كان «نموذج دبي» الذي تلقى ضربة ساحقة جراء أزمة الديون المفاجئة للإمارة الخليجية من بنات أفكار رجل واحد أخفق في تطبيق قواعد الشفافية والحكامة. فقد تمحور النمو السريع للإمارة المدينة حول شخص حاكمها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي عرض أفكاره في كتاب بعنوان «رؤيتي» حث فيه دولا عربية أخرى على محاكاة نجاح دبي. والآن يبدو هذا النموذج على وشك السقوط بعدما أثار الكثير من الجدل بين عرب الخليج بما يتضمنه من بناء مدن براقة في الصحراء بسرعة فائقة عن طريق استقدام السكان والتمويل والعمالة من الخارج. والآن يثور التساؤل .. أين الخطأ..؟ قالت دبي الأسبوع الماضي إنها تريد إرجاء سداد مليارات الدولارات من مجمل ديونها البالغة 80 مليار دولار، مما دفع الأسواق العالمية للانحدار في ظل تخوف المستثمرين من أن يعصف تخلف عن السداد بالاقتصاد العالمي الذي لم يكد يتعافى من الأزمة المالية. ويتساءل المؤرخ البريطاني كريستوفر ديفيدسون «ماذا بعد للأسرة الحاكمة في دبي.. الخسارة الفادحة للشرعية التي يواجهها الحاكم الآن والخسارة الفادحة للشرعية التي يواجهها نجله وولي عهده بعد الكذب على المنتدى الاقتصادي العالمي الأسبوع الماضي .. ماذا بعد..» كان الشيخ محمد الذي تزين صورته وكلماته أرجاء المدينة أبلغ المنتدى هذا الشهر أن دبي تجاوزت المرحلة الأسوأ، وأنها في وضع يسمح لها بمتابعة خططها التنموية. وأعلن نبأ أن شركة دبي العالمية للاستثمار لا تستطيع سداد سندات قيمتها 3.5 مليارات دولار قبل عطلة عيد الأضحى مباشرة، وقبل اليوم الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة في الثاني من دجنبر. وقد تجنبت وسائل الإعلام المحلية بشكل شبه كامل التعليق على الأزمة. وقالت صحيفة جلف نيوز الناطقة بالانجليزية «ما كان لدبي أن تكون أكثر شفافية وانفتاحا بالنسبة للتحديات التي تواجهها بسبب التباطؤ الاقتصادي العالمي.» أما صحيفة الخليج اليومية التي تصدر باللغة العربية فقد أشادت بمناخ الاستثمار في الإمارات. وثمة عدم تيقن بشأن أي الأصول مملوك بصفة شخصية للأسرة الحاكمة أو مباشرة للحكومة أو أنه ببساطة تحت رعاية حاكم الامارة أو الحكومة. كانت دبي مثار حسد دول الخليج الأخرى مثل السعودية وقطر، لكن ذلك لم يمنعها من محاولة محاكاة بعض أفكار دبي مثل المناطق الحرة والمراكز المالية والبنية التحتية المتقدمة والترحيب برأس المال والخبرة الأجنبيين. وفضلا عن مشاريعها المبهرة والتي يراها الكثيرون عبئا ثقيلا لا طائل من ورائه مثل جزر صناعية على شكل سعف النخيل وأعلى برج في العالم، طورت دبي الخدمات الصحية والجامعات والمرافق الرياضية وتجمعات سكنية نموذجية. وقال أيمن علي، وهو معلق بالصحافة العربية مقيم في لندن، إن نموذج دبي المستلهم من هونج كونج وسنغافورة نسي أنه يتعامل مع بلد، وليس شركة في خضم تحوله إلى المكان الذي يحلم كثيرون في العالم العربي بالعيش فيه. وقال «في البداية كان الهدف هو التخلص من البيروقراطية. وقد نجحت في هذا لكن عندما تبني بلدا ينبغي ألا تديره كشركة.» وسارعت دبي للحاق بممارسات شفافية الأعمال في سنغافورة وهونج كونج ولم تتظاهر حتى بتوسيع نطاق المشاركة السياسية التي تقتصر على دائرة صغيرة تدور في فلك الحاكم. وفي مقابلة عبر الأنترنت هذا العام لخصت الصورة التقدمية التي تحاول دبي إبرازها رفض الشيخ محمد أن يكون مثل رجل خارق «سوبرمان» يدير الإمارة بمفرده. وأجاب على من طرح السؤال قائلا: «ظاهرة «السوبرمان» التي تتحدث عنها ليست موجودة» قبل أن ينتقل إلى الحديث عن كتابة الشعر وركوب الخيل ضمن برنامجه اليومي. ورغم متاعبها المالية لا يزال هناك الكثيرون ممن يشيدون بريادة دبي بين جيرانها. وقال إبراهيم خياط وهو محلل لبناني مقيم في دبي «كان هناك نقص في الشفافية، نعم، لكن دبي فعلت شيئا كان نموذجه هو الانفتاح الكامل. ارتكبوا أخطاء وافتقروا إلى أشياء كثيرة لكنهم يمرون بعملية تحول، يوجد فساد في سنغافورة أيضا.» وقال مارتن هفيدت أستاذ دراسات الشرق الأوسط الدنمركي والمتخصص في اقتصادات الخليج، إن تركز السلطة في يد الشيخ محمد وعدد قليل من المستشارين يسمح لدبي بالتحرك سريعا لتصحيح الأخطاء.وقال «من السابق لأوانه كتابة نعي دبي».