سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
طارق حجي: ثقافة الطاعة والتلقين والتفسير المتحجر للدين من عوائق التقدم العربي تساءل المفكر المصري عن إمكانية تحول مجتمعات «ثقافة الأشخاص» إلى مجتمعات نظم
وصف البروفيسور المصري طارق حجي العقل العربي المعاصر بكيانٍ مأسور في ثلاثة سجون أو مسلسل بثلاثة قيود. وقال خلال المحاضرة التي ألقاها بحامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، الجمعة المنصرم، بدعوة من مشروع «منبر الحرية»، وبتعاون مع جامعتي فاس والقاضي عياض بمراكش إن العقل العربي يعاني من قيد التفسير الماضوي للدين، تفسيرمُناقض لحقائق العلم والتقدم والمدنية.ومن قيد الثقافة منبتة الصلة بالعلم والعالم المعاصر. القيد الثالثً الذي يَحول بين العقل العربي والتقدم، وهو «إشكالية فلسفية» واقعة بين هذا العقل ومفهوم المعاصرة، فيراها غزوا ثقافيا لقلعته الفكرية وموروثه الحضاري والثقافي»، يقول المحاضر. شخص حجي، الحائز على جائزة Grinzane Cavour الإيطالية العالمية في الأدب عن عام 2008، أزمة المجتمعات العربية في عدد من المعوقات من بينها «سيادة ثقافة الأشخاص عوض المؤسسات، وعدم اكتمال مفهوم المواطنة، وانتشار ثقافة الطاعة والتلقين وغياب الديمقراطية وثقافة التجويد المستمر». وقال حجي، خلال المحاضرة التي ألقاها بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، الجمعة المنصرم»، إن مجتمعا يربط بين الإنجازِ والكفاءةِ وصدفةِ وجودِ شخصٍ ممتازٍ في موقعٍ معينٍ، سيظل عاجزا عن الإبداع». وذكر حجي، خلال المحاضرة ذاتها التي ألقاها بقاعة شعبة اللغة العربية بكلية الآداب بظهر مهراز بعنوان «قيم التقدم: قراءة في النموذج الغربي»، بالمجتمعات الأوربية الشمالية حيث يوجد النقيض: الاهتمام الشديد بتكوين الفرد تكويناً ثرياً ومتميزاً مع بقاءِ الغلبة والاهتمام الأكبر والفاعلية الأعظم للنظام (The System) . وتوقف الخبير في الدراسات الشرق أوسطية، مطولا عند ما سماه ثقافة النظم، مميزا بين ثقافتين متباينتين إلى حدٍ بعيدٍ: «ثقافة الأشخاص» والتي يسهل التعرف على ملامحها في واقعنِا وتاريخنا منذ عشرات القرون... و«ثقافة النظم» (Culture of Systems) وهي الثقافة التي نمت وتعاظمت أُسسُها ومعالمُها في دولِ الحضارةِ الغربيةِ ثم انتقلت إلى العديدِ من المجتمعاتِ الأخرى التي لا تنتمي إلى الحضارةِ الغربية، مثل المجتمع الياباني والعديد من مجتمعاتِ جنوبِ شرق آسيا بل وعددٍ من مجتمعاتِ أمريكا الوسطى وأمريكا اللاتينية. ومن غيرِ المفيدِ، يقول المحاضرالسابق في جامعات غربية مرموقة، الحديث عن «الأفضل» و«الأسوأ» والانطلاق من زوايا اتهامية، فالذي حدث لدينا وأنتج «ثقافة الأشخاص» ضفيرةٌ من الظروفِ التاريخيةِ والثقافيةِ ما كان لها أن تنتج غير ما أنتجت. والهدف من هذا الحديث كله أن نتساءل: هل يمكن لمجتمعات «ثقافة الأشخاص» أن تتحول تدريجياً إلى مجتمعاتِ نظامٍ أو نظمٍ؟ يجيب حجي: «حدث ذلك في أكثرِ من حالةٍ... وكانت آلياتُ حدوثِ ذلك آلياتٍ تعمل على إحداث تحول على المدى القصير وتمثلت في كلمةٍ واحدةٍ هي «القدوة» التي حاولت(ونجحت) في تحقيق قدرٍ غيرِ قليلٍ من فرضِ ثقافةِ النظامِ، وأَما الإنجاز الأكبر فمرهونٌ بآليةٍ أخرى هي نظام التعليم الذي يضع نصب عينيه أنه وحده القادر على إنجازِ التحولِ الأكبرِ في هذا المجال عندما تُصمم برامج التعليم وهي تهدف لخفضِ الأبعادِ الشخصانيةِ في التفكيرِ وتعظيمِ الأبعادِ الموضوعيةِ التي هي أساس أي نظامٍ أو أيِّ نظمٍ . وبخصوص العلاقة مع الغرب والموضات الفكرية التي روجت لصراع الحضارات، قال حجي: «إذا كان البعضُ اليوم في الغربِ، بوجهٍ عامٍ، وفي الولاياتِالمتحدةِالأمريكيةِ، بوجهٍ خاصٍ، يميلُ إلى أن العلاقة بين الحضارات ستكون في المستقبل صراعاً وصداماً ولاسيما العلاقة بين الحضارة الغربية والإسلام، فإن أدبيات هذا الاتجاه تدلُ على فقرٍ معرفيٍّ مذهلٍ: فكتاب «صدام الحضارات» لصموئيل هنتنجتون وغيره من الكتابات المماثلة لأشخاصٍ، مثل بول كنيدي وفوكا ياما، هي خلطة من الكتابات الصحافية/ السياسية أكثر من كونها كتابات رصينة تقوم على معرفةٍ واسعةٍ بالحضاراتِ، ودون أن تتوفر لدى أصحابها الرؤية التي تسمح لهم بأن يروا آلية صنع سيناريو الحوار وعدم الاقتصار على سيناريو الصدام – ولا يعني ذلك أن سيناريو الصدام مستبعدٌ وإنما يعني أن سيناريو الحوار ممكنٌ إذا كانت الرؤيةُ في هذا الاتجاه وبُذلت الجهود الفكرية والثقافية لتدعيمه . وحول قيم الديمقراطية والتعددية وحقوق الانسان، أكد حجي «أن عالمَ اليومِ الذي يرفع شعارات مثل «الديمقراطية» و«حقوق الإنسان» و«الحريات العامة» و«التعددية» ينبغي أن يدرك أن نبلَ هذه القيم لا ينفي أن تعاملَ الإنسانِ معها على أرض الواقع لا يزال في مرحلةٍ أُولى، وهو ما يجعل الممارسات العملية تتسمُ أحياناً بنقيض تلك القيم. وينطبق ذلك بوضوحٍ على قيمة التعددية، إذ ترفعُ الحضارة الغربية لواءَ قيمةِ التعدديةِ بيدٍ ويرفع بعضُ أبنائها لواءَ تنميطِ العالمِ بيدٍ أخرى، وهي حالة ارتباك تعكسُ كون البشرية في مرحلةٍ أولى من مراحل نمو بعض هذه القيم».