هناك مقولة عميقة للمفكر الألماني فريدريك هيغل، تقول: «التاريخ لا يصير تاريخا حينما يصير تاريخا للسلطة أو حينما يصير وسيلة للتطرف». وفي سيرة محمد بن عبد الكريم الخطابي، قائد الحرب التحريرية ضد الغزو الإسباني في العشرينيات من القرن الماضي، ضاعت الكثير من الحقائق بين فريقين كبيرين: أحدهما يبخسه قيمته ويحاصر تاريخه ويخاف من أفكاره؛ والآخر يؤسطره ويصعد به إلى منزلة الأنبياء. فوق كرسي الاعتراف، تعيد صفية الحسني الجزائري، زوجة الدبلوماسي رشيد الخطابي ابن شقيق الأمير بن عبد الكريم، ثم زوجة ابن الخطابي بعد ذلك، وحفيدة الأمير عبد القادر الجزائري، تركيب أحداث عايشتها في سوريا ومصر والمغرب مع العائلة الخطابية، وتتحدث عن علاقات آل الخطابي بالملوك والسياسيين المغاربة، وبقادة الثورات في كل من الجزائر ومصر، وتزيح الستار في ثنايا السرد عن أسرار بالغة الحساسية عن خطوط التماس بين المؤسسة الملكية وعائلةٍ شكلت دائما مصدر قلق للقيمين على السلطة في المغرب. على كرسي الاعتراف، تحكي صفية، أيضا، قصة عمر الخطابي مع العملية الانقلابية وموقف آل الخطابي من أحداث سنة 1958 وأسرارا أخرى.. يريد البعض أن يحشرها دائما في خانة الطابو. – من هم المستشارون الذين حضروا إلى جنازة عمر الخطابي؟ لا أتذكر أسماءهم لكن الملك الراحل الحسن الثاني أعطى أوامر كي تنظم مراسم عزاء كبيرة جدا، وقد تفاجأت حقا من حجم الحضور ومن حجم الشخصيات التي حضرت يومها. لقد عرفت أن عمر الخطابي رغم أنه كان معارضا لنظام الحسن الثاني وغم أنه دخل إلى السجن بسبب مواقفه السياسية، فإنه كسب احترام الجميع لسبب واحد في اعتقادي: حفاظه على مبادئه وقناعاته وعدم التنازل عليها إلى يوم موته. هل تعتقدين أن آثار التعذيب التي تعرض إليه عمر الخطابي عجلت بوفاته؟ تماما، هذا ما كنت أود قوله، فبعد خروجه من السجن، عانى عمر كثيرا، وكان يمشي ببطء وكان حركاته ثقيلة جدا وبدا من خلال نبرة صوته أنه منهك ولا يستطيع الحديث بطلاقة كما كان يفعل قبل أن يدخل إلى السجن. وهو نفسه اشتكى من آثار التعذيب غير ما مرة، بيد أنه ظل قويا جدا. – بعض الروايات تقول إن الملك الراحل الحسن الثاني حاول استمالة عمر الخطابي وإغرائه بمنحه منصبا سياسيا، هل هذا صحيح؟ ليست لدي معلومات دقيقة جدا وما أعرفه أن الحسن الثاني كان يريد من عمر الخطابي أن يتخلى على أفكاره الثورية، وقد حاول النظام مع أفراد من العائلة الخطابية من أجل ثنيه عن ذلك. لم يكن يتجرأ أحد أن يتحدث مع عمر الخطابي في هذا الموضوع بالذات، ولذلك باءت كل محاولات الملك بالفشل بل لم يجد أية وسيلة من أجل إقناع عمر الخطابي بالتراجع عن أفكاره القوية. الحسن الثاني كان يخشى أن يدعم عمر الخطابي من جهات خارج المغرب خاصة وأن العالم بأسره كان يعرف قصة المقاومة التحريرية التي قادها الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي في العشرينيات من القرن الماضي. تقصدين أن الحسن الثاني كان متوجسا أن تدعمه دول خارجية؟ نعم، وكان يخشى أيضا أن تدخل الجزائر أو جمهورية مصر العربية على الخط، وكان يعتقد، حسب ما وصلني أن عمر الخطابي يتسطيع بسهولة بالغة أن يحشد الدعم الخارجي مستثمرا رصيد والده، وهذا ما يفسر الحراسة الشديدة التي كان يخضع لها ليل نهار ودون توقف. غير أن عمر الخطابي لم يكن يوما ليلجأ إلى جهات خارجية لمواجهة بلده، وكان مستعدا لفعل أي شيء من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية. سواء اتفقنا معه أو لم نتفق معه، فإن قناعاته تحترم، وقوة أفكاره تحترم أيضا. – هل حاولت دول خارجية التنسيق مع عمر الخطابي من أجل الانقلاب على الملك الحسن الثاتي؟ لا أبدا ولم يسبق أن سمعت عن ذلك، وحتى لو عرضت عليه هذه المساعدة أو دعاه أحد إلى التنسيق لقلب النظام كان سيرفض رفضا قاطعا. أنا أعرف جيدا كيف يفكر عمر وماذا يريد بالتحديد وإلى أي درجة يحب بلده. – لكن كلامك يشي أن دولا أجنبية حاولت أن تصل إلى عمر الخطابي مستشمرة رصيد الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي وسمعته التي تجاوزت الأقطار العربية؟ حسن الثاني إلى معلومات تفيد أن جهات أجنبية تريد أن تنسق مع عمر الخطابي وربما تدخل الوشاة مرة أخرى وأخبروه أن عمر الخطابي يسعى لتحقيق مخطط خارجي لتقويض الملكية بالمغرب علما أني أرجح الفرضية الثانية بشكل كبير جدا. أتعرف لماذا؟ لأن عمر لم يكن يهادن أحدا حتى المعارضة المزيفة نالت حظا وافرا من انتقاداته اللاذعة ومن الطبيعي جدا أن يقولوا للملك إنه ينسق مع دول خارجية وأنه يتلقى أموالا من جهات معادية للمغرب.