منزلة الاتصال: إذا قلتُ لكم إنَّ الدين كله من أجل أن تتصل بالله عزّ وجل لا أكون قد ابتعدتُ عن الحقيقة. الاتصال حال أهل الجنة، وكلّ ما شرعه الله عزّ وجل من عبادات ومعاملات.. من أجل أن تتفرغ لمعرفة الله، رمضان والحج والصلاة.. من أجل أن تتصل به. الاتصالَ بالله غاية الغايات، وهذه حقيقة لا ريبَ فيها بل الله سبحانه وتعالى أمرنا أن نكونَ ربانيين. حقيقة الكون: هذا الكون بمجراته، بنجومه، بكواكبه السيّارة، بأرضه ببحاره.. كله مُستمد وجوده من الله عزّ وجل. في الكونِ حقيقةَ واحدة وهي الله، لذلك أيّ سلوك وتعلم يُقرّبَكَ من هذه الحقيقة فهو مشروع. وأيّ شيء يُبعدكَ عن هذه الحقيقة فهو مُحرّم. معاني الاتصال: الاتصال هو الدين. الاتصال هوَ سِرُ وجودكَ في الأرض… الله سبحانه وتعالى خلقنا ليرحمنا ورحمته بأن نتصلَ به الكون خُلقَ من أجل أن تعرفه، وما معرفة الله عزّ وجل إلا وسيلةٌ لغاية، الغاية أن تسعدَ بهذه المعرفة. يقول سبحانه وتعالى: (إنّنِي أنا اللَّه لا إلَهَ إِلّا أَنا فَاعْبُدنِي وَأَقمِ الصّلاة لذِكرِي). (كَلّا لا تطِعهُ وَاسجد وَاقترِب). الله تعالى هو الحقيقة الوحيدة في الكون، وكلُ الكون يستمدّ وجوده من الله عزّ وجل. في الكون حقيقتان: الله عزّ وجل هو كلّ شيء 1. والاتصال به كلّ شيء 2. نحنُ صائمون من أجلِ أن نتصلَ به، نصلي من أجلِ أن نتصلَ به.. من أجلِ أن نشعرَ بأننا فعلنا شيئا من أجله حتى نتصلَ به ونسعدَ بهذا الاتصال. أنواع الاتصال: اتصال اعتصام، واتصال شهود، واتصال وجود. 1 الاعتصام: أن تعتصمَ بالله، أن تكون ورعا.. المؤمن اعتصامه بالله يكون عن طريقِ طاعته لله عزّ وجل. إذا مرت امرأة في الطريق، فإذا ألقى عليها نظرة شعرَ بالبعدِ عن الله عزّ وجل لأنَّ هناكَ نهي، فإذا غضَّ بصره عنها شعرَ بالقرب، إذا رأى مسكينا فرقَّ له شعرَ بالقرب.. 2. الشهود: أن ينتقل من مرتبة الإسلام إلى مرتبة الإيمان. الإيمان معه ذوق ورؤيا والإسلام معه تطبيق، لو أنه طبّقَ أمرَ الله عزّ وجل تطبيقا دقيقا فهوَ مسلم، فهو معتصم بحبل الله، أما إذا بَعُدَ اعتصامه بأمره أقبلَ عليه، صارَ اتصاله اتصال شهود، كان اتصال اعتصام وصار اتصال شهود، أما إذا بلغَ مرتبة الإحسان فاتصاله أصبح اتصال وجود بينَ اعتصام وشهود ووجود. ربنا عزّ وجل يقول: (إِلا الّذِين تَابوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخلصُوا دِينهُم لِلَّهِ فَأُولئِك معَ المُؤمِنِينَ وَسَوفَ يُؤت اللَّه المُؤمنِينَ أَجرا عَظِيما). تابوا وأصلحوا واعتصموا وتمسكوا بالاستقامة، لذلك الاستقامة عينُ الكرامة. الاعتصام نوعان : اعتصام توكل: أنتَ متوكل عليه اتكالا حقيقيا ومستعين به ومستسلم لأمره.. النوع الآخر الاعتصام بالوحي: أي الاعتصام بالقرآن بأمره ونهيه إما اعتصام علمي أو اعتصام نفسي، إن اعتصمت بقرآنه وسُنّةِ نبيهِ فأنتَ متصل بالله اتصالَ اعتصام وحي، أما إذا أرحتَ قلبكَ من هم الدنيا.. واخترته على من سِواه هذا اعتصام من نوع آخر. 3 الوجود: إن وصلتَ إلى شيء وقد ثَبتَ هذا الشيء بينَ يديك، وجدتَ الله كلَّ شيء، وجدتَ نفسكَ تعرفه وأنتَ مُقبلٌ عليه.. من بلغ هذه المرتبة إذا تابَ إليه وجده غفورا رحيما، وإن توكلَ عليه وجده حسيبا كافيا.. اتصال الاعتصام: الإنسان يكون له قصد دنيوي، فأول مرحلة للاعتصام أن تُصححَ القصد، لماذا أنتَ هنا في هذا المسجد؟.. هل الدافعُ رِضوان الله عزّ وجل؟ إن كُنتَ كذلك فأنتَ في مرتبة الاعتصام . تفسير آخر: تصحيح القصد يحتاج إلى إفراد المقصود، لا يوجد إلا الله عزّ وجل. اتصال الشهود: لا اعتلال فيه ولا استدلال.. ثمة توحد هذه الأحوال وهذه المقامات، من ذاقَ عرف، والطريق إلى الله عزّ وجل سالكة، وكل إنسان يقدر في كل وقت أن يتقرّب من الله، الله عزّ وجل يُسترضى. الوسيلة: ما معناها؟ يقول سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة). العمل الصالح هو الوسيلة، العمل الصالح منوع، الابتسامة عمل، ثمة أعمال في البيت والطريق ومع الجيران.. أيضا أن تُحس إذا اطلّعت على حقيقة عن الله لم تكن تعرفها من قبل بالقرب منه، إذا العلم وسيلة، أن تُحس أحيانا أنكَ إذا جلست مع مؤمن أو زرته.. أن حالكَ مع الله أقرب مما لو جلست مع كافر أو بعيد.. المعرفة وسيلة والبيئة الصالحة وسيلة. العبادات، نوافل العبادات، قراءة القرآن، صلوات النفل، صيام النفل، هذه وسيلة للقرب من الله عزّ وجل، قال أحد العلماء: الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق. وأنتَ تتوضأ وجدت نملة في المغسلة وكادت تغرق في ماء الوضوء فتوقفت عن الوضوء وأنقذتها، إذا وجدت إنساناً ضعيفا. أعنته أليس هذا عملا صالحا. العمل الصالح ثمن اللقاء مع الله عزّ وجل. من أجل رفع مستوى المعرفة بالله السبيل هو التفكر، كلما تفكرتَ في ملكوت السموات والأرض ازدادت المعرفة بالله، وكلما ازددتَ به معرفةً ازددت به قربا. يوجد شيء اسمه عدوى نفسية، جلست مع إنسان مُحب لله تشعر بأشواق لله، وإن جلستَ مع أهلِ الدنيا تشتاقُ إلى الدنيا.. فلذلك الصاحب ساحب. هذا الاتصال يُقابله الانفصال، والحق جل جلاله غيور لا يرضى ممن اتصل قلبه بمحبته.. أن يكون التفاته لغيره. من غيرته جلَّ جلاله أنَّ صفيّه آدم لمّا ساكنَ بقلبه الجنة، وحرصَ على الخلودِ بها أخرجه منها، وأنَّ إبراهيم خليله لمّا أخذَ إسماعيل شُعبةً من قلبه أمره بذبحه، طبعا هذا حال الأنبياء أما أنت إن تعلقت بشيء تعلقا شديدا ينكسر.. بعض العارفين يقول: مساكين أهلُ الدنيا، جاؤوا إليها وخرجوا منها، ولم يذوقوا أطيبَ ما فيها إنَّ أطيبَ ما فيها الاتصال بالله عزّ وجل. جرّب مع أنَّ الله لا يُجرّب ولا يُشارط، لكن لو أنكَ بالغتَ في استقامتكَ لوجدت الله سبحانه وتعالى معكَ في كل أحيانك.