الإمام أحمد يقول الصبر في القرآن في تسعين موضعا لأن الإيمان هو الصبر، ولأن الإنسان مخلوق للجنة وثمن الجنة الصبر. يقول عليه الصلاة والسلام : «الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر». وفي حديث آخر: «الإيمان هو الصبر». فعندما آمنت بالله قيدت نفسك بمنهج الله وسعيت للجنة، تركت كل مال وأخذت المال الحلال، تركت كل شهوة ومارست كل شهوة ترضي الله، هذا كله صبر، الصبر يعني الضبط، فالمؤمن ضابط لسانه وعينه ويده وإنفاقه.. من مواضع الصبر: 1. الله أمر به: الصبر واجب بإجماع الأمة لأن القرآن الكريم حينما يقول لك: اصبر فهذا أمر، وكل أمر بالقرآن الكريم يقتضي الوجوب، وأنت كمؤمن ليس لك خيار. الصبر وسيلة: (يَا أَيّهَا الذِين آَمَنوا استَعِينوا بِالصّبرِ وَالصَّلاة). وكلما راقبت نفسك ازداد علمك وازداد صبرك وكلما ازداد عقلك ازداد صبرك وكلما ضعف إدراكك قل صبرك. هذا المؤمن الصادق: قال تعالى: (اصبِرُوا وَصابِروا). اصبر وأعن أخاك على الصبر، قل له اصبر يا أخي فالله رحيم والمؤمن يبتلى والنبي أشد الناس بلاء، هذا الكلام فيه مصابرة، لكن المؤمن الصادق يصبر ويستعين بالله على الصبر. 2النهي عن ضده. إياك ألا تصبر، إياك أن تقول: أين الله؟ إياك أن تقول: دعوت فلم يستجب لي، لذلك: إنسان خدم والدته عشر سنوات ثم ضجر أشد الضجر فصاح في وجهها فبكت، فجاء أخوه ونقلها لبيته بعد يومين ماتت عند أخيه، ماذا فعل هذا الإنسان؟ أبطل كل عمله. (وَلا تهِنُوا وَلا تَحزَنُوا وَأَنتمُ الأَعلَونَ إِن كُنتُم مُؤمِنِين). الوهن والحزن من عدم الصبر، الضجر من عمل صالح متعب دليل قلة الصبر، التولي من الزحف دليل قلة الصبر، استعجال العذاب للأعداء دليل قلة الصبر. 3الله عز وجل أثنى على أهله. وثناء الله على أهله شيء كبير. الله يعرف أنه ساق لك شدة، ويعرف الأمر بالضبط، والظروف الصعبة والمشقة التي تتحملها والألم الذي يأكل قلبك، وكم هذا يؤلمك؟. (إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب). 4الله يحب الصابرين. لو حققت كل مكاسب وصلها إنسان أعظم مكسب أن يحبك الله. (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب). الشدة والابتلاء يرققان القلب، وكأن هذا الصابر قريب من الله فعندما يصاب الإنسان بمرض، عندما تكون هناك مشكلة تجده سريع البكاء، لذلك الحزانى في كنف الله ومعرضون للرحمة، والله يحب كل قلب حزين. 5الصبر يوجب معية الله لك. (وَاصبِرُوا إِنَّ الله مَعَ الصّابِرِين). هذه المعية الخاصة، معية النصر والحفظ والتوفيق. 6الله يخبرنا أن الصبر خير لأصحابه. أنت أمام مشكلة.. لك أن تصبر ولك أن لا تصبر، أيهما خير؟ إن صبرت لك الدنيا والآخرة، وإن لم تصبر سوف تقهر، (وَلئِن صَبَرتُم لَهوَ خَير لِلصّابِرِينَ). 7إيجابه سبحانه الجزاء لهم بغير حساب. الله مرب وحكيم يسوق الشدة ثم بعدها الرخاء، يسوق المحنة ومن بعدها منحة. سيدنا رسول الله بالطائف كذب واستهزئ به وبدعوته وناله الأذى من أبنائهم، قال: يا رب إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ولك العتبى حتى ترضى لكن عافيتك أوسع لي. ماذا جاء بعد الطائف؟ الإسراء والمعراج، وصل النبي عليه الصلاة والسلام إلى سدرة المنتهى عندها جنة المأوى، لقد رأى من آيات الله الكبرى، لقد أطلعه الله أنه سيد الخلق، سيد الأنبياء والمرسلين. فكل شخص منا عنده طائف وعنده إسراء ومعراج بالمعنى الرمزي، ساعات شدة ومحنة وساعات فوز وتكريم، بعد العسر اليسر هذه حكمة الله وتربيته. (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إن لله وإن إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم). ما معنى هذه الآية؟ الصلاة هي الدعاء، الدعاء لمن بيده القوة، الصلاة من الله رحمة وعطاء ومن العبد دعاء. إلى ماذا يحتاج النصر؟: يحتاج للصبر، قال تعالى : (بَلَى إِن تَصبِرُوا وَتتَّقوا وَيأتُوكُم مِن فَورِهِم هَذَا يمدِدكُم رَبُّكُم بِخَمسَةِ آَلاف مِنَ المَلائكَةِ مُسَوّمِينَ). والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (واعلموا أن النصر مع الصبر). إلى ماذا يحتاج الصبر؟: يحتاج لقوة إيمان، أما عدم الصبر دليل ضعف الإيمان، والدليل قال تعالى: (وَلَمن صَبرَ وَغفَرَ إِن ذَلِك لَمِن عَزمِ الأمورِ). الإنسان إذا جاءه من الله مصاب مباشرة عليه بالصبر، أما إذا جاء هذا المصاب على يد إنسان عليه أن يصبر ويغفر لمن ساق الله هذه المصيبة على يديه. قف عند هذه الكلمة: إن أردت أن تكون من عامة الناس فلا تصبر، وإذا كنت من أعلام الأمة والنوابغ والعباقرة وكبار الدعاة والمصلحين، هناك مضائق لا بد أن تمر فيها. اسمحوا لي بهذه الكلمة: لن نشم ريح الجنة إلا إذا مررنا في المضائق التي رسمت لنا ونجحنا فيها، في مضائق الصبر عن الشهوة وعلى الطاعة والصبر على قضاء الله وقدره. الصبر دليل العظمة: الوحشي الذي قتل سيدنا حمزة وأمرته هند بنت عتبة أن يشق صدره وأن يستخرج كبده فمضغت كبده تحقيقاً لحقدها، وكان النبي يحب سيدنا الحمزة حباً لا حدود له، أليس بإمكانه أن يقتله ويمثل به، أعلن الشهادة انتهى، دخل في الإسلام دخلة تقية كما يبدو فالصبر دليل العظمة فالبطولة أن تصبر وتكظم الغيظ: (وَالكَاظمِينَ الغَيظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاس وَالله يحِبّ المُحسِنِينَ). المراتب العليا تحتاج إلى صبر: (مَعَاذَ اللهِ إِنّهُ رَبّي أَحسَنَ مَثوَايَ إِنّهُ لا يُفلِحُ الظّالِمُونَ). سيدنا يوسف أكبر شاهد قدوة للشباب، آثر طاعة الله على شهوته، لذلك ما من شيء أكرم على الله من شاب تائب، إن الله ليباهي الملائكة، يقول: انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي. (وَما يُلَقّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبرُوا وَمَا يُلَقّاها إِلا ذو حَظّ عَظِيم). قد لا تصدق: هذه الجنة العظمى ودار الخلد التي وعد بها المتقون، هذا العطاء الأبدي والنعيم المقيم والفوز العظيم، هذا النظر لوجه الله يوم القيامة، كل هذا ثمنه الصبر، الدنيا فيها شهوات وقنوات نظيفة، فإذا سلكت الشهوات في هذه القنوات للجنة، إذا أفرغت الشهوات في أي قناة للنار. (إن عمل الجنة حزن بربوة، وإن عمل النار سهل بثروة). الصبر يورث صاحبه الإمامة: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون). الصبر يقترن بكل مقامات الإسلام كالإيمان والتقوى والتوكل والشكر.. لذلك كان الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد. قال عمر بن الخطاب: خير عيش أدركناه بالصبر. سأل ناس مِنَ الأَنصَارِ النبِي صَلى الله عَلَيهِ وَسَلم فَأَعطَاهُم، ثُم سَأَلُوهُ فَأعطَاهُم، ثُمّ قَال: مَا يكُونُ عِندِي مِن خَير فَلَن أَدّخِرَه عَنكُم وَمَن يَستَغنِ يُغنِهِ الله، وَمَن يَستَعفِف يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَن يَتَصَبَّر يُصَبِّرهُ الله، وَمَا أُعطِيَ أَحَد شَيئا هُوَ خَيْر وَأَوسَع مِنَ الصَّبرِ. الملخص هو إذا كنت مؤمناً فأنت صابر، وإن لم تصبر فهذا ضعف شديد في إيمانك، فإن ضجرت فهذا يدل على عدم الإيمان، ومن لا صبر له لا إيمان له.