على أخطر وثائق جيش التحرير حساسية. في سيرة زكي مبارك الكثير من الأحداث والشخوص. يقول إنه كان دائما يشتغل بجبة الأكاديمي، لكن خصومه من أحزاب الحركة الوطنية كانوا يعتبرونه «مؤرخا للمخزن». على كرسي «الاعتراف» يحكي مبارك قصة صراعه العنيف مع حزب الاستقلال، ويتذكر كيف خاطبه علال الفاسي يوما بلغة حازمة: إذا لم تبتعد عن هذا الموضوع -يقصد جيش التحرير- «تلقا راسك مليوح فشي بلاصة». على مدار حلقات طويلة يسرد زكي مبارك أحداثا عاشها مع المحجوبي أحرضان، علال الفاسي وإدريس البصري، ويشرح، بإسهاب شديد، كيف أصبح صديقا لعبد الله الصنهاجي، علبة أسرار عباس المساعدي، وكيف أخفى لمدة طويلة وثائق حساسة حول «ميليشيات حزب الاستقلال» والصراع العنيف بين محمد الخامس وأحزاب الحركة الوطنية.. – لم أفهم بعد كيف أن المخابرات المغربية طاردتك أنت بالذات، رغم أن أسماء أخرى لامعة كانت تشتغل داخل الجمعية. قلت لك فيما سبق إنني كنت رئيسا للجمعية، ثم إني كنت نشيطا جدا، ليس داخل الجمعية فقط، بل حتى عندما كنت داخل الجامعة. أنا لم أكن أتوقع أن تتدخل السلطات بهذه الطريقة. أقصد أن تنسيقي مع السفارة الصينية بالمغرب كان عاديا جدا، ولا يستدعي تدخلا مباشرا من طرف أوفقير. مرة أخرى يظهر الحاج باحماد، الذي تحدث مع بلعالم بغرض أن لا ألتحق بالجندية. بلعالم كان راضيا جدا عن اختياري الدراسة خارج المغرب. وفي أكتوبر 1969 غادرت المغرب نحو جنوبفرنسا. – ألم يتصل بك أوفقير بعد ذلك؟ لا أبدا لم يتصل بي، لكن بلعالم كان يخبره بكل شيء. ولذلك أؤكد لك أنه كان سعيدا بهذا القرار كما كنت أنا أيضا. – يظهر مما حكيت أن أعضاء من داخل جمعيتكم كانوا يتجسسون عليكم دون علمكم. بطبيعة الحال كان هناك من يتجسس علينا ومن يوصل الأخيار إلى أوفقير بشكل دقيق جدا، وفي بعض المرات كنا نفاجأ ببعض الأخبار المسربة من داخل الجمعية. – أريد أن أعرف هذه الشخصيات التي كانت تتجسس عليكم. لا أتوفر على أسماء بعينها، لكن لا أعرف حقا لم قفزت إلى ذاكرتي قصة طريفة عن امحند العنصر، فخلال العدوان الإسرائيلي أصدرت الجماعة بيانا شديد اللهجة ضد العدوان، ولأن العنصر كان طالبا بمدرسة البريد اقترحت عليه أن يعمم مناشير الجمعية داخل المعهد. يومها رفض العنصر رفضا قاطعا أن يعمم هذه المناشير لأن الجمعية لم تؤسس على أهداف سياسية، بل أسست للاشتغال والعمل الجاد والابتعاد عن الصراعات الجانبية. – هل كان العنصر يريد الانقلاب عليك داخل الجمعية؟ لا، لا، العنصر كان رجلا مسالما جدا، ولا يريد أن يحشر رأسه في أمور كبيرة. كان صموتا ومنصتا جيدا جدا. لا أتوفر على معلومات دقيقة، لكن العنصر لم يكن يحب الخوض في الأمور السياسية، ولا يحب أيضا من يخوضها. كان يريد التركيز على الجانبين الثقافي والاجتماعي. هنا بالذات بدأت علاقتي بعبد الله الصنهاجي، أحد قادة جيش التحرير المغربي.