يقتحم كتاب «عن طريق الخداع» الأقبية السرية لجهاز المخابرات الإسرائيلية «الموساد»، ويتوغل في عوالمه المثيرة، من خلال الكشف عن عمليات غيرت مجرى التاريخ. ولأن فيكتور أوستروفسكي أكثر من شاهد على الخداع، فإن روايته للحوادث التي ساهم في ترتيبها وحبكتها، تتميز بالدقة في تقديم المعلومة، مما يجعل للكتاب أكثر من قيمة تاريخية وسياسية خاصة حين يميط اللثام عن الحروب والدسائس التي يعرفها الجهاز مما يضفي عليه صورة مروعة. تنشر «المساء» أبرز العمليات التي تضمنها هذا الكتاب، وتقدم السيناريوهات الخطيرة التي نسجها جهاز الموساد، على امتداد العمليات التي استهدفت الدول العربية سيما التي يعتبرها الجهاز «تهديدا» للوجود الإسرائيلي في المنطقة. عاش فكتور أوستروفسكي حياة متقلبة الأطوار فيها مد وجزر، فقد ولد في كندا عام 1949، من والد كان يعمل في سلاح الجو الملكي الكندي قبل أن يلتحق بالقوات الإسرائيلية ويحارب من أجل استقلال إسرائيل وهو برتبة نقيب، ومن أم إسرائيلية اشتغلت معلمة قبل أن تتطوع في الحرب وتصبح قائدة لشحن الإمدادات للبريطانيين من تل أبيب إلى القاهرة. انفصل الزوجان بعد أن استحالت الألفة بينهما، وقررت الأم الاحتفاظ بابنها فكتور ورعايته وعمره حينها لا يتجاوز العشر سنوات، فهاجرت صوب انجلترا واستقرت في لندن لكن مقامها لم يكن كما تصورته سهلا ميسرا، مما جعلها تقرر العودة إلى مونتريالبكندا ومنها إلى مدينة حولون بإسرائيل غير بعيد عن تل أبيب وهو في سن الثالثة عشرة، حيث قضى طفولته وشبابه في رعاية جده الذي كان محاسبا.. كان الفتى فيكتور يعتقد أن «أرض الميعاد» تستحق كل الصعوبات التي تحملها اليهود من أجلها، وكان معجبا ببعض القيادات البارزة كبن غوريون، فيما كان يتصور بيغين رجلا دمويا، ويعتقد أن السلام ممكن مع العرب. قبل بلوغه الثامنة عشر من عمره بقليل، انخرط فيكتور في الجيش لأداء الخدمة الإلزامية لثلاث سنوات، وفيها لفت الانتباه كملازم من الدرجة الثانية في فرقة الشرطة العسكرية، مما أتاح له فرصة الاشتغال في قناة السويس وفي مرتفعات الجولان وعند نهر الأردن، ومع انتهاء الخدمة الالزامية في شهر نوفمبر 1971، عاد إلى ادمونتون لمدة خمسة أعوام وعمل في مهن مختلفة في مجالات الدعاية والنسيج، مما فوت عليه المشاركة في حرب أكتوبر 1973، قبل أن يعود إلى إسرائيل في شهر ماي من سنة 1977، حيث انضم للأسطول البحري الإسرائيلي، الذي كان في طور الترميم. لكن القدر كان يضرب له موعدا مع التاريخ، حيث دعي على عجل لاجتماع سري في ثكنة تابعة للبحرية، هناك تلقى عرضا للانضمام إلى جهاز أمني، دون أن يتم الإفصاح عنه بعد أن خضع اسمه للعديد من الاختبارات انتهى بوضعه ضمن لائحة الأشخاص القادرين على خدمة أمن إسرائيل. بعد مرور يومين على العرض السري، استدعي فيكتور لاجتماع في شقة بهرتسليا، هناك خضع لفحص من طرف الطبيب النفسي للقاعدة البحرية، الذي أخبره بأنه مفوض من جماعة أمنية لفحص نفسيته، وأنه يجب ألا يذكر ذلك في القاعدة فوعده بذلك. أجريت للشاب البحري مجموعة من الفحوص النفسية ورد على أسئلة مفصلة دار موضوعها حول مشاعره والمراد بها الوقوف على طريقة تصوره للآخرين. لم يتوقف التنقيب عند هذا الامتحان، بل دعي إلى اجتماع آخر، وكان قد أخبر زوجته بالاختبارات التي يخضع لها، فقد كان لديه شعور بأن الأمر يتعلق بالموساد، كان هذا الاجتماع الأول في سلسلة من الاجتماعات مع رجل اسمه «ايغال» تلته مجموعة من الاجتماعات بمقهى في تل أبيب. ومع مرور الوقت اصبحت تعقد مرة كل عشرة أيام وهي عملية استمرت حوالي أربعة شهور، ليخبره المسؤول الذي رافقه في رحلة المائة اختبار، أن التدريب للمهة سيبقيه بإسرائيل معظم الوقت ولكن ليس في البيت، وسوف يسمح له بان يرى عائلته مرة كل أسبوعين أو ثلاثة، وأخيرا سيرسل إلى الخارج وعندها سوف يرى عائلته مرة كل شهرين. لم يستسغ فيكتور في بداية الأمر هذه الشروط لكنه لما فكر بالأمر وافق وتم استدعاء زوجته هاتفيا، كان فعلا يريد ذلك العمل لكنه لم يكن قادرا على الغياب عن عائلته فترات طويلة. في شهر أكتوبر سنة 1982 تلقى برقية في بيته أعطته رقما هاتفيا ليتصل به، وحين اتصل حدد له رجل خلف السماعة موعدا في برج «هاداردفنا» المكتبي بشارع الملك شاؤول وسط تل أبيب، علم فيما بعد أن قدميه ستدخلان مبنى الموساد» أحد المباني الخرسانية الرمادية الجرداء المحبوبة في اسرائيل». كان متلهفا جدا لهذا الموعد، لذا وصل قبل ساعة من الوقت المتفق عليه، وانتظر إلى حين وصول عقربي الساعة إلى زمن الميعاد. نزل إلى المكتب المتفق عليه وبدأت الحكاية: «فتح الشخص الدمث الجالس خلف المكتب ملفا صغيرا ونظر إليه وبسرعة قال: «إننا نبحث عن أشخاص لأن هدفنا هو انقاذ اليهود في كافة أنحاء العالم، ونعتقد أنك مناسب لهذا الغرض. إنه عمل صعب وقد يكون خطيرا ولكنني لا أستطيع أن أخبرك أكثر علي أن قوم ببعض الاختبارات عليك»، ثم تابع قوله بأنهم بعد كل مجموعة من الاختبارات سيتصلون به، وضرب له موعدا آخر بعد أسبوعين.