حينما اعتقد الجميع أن صفحة جيش التحرير المغربي، بكل تناقضاتها، قد طويت إلى الأبد، ظهر رجل اسمه زكي مبارك، قادته الصدف إلى أن يضع يده على أخطر وثائق جيش التحرير حساسية. في سيرة زكي مبارك الكثير من الأحداث والشخوص. يقول إنه كان دائما يشتغل بجبة الأكاديمي، لكن خصومه من أحزاب الحركة الوطنية كانوا يعتبرونه «مؤرخا للمخزن». على كرسي «الاعتراف» يحكي مبارك قصة صراعه العنيف مع حزب الاستقلال، ويتذكر كيف خاطبه علال الفاسي يوما بلغة حازمة: إذا لم تبتعد عن هذا الموضوع -يقصد جيش التحرير- «تلقا راسك مليوح فشي بلاصة». على مدار حلقات طويلة يسرد زكي مبارك أحداثا عاشها مع المحجوبي أحرضان، علال الفاسي وإدريس البصري، ويشرح، بإسهاب شديد، كيف أصبح صديقا لعبد الله الصنهاجي، علبة أسرار عباس المساعدي، وكيف أخفى لمدة طويلة وثائق حساسة حول «ميليشيات حزب الاستقلال» والصراع العنيف بين محمد الخامس وأحزاب الحركة الوطنية.. – أعود بك إلى الجمعية التي أسستها مع الكثيري، ما قصة هذه الجمعية؟ استمر عملها ثلاث سنوات، واشتغلنا خلالها بتفان كبير. أما عن التأسيس فقد كان رغبة من مناضلين كثيرين للتأسيس لفعل ثقافي جديد. – لكن لم توقفت هذه الجمعية؟ توقفت بسبب استياء البعض من مصطفى الكثيري، الذي تصرف بمنطق الاستبداد واتخاذ القرارات دون مشاورات. – من هم الذين غضبوا منه؟ أنا ومحمد عياد والتازي.. ماذا تقصد بالقرارات الاستبدادية؟ كراء فيلا دون استشارة أعضاء المكتب، وقد اعتبروا ذلك تصرفا غير لائق. – أفهم من كلامك أنه كان يتصرف في مالية الجمعية دون الرجوع إليكم. بالنسبة لمالية الجمعية، كانت في يد نزيهة، هو مهدي المنبهي. وقد قمنا بنوع من الانقلاب وأسسنا جمعية الشباب والمجتمع، كنت من بين مؤسسيها. في هذه الجمعية كانت هناك مجموعتان: الأولى تضم فئات متحزبة، والثانية شيوعية. بالنسبة للشيوعيين، يأتي في طليعتهم المرحوم إدريس بنعلي والشرقاوي والزياني وبعض الأعضاء الذين كانوا يعملون في الحزب الشيوعي المغربي. أما الفئة الثانية فلم تكن جميعها متحزبة، فأنا والتازي بنشقرون وآخرون كنا محايدين، مما قوى الصراع بيننا إلى درجة أن كل مجموعة تريد أن تبين عن فعاليتها. ومن المشاريع المهمة التي أنجزناها، تنظيم دروس للتلاميذ الذين تم طردهم من المدارس دون حصولهم على شواهد ابتدائية، ودروس البكالوريا للموظفين، وكذا دروس التوعية. – كيف كان يتصرف إدريس بنعلي؟ كان رجلا محترما جدا ومثقفا جدا. -ما مبعث، إذن، كل الصراع الذي اشتعل داخل الجمعية؟ المشكلة كانت تكمن في رغبة كل واحد في السيطرة، ولأن مركزي كان قويا بحكم علاقتي بمدير مدرسة المعلمين الإقليمية، التي كان يشغل منصبها الشيخ عبد السلام ياسين، فقد طلبت منه السماح لنا بتنظيم الدروس في المدرسة فوافق على ذلك. – كيف بدأت علاقتك بالشيخ عبد السلام ياسين؟ كانت العلاقة جيدة جدا. وما أود إضافته أن انتقاله للسكن في حي السلام كنت السبب فيه، فبعد إطلاق سراحه جاء إلى الرباط، وفي زيارته لي اكتشف أنه مرتاح لجو المنطقة، كما أخبر مرافقه برغبته في العثور على سكن في نفس المنطقة. بعدها دعاني لتقديمي إلى شيخ الزاوية البودشيشية، فرافقته إلى الدارالبيضاء، وفي تجمع كبير بإحدى الفيلات قدمني إلى الشيخ حمزة وقال لي: سيكون لك شأن عظيم في هذا البلد. إلا أني رغم ذلك اعتذرت عن الانضمام إليهم وأخبرته بأني ربما أكون مفيدا أكثر خارج الزاوية. إذ اقترحت عليه تنظيم محاضرتين باسم جمعية الشباب والتقدم، واحدة بالعربية وأخرى بالفرنسية، لإظهاره في الساحة كمثقف وليس مجرد شيخ زاوية. وفعلا قمنا بتنظيم المحاضرة بوزارة الثقافة، وكان أول ظهور لعبد السلام ياسين في الساحة الثقافية وظلت بعدها العلاقة بيننا xوطيدة. – ما الذي قاله عبد السلام ياسين في هذه المحاضرة؟ تحدث عن المثقفين الغربيين وأنا من أدرت الندوة حينها. ياسين كان يتحدث معي بدون حواجز، إذ كان بسيطا ومتواضعا ومثقفا، وملما بالعربية والفرنسية وحتى الإنجليزية، ولم يكن محبا للظهور أو للزعامة. – كيف كانت مواقفه من النظام والشخصيات السياسية المغربية والأحزاب السياسية؟ كتاب «الإسلام أو الطوفان» الذي وجهه إلى الحسن الثاني قمت شخصيا بتوزيعه في الرباط، فوضعت نسخة على مكتب الخطيب ونسخة أرسلتها مع عبد السلام الخطابي إلى مصر. لم أكن أعرف حينها تداعيات هذا الكتاب ومضمونه.