تحت شعار «خيمة الإبداع»، تم تكريم الفنان الراحل فريد بلكاهية، في الندوة الرابعة الكبرى التي نظمها منتدى أصيلة الثقافي الدولي السابع والثلاثون، الذي كان افتتاحها عشية يوم الثلاثاء 4 غشت 2015، بمركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية بحضور فنانين ونقاد ومثقفين. تناول فيها الكلمة مسير الجلسة ومنسق الندوة، الذي اعتبر أن هذه المناسبة هي تذكير برحيل أحد رواد الحركة التشكيلية بالمغرب، الذي كانت له مجازيا، يد بيضاء على مدينة أصيلة، نظرا لتواجده المستمر الذي عاشه مع المنظمين والمشاركين، لهذا المهرجان منذ بداياته الأولى، كما اعتبر أن هذا اليوم هو تكريم لعطاءاته ومساهماته في إنجاح كل دورات هذا الموسم. بعده رحب محمد بنعيسى، رئيس منتدى أصيلة بالحاضرين مشيرا إلى أن بلكاهية، كان من أوائل الفنانين الذين استجابوا لدعوة بعث بها رئيس المجلس البلدي لمدينة أصيلة آنذاك، السيد أحمد حساني، لصباغة الجداريات في إطار فعل جمالي يسعى لتحسيس السكان بأهمية الفن في الحياة اليومية. واستطرد بنعيسى، في سرد محطات أساسية لهذا الفنان الكبير، إذ تعرف عليه ولأول مرة يقول، سنة 1968، حين كان مديرا لمدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء، معتبرا بلكاهية أحد المؤسسين للحركة التشكيلية بالمغرب، إلى جانب فنانين آخرين من جيله ككريم بناني الذي كان حاضرا في هذه الندوة. أما من الناحية التربوية، أضاف بنعيسى، بأن بلكاهية كان يسير مدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء عندما كان مديرا لها، بالحدس، صحبة زملائه من بينهم محمد المليحي، شبعة وطوني مريني، رغم ضعف الموارد، لأنه كان يحمل حسا ثوريا (ليس بالمفهوم السياسي)، بل من وجهة نظر تجديدية. ليخلص بنعيسى إلى أن بلكاهية، فتح أعيننا على التراث الإبداعي الشعبي المغربي، لاستناده إلى نماذج من هذا التراث، الذي يتمثل في القفة والحصيرة والزربية المغربية، بما تحمله من ألوان وأشكال نابعة من عمق الموروث الثقافي المغربي. من جهته، أدرج الناقد الفرنسي من أصل إيراني مراد مونتزامي، والقيم على المعارض بمتحف «تيت» بلندن، تجربة بلكاهية، ضمن تحليل تاريخي كرونولوجي وعلمي، حيث صاحب مداخلته ببث صور لبعض أعمال الفنان بلكاهية، متحدثا عن مراحله الأولى تاريخيا وسياسيا، بعدما كانت أحداث الحرب العالمية الثانية وخاصة ثكنات التعذيب بألمانيا، ثم الحرب الدائرة بين المقاومة الجزائرية والاستعمار الفرنسي، وبداية التوتر الذي كان قائما بين كوبا وأمريكا، من بين أهم اهتماماته الأساسية، وكيفية اشتغاله على الجسد في هذه المرحلة، قبل أن يصبح جسدا إيروتيكيا، واستعماله الجلد والنحاس في فترات معينة من تجربته غير المعروفة، مع تحليل دقيق ارتكز على مصطلحات علمية وفلسفية نابعة من قراءة وتحليل ذاتيين، استنادا إلى الشكل واللون والمواد والإطارات وامتداداتها في الزمان والمكان، مع التركيز على سند الجلد، الذي اعتبره الفنان من أولويات اهتماماته، باعتباره سندا أصيلا نابعا من التربة المغربية والإفريقية، بعيدا عن التبعية والاستيلاب، واستعماله مواد محلية تغرف من الموروث الثقافي الشعبي مثل الحناء والسمق… بعده تناول الكلمة، الناقد الفني محمد الراشدي، المسؤول عن الرعاية ببنك الشركة العامة بالدار البيضاء، ليركز تدخله بطريقة دقيقة على تفاصيل اليد التي رسمها ونحتها الفنان بلكاهية، من منطلقات مرجعية متعددة، محاولا الوقوف على أدق تفاصيل هذه اليد جرافيكيا وصباغيا، محاولا تفتيت وتفكيك الرموز والعلامات وفق أشكالها الدائرية والمربعة والمستطيلة، بتعدد أحجامها وقياساتها، ثم الفاصل بين التجريد والتشخيص من خلال هذه اليد، كمدخل لطرح الحدود القائمة بين هذين الاتجاهين، مع طرح بعض الأسئلة، لملامسة البعد المفاهيمي في سر اهتمام الفنان بلكاهية المفرط باليد كرسم وأيقونة، بأبعاد فلسفية، أشار من خلالها المتدخل إلى أنه بصدد إنجاز دراسة عميقة عن تجربة بلكاهية، لا يتسع الوقت للحديث عن تفاصيلها في الندوة. وختاما عمل باختصار شديد، الفنان التشكيلي والناقد الفني، ناصر بن الشيخ من تونس، على جرد للوضعية الثقافية إبان الاستعمار الفرنسي لتونس، وتأثيرها على الإبداع الفني، مشيرا إلى الاختلاف الذي عاشه المغرب آنذاك، استنادا إلى المدة القصيرة للحماية في نظره، التي فرضتها فرنسا على المغرب، وعن معرفته بالفنان بلكاهية، باعتباره كان يجمع بين الصانع الحرفي والفنان التشكيلي في طريقة اشتغاله، وعن إمكانياته المعرفية والمرجعية التي خولت له البحث عن أسندة جديدة أبعدته عن التصور الغربي للتحفة الفنية كالجلد، إلى جانب المواد المستعملة في الصباغة كالحناء وقشور الرمان والسمق.