(قيسارية اسباتة، قيسارية الحفاري، قيسارية الحي المحمدي… ) كلها نماذج لمجموعة من القيساريات الموجودة بالدارالبيضاء، والتي تصر على البقاء والاستمرار، في زمن غطت فيه الأسواق التجارية الكبرى مختلف مناطق العاصمة الاقتصادية للمغرب . ورغم إحداث مجموعة من المراكز التجارية الكبرى ظلت قيساريات الدارالبيضاء محافظة على وجودها واستمراريتها، مما دفع فئة عريضة من الناس إلى التساؤل عن الأسباب والعوامل الكامنة وراء استقطابها لهذا الكم الهائل من الزبناء خاصة في المناسبات الدينية والأعياد، مع أنه بإمكانهم التزود بكل ما يحتاجونه من بضائع من الأسواق التجارية الكبرى، التي تقدم منتوجات ذات جودة عالية وتخدم زوارها بتقنيات وأساليب متطورة. ومن بين الأسباب التي جعلت القيساريات تحافظ على موقعها التجاري أنها تتوفر على العشرات من المحلات التجارية، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الباعة المتجولين أو ما يصطلح عليهم ب"الفراشة"، الذين يفرشون بضائعهم المعروضة للبيع فوق الأرصفة، وتفتح أبوابها في وجه الزبناء من الساعة التاسعة صباحا إلى التاسعة ليلا خلال الأيام العادية، ومن الساعة الحادية عشرة صباحا إلى غاية منتصف الليل خلال شهر رمضان، وقد لا تغلق هذه المحلات أبوابها في العشر الأواخر من هذا الشهر الكريم، خاصة أن التجار يعتبرونها فرصة ذهبية لتحقيق أرباح أكثر من أي فترة أخرى خلال السنة، وتحولت هذه القيساريات في الأيام الأخيرة إلى ما يشبه خلايا النحل نظرا للاكتظاظ الكبير الذي تعرفه. وتقول ع.ب صاحبة محل تجاري لبيع ملابس وأغراض النساء والأطفال بقيسارية اسباتة أن سبب إقبال هذه الأعداد الكبيرة من الناس على شراء منتوجاتهم، يرجع إلى كونها تتميز بانخفاض أثمنتها وتناسبها مع القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة أننا نعيش في مجتمع تعاني جل فئاته من الهشاشة الاجتماعية والفقر. وتضيف أنه ليس باستطاعة كل الناس اقتناء بضائع الأسواق التجارية الممتازة التي تعتبر باهظة الثمن، ولن تقبل عليها إلا الفئات الميسورة الحال على حد قولها. بالإضافة إلى هذا يمكن التفاوض حول أسعار البضائع، في ما يعرف في أوساط المتسوقين ب"المتاوية"، وتعتبر هذه الخاصية أساسية بالنسبة لزبناء القيساريات، كما يمكن إعادة البضائع لأصحاب المحلات إن لم تتناسب ورغبات الزبناء، عكس الأسواق التجارية الكبرى التي تضع أثمنة قارة لبضائعها لا يمكن التفاوض بخصوصها بأي شكل من الأشكال، ولا تتيح إمكانية إعادة المنتوجات التي اقتنيت منها في وقت سابق. وتفيد إحدى المتسوقات أنها تعتبر قيسارية الحي المحمدي أنسب مكان تقصده رفقة أسرتها وذويها للتزود بلوازم المنزل والمواد الغذائية والملابس… وكل ما تفرضه عليهم متطلبات الحياة. خاصة في شهر رمضان حيث تحتاج للتوابل مثل القزبر، القرفة، السكين جبير … وغيرها من التوابل الأخرى التي تستعمل في إعداد مجموعة من الأكلات على رأسها الشوربة والحريرة، وتضيف أن بإمكانهم الاختيار بين التوابل التي تعرض مطحونة بهدف الاستعمال السريع، وأخرى تباع وهي لا تزال مواد خام حفاظا منهم عن جودتها وطراوتها لمدة أطول، وهذا ما يغيب عن الأسواق التجارية الكبرى.. بالإضافة إلى الملابس التي يقتنونها خلال فترات العيد في ما يعرف بملابس العيد، والتي تعتبر عادة لابد منها داخل جل الأسر المغربية. كما تقول أن الأهم من هذا كله أن في القيساريات تجد أصحاب المحلات يملكون خبرة كبيرة فيما يخص المواد التي يبيعونها، وبالتالي يساعدونك ويرشدونك إلى اختيار ما هو جيد ومناسب. بينما يقول أشخاص آخرون إن القيساريات بالنسبة إليهم لم ترتبط بالبضائع والسلع كأشياء مادية، وإنما بمسألة ثقافية وإرث حضاري يسلم من جيل لجيل، حيث اعتادوا على طريقة في التسوق منذ فترة طويلة من الزمن ولن يمكنهم تغييرها.