سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بنعبد الله: لا ندافع عن الإفطار العلني في رمضان وحذار من الفتنة بسبب فيلم أو حفل موسيقي قال إن مجلس جطو يحقق في ملف الهرهورة و«النوار» قائم في السكن الاجتماعي
كشف محمد نبيل بنعبد الله، وزير السكنى وسياسة المدينة، عن معطيات خطيرة بشأن قيام منعشين عقاريين باستخلاص مبالغ مالية تفوق القيمة الحقيقية للسكن الاجتماعي، من خلال فرض «النوار» على المستفيدين، رغم عدم خضوع العروض السكنية الاجتماعية للضريبة. وأوضح الوزير، في حوار مع «المساء»، أن هناك من كان يتاجر في السابق بفقر المواطنين، مشيرا إلى أنه كان هناك تساهل فيما يخص جودة البناء. وتوقف بنعبدالله عند عدد من القضايا التي أثارت جدلا داخل المجتمع المغربي، منها مضامين مسودة القانون الجنائي، ومنع فيلم نبيل عيوش، ونقل القناة الثانية لسهرة جينيفر لوبيز. – أعلنت قبل أيام عن مشروع يرمي إلى بناء الدولة شققا وتخصيصها للكراء. ألا ترى بأن الأسعار المقترحة مرتفعة؟ الغريب في الأمر أن بعض الملفات يتم التعامل معها انطلاقا مما يمكن أن تحدثه من ردود فعل على المستوى الإعلامي والرأي العام. والحال أن هذا الموضوع اشتغلنا عليه منذ بداية هذه الحكومة، فهاته الإجراءات التي تتحدثون عنها ليست جديدة، إذ تعود في مجملها إلى القانون المالي لسنة 2013. لكن ما أثار الانتباه هو ما ذكرته في ندوة منظمة مع البنك الدولي في رحاب وزارة السكنى وسياسة المدينة بخصوص إمكانية السير في اتجاه أن تعمل الدولة، من خلال متدخلين عموميين أو خواص، على بناء شقق أو اقتنائها لتخصيصها للكراء، فالتفت الجميع إلى هذا الكلام، واعتبر أن التفاصيل تعود إلى نفس التاريخ. أذكر في هذا السياق أن 70 في المائة من الحظيرة السكنية الموجودة في المغرب نظامها مِلك، وهو ما يؤثر على طبيعة المجتمع المغربي وحركيته. فعندما تقتني أسرة ما شقة أو أرضا في مدينة معينة، من الصعب أن ينتقل أفرادها بعد ذلك إلى مكان آخر للبحث عن الشغل، وهو ما يجعل الحركية الاجتماعية والمهنية تصبح منعدمة. لذا اعتبرنا أن الدولة لا يمكن أن تقضي على أزمة السكن فقط من خلال التملك، بل علينا أن نوجه جزءا من المساكن للكراء، وهو ما دفعنا إلى تشجيع الشركات، التي يمكن أن تقتني شققا في إطار السكن الاجتماعي، بتوفير بعض الامتيازات الضريبية التشجيعية، إذا عملت على تخصيصها للكراء. – وما هي هذه الإجراءات التشجيعية؟ في أول الأمر، أي في سنة 2013، حددنا سومة كراء الشقق، التي قيمتها 250 ألف درهم، في 1200 درهم، والسكن منخفض التكلفة، الذي لا يتجاوز 140 ألف درهم، حددنا سومته الكرائية في 700 درهم. خلال هذه السنة لم يكن هناك إقبال على الموضوع من طرف المنعشين العقاريين، فقلنا، بمناسبة القانون المالي لسنة 2014، إنه يتعين علينا أن نعيد النظر في الأمر من خلال إدخال ترتيبات إضافية، بالموازاة مع إصدار قانون جديد للكراء، ومن هذه الإجراءات إحداث صندوق للضمان يساهم فيه الملاك، فإذا حدث مشكل مع المكتري يتمكن المكري من التوصل بالسومة الكرائية لمدة سنة ضمانا لحقوقه، مع ضرورة التفكير في إحداث دعم للأسر الفقيرة في مجال الكراء. هذان الإجراءان لم نتمكن من تمريرهما في القانون المالي، وظل الحال على ما هو عليه، في ظل غياب إقبال على هذا العرض، إلى حدود القانون المالي لسنة 2015، حيث أدخلنا تعديلين أساسيين. فلجلب انخراط الشركات المختلفة لاقتناء السكن الاجتماعي وتخصيصه للكراء، قررنا الرفع من سقف السومة الكرائية الذي سبق أن حددناه، على اعتبار أن الشركات وجدت بأن المشروع في صيغته الأولى غير مناسب لها، ولا يمكن الانخراط فيه، إضافة إلى أن منطق السوق أكد هذا الأمر، رغم أن ذلك يتنافى مع قناعاتي الاجتماعي، إذ أنني لست مع الرفع من السومة الكرائية أو كلفة السكن المتوسط. – هذا يعني أن الشركات فرضت عليكم رفع سقف السومة الكرائية المقترحة. هذا الأمر فرضه السوق، على اعتبار أن الشركات لم تنخرط في المشروع مادام لا يناسبها من حيث الربح، لذا تم رفع السقف من 700 درهم إلى 1200 درهم بالنسبة للسكن منخفض التكلفة، ومن 1200 درهم إلى 2000 درهم بالنسبة للشقق التي يصل سعرها إلى 250 ألف درهم. لكن يبقى أن ما قلته في الندوة هو أنه لا يوجد انخراط رغم كل هذه الإجراءات، وبالتالي اعتبرت بأنه إذا أردنا أن نفلح في موضوع السكن المعد للكراء فعلينا الأخذ بتجارب عرفتها بعض الدول في أوربا، من خلال إحداث إطار يوفر شققا معدة للكراء، ويمكن أن يكون تابعا للدولة، لنتمكن من توفير هذا المنتوج. ويبدو أن الفكرة السياسية التي عبرت عنها لقيت ترحيبا داخل المجتمع، وأتمنى أن يساعدني ذلك على تنفيذها. أنا الآن في مرحلة الإقناع السياسي لأطراف أخرى لمسايرتي في هذا الأمر. وحتى أقوم بنوع من المقارنة، أقول إن نفس الأمر حدث عندما ذهب زميلي وصديقي وزير الصحة إلى البرلمان، وقال إنه لمعالجة مسألة قلة الموارد البشرية على مستوى المراكز الصحية في المناطق النائية، ربما علينا أن نسير في اتجاه الخدمة الإجبارية، واليوم نلاحظ أن هناك حركات احتجاجية وأشخاصا يختلقون أمورا بخصوص الأجور التي ستخصص للأطباء وغير ذلك، رغم أن الأمر يتعلق بفكرة وليس بنص قانوني. ونفس الأمر بالنسبة لي، فالنص غير موجود لحد الآن، لكن ما أعلنت عنه هو توجه استراتيجي أريد أن أدخله. – وهل ناقشت الموضوع مع باقي الأطراف الحكومية؟ سنعمل على توفير الإطار المناسب لذلك، مع ضرورة إشراك باقي الأطراف، وبشكل أساسي وزارة المالية، وبعض الأطراف التي ستكون لها كلمة في هذا الموضوع. – هناك من يرى أن هذا التوجه الخاص ببناء الشقق وكرائها يعبر عن فشل الحكومة الحالية وسابقاتها في توفير السكن لجميع المغاربة. المغرب نجح في سياسته في مجال السكن، والأمر لا يتعلق بتجربة نبيل بنعبد الله على رأس وزارة السكنى وسياسة المدينة، بل بما قام به المغرب منذ 15 سنة، والأرقام تدل على ذلك: في سنة 2002 كان الخصاص في مجال السكن يصل إلى مليون و200 ألف وحدة، وعندما دخلنا هذه الحكومة في سنة 2012 كان الخصاص يصل إلى 840 ألفا، وهو ما يعني أنه تم تقليص نسبة العجز ب400 وحدة في عشر سنوات. وقد أخذنا على عاتقنا على مستوى التصريح الحكومي أن نقلص هذا العجز في خمس سنوات فقط، حيث إن العجز اليوم لا يتجاوز 580 ألف وحدة. – وماذا عن إشكالية السكن الاجتماعي؟ منذ سنة 2010 تم بناء 520 ألف وحدة سكنية تم تسلميها أو هي في طور التسليم خلال السنتين المقبلتين، وهذا يعني أننا وصلنا إلى مستوى مرتفع جدا من حيث الإنتاج. طبعا نلاحظ وجود نوع من الركود، لأننا نكاد نصل إلى الإشباع بالنسبة للفئات التي بإمكانها أن تقتني هذا النوع من السكن. – لكن هناك فئات ليس باستطاعتها اقتناء السكن الاجتماعي. هذا مشكل مرتبط بأوضاع فئات هشة كثيرة، وبمستوى الدخل ونسبة النمو والقدرة على توفير الشغل لعدد من المغاربة. وهذه الإشكاليات لا علاقة لوزارة السكنى بها، فالوزارة لا توفر السكن بالمجان، وليست هناك دولة في العالم تقوم بذلك. وبالنسبة لمن يمكن أن نوفر لهم سكنا بثمن بخس، ويتوفرون على حد أدنى من الدخل، نحن نكاد نصل تدريجيا إلى الإشباع، لكن المشكل الكبير يكمن أساسا في بعض الفئات، ومنها الفئات المستضعفة، التي توجد في أسفل السلم الاجتماعي، والتي لا تتوفر على دخل قار أو لا تتوفر على أي دخل. وأعترف بأنه إلى حد الآن ليس لدينا أي حل بالنسبة لهؤلاء. وهناك فئة أقل حجما، لكنها موجودة، ولهذا فكرنا في السكن الموجه إلى الفئات الوسطى. – المشاريع الخاصة بالفئات الوسطى تعثرت هي أيضا. هذا التعثر أيضا يعود إلى السبب نفسه، وهو أن الشركات الخاصة لم تجد أيضا في العرض الخاص بالفئات الوسطى، الذي قدمته الحكومة، نسبة ربح تروقها. – رغم أن السعر انتقل من 6000 درهم إلى 7200 درهم. مع الأسف هذه الشركات تعودت على نسبة ربح مرتفعة في السكن الاجتماعي، وهو ما جعلها لا تنخرط في هذه المشاريع. طبعا بالنسبة لهذه الفئات لا يمكن أن نقول إن هناك فشلا في السكن الاجتماعي، ففيما يتعلق بالركود أو التراجع، هذا أمر طبيعي، لأننا أنتجنا بكثافة في السنوات الأخيرة، حيث كانت نسبة النمو تتراوح بين 11 في المائة و12 في المائة بين سنة وأخرى، لكن الفئات التي يمكن أن تستفيد، اليوم، من هذه المشاريع السكنية بدأت تنخفض. وبالتالي ليست هناك أزمة، بل هناك ضرورة لإعطاء شحنة للاقتصاد الوطني لتوفير الدخل وإمكانية الاستهلاك على مستوى السكن. وفي هذا الإطار تدخل مسألة الكراء بالنسبة لمن لا إمكانية له ليوفر التسبيق، إذ يمكن أن يكون الشخص شابا بدأ أولى خطواته في الحياة المهنية أو أسرة حديثة النشأة أو حالات الأخرى، فلا يوجد أي بلد في العالم تتوفر فيه جميع الأسر على سكن في ملكيتها. ما نحن بصدده، اليوم، هو محاولة تنويع العرض، من خلال توفير السكن الاجتماعي، والسكن منخفض التكلفة، والسكن الموجه إلى الفئات المتوسطة، والمعد للكراء، وعروض خاصة بمن يوجدون في دور الصفيح والآيلة للسقوط، وإعادة هيكلة مجموعة من الأحياء حتى تصبح مندمجة في النسيج الحضري، وتستفيد من مختلف الخدمات. مقاربتنا، كما تلاحظون، شمولية تسعى إلى إيجاد أجوبة لمختلف الفئات. قد ننجح في ذلك وقد لا ننجح، فهذا الأمر مرتبط في بعض الأحيان بتعامل القطاع الخصوصي مع مختلف المشاريع والعروض، لكون الربح هو المنطق السائد بالنسبة إليه، والدولة لا يمكنها لوحدها أن تقدم جميع أنواع العروض السكنية لأن ذلك يفوق طاقتها وإمكانياتها. الشراكة مع القطاع الخاص ضرورية، لكن هذا القطاع عليه أن يفهم ويشعر بدوره الوطني في تقديم خدمة للفئات المستضعفة، على اعتبار أن ذلك يساهم في استقرار البلد، لأن التقليل من الربح مع ضمانه في الآن ذاته يعتبر جزءا من المسؤولية الملقاة على عاتقه. – المنعشون العقاريون استفادوا سنوات من مجموعة من الامتيازات، لكن تم تسجيل مجموعة من الخروقات الخطيرة التي يمكن اعتبارها جرائم في حق المستفيدين من بعض المشاريع. كيف تعاملت الوزارة مع هذه الخروقات؟ كانت هناك بعض الملفات التي عرفناها في البداية مع انتشار السكن الاجتماعي، لكن اليوم هناك مراقبة أكبر، خاصة مع المشاريع الحديثة، وأساسا منذ سنة 2012. البعض طرح السؤال حول الفرق بين السياسات العمومية في مجال السكني قبل وبعد مجيء الحكومة، فكان جواب خبير في المجال هو أنه قبل هذه الفترة كان هناك اهتمام بالكم، واليوم هناك اهتمام بالجودة. المراقبة، اليوم، أشد، إذ تم إدخال معايير تجعل التجمعات السكنية، التي تعرف اكتظاظا في السكن الاجتماعي، مندمجة أكثر فأكثر في النسيج الحضاري، وتحظى بعدد من التجهيزات العمومية. فأي منعش إذا أراد أن يطور مشروعا سكنيا، عليه أن يتقيد بمجموعة من المنشآت العمومية كالمدارس والمتاجر والمساحات الخضراء وغيرها. أعتقد أنه كان هناك نوع من التساهل فيما يخص جودة البناء، إذ زرت مشاريع يعود بناؤها إلى بضع سنوات ووجدتها لا تليق بالسكن. من العار أن نلاحظ مثل هذه الأمور لأن ذلك فيه نوع من المتاجرة ببؤس الناس وبفقرهم. طبعا هذا الأمر قل أكثر فأكثر، ويمكن القول بأننا نتجه بفضل المنافسة نحو الارتقاء بالمنتوج الاجتماعي. اليوم تجد سكنا اجتماعيا بمصعد، رغم أن ذلك لا يفرضه دفتر التحملات، كما تجد أيضا سكنا اجتماعيا، وإن كان ذلك في حالات نادرة جدا، بمسبح جماعي، بل يتوفر على مطبخ مجهز. كما قد تجد سكنا بسقف 250 ألف درهم، لكن المنعش العقاري يبيعه ب220 ألف درهم، وفي بعض المدن بأقل من 200 ألف درهم. أعتقد أن هناك تحولا إيجابيا، وإن كان ذلك لا يعني أننا قضينا على جميع المشاكل، بل هناك استمرار لبعض المظاهر غير اللائقة، وهو ما يدفعنا اليوم إلى إعادة النظر في دفاتر التحملات. – في أي اتجاه؟ في اتجاه الرفع من الجودة ومراقبة الغش أو التحايل الذي يمكن أن يتم. مثلا نحن اليوم بصدد البحث عن دليل قاطع بشأن استمرار البعض، بصيغ ملتوية، في الحصول على «النوار» في المجال الاجتماعي، والحال أن هذا السكن معفى تماما من الضرائب. هذا يعني أن هؤلاء يتوصلون بسعر يفوق سعر 250 ألف درهم، من خلال فرض مبالغ إضافية تحت الطاولة، حسب ما توصلنا به. المشكل الكبير هو إثبات هذه الأمور، حيث وقفت شخصيا على حادثة في هذا الباب، وعندما طلبت من المواطن المعني أن يدلي بشهادته أمام المحكمة رفض ذلك. – في هذا الخضم تفجرت الاختلالات التي رصدها المجلس الأعلى للحسابات على مستوى مجموعة العمران والشركات التابعة. أين وصل هذا الملف؟ وهل أحيل على القضاء؟ فيما يخص ملف الهرهورة، الذي ورد في تقرير المجلس الأعلى للحسابات، فهو يعود إلى سنتي 2008 و2009. وأريد أن أذكر هنا بأن المجلس قام بفحص ودراسة رصيد عدد من الشركات التابعة للعمران كوجدة وطنجة والرباط ومراكش. وكما هو الشأن بالنسبة لعدد من الشركات التي قام بافتحاصها، فقد وقف المجلس على بعض الأمور التي تظهر أن هناك اختلالات. وليست هناك حالة واحدة، بل حالات متعددة، من قبيل اقتناء أرض من طرف تعاونية أو ودادية، أو تدبير مشروع حكومي معين. وقد طالبنا باتخاذ إجراءات بعينها في هذه الأمور من قبل العمران والشركات التابعة لها. – وماذا عن ملف الهرهورة؟ المجلس الأعلى للحسابات وقف على هذه الحالة، لكن هناك حالات متعددة تمت في السنوات الماضية قبل وجود هذه الحكومة. أما اليوم فليست هناك أي تعاونية أو ودادية تم إنشاؤها بامتيازات موفرة للموظفين، سواء على مستوى الوزارة أو العمران. هذه الأمور انتهت. هناك ملفات كثيرة في هذا الموضوع، لكن تم الوقوف فقط عند هذه الحالة. وعليه إذا كنا سنعرض الموضوع على القضاء، فيجب عرض جميع الحالات الأخرى. الآن نحن لسنا في مرحلة الإحالة على القضاء، بل بصدد انتهاء المجلس الأعلى للحسابات من التحقيق مع المعنيين بالأمر، وعندما ينتهي سنرى إن كانت هناك ضرورة لعرض الملف على القضاء أم لا. وعموما، لن نقبل في وزارة السكنى وسياسة المدينة أن نصمت على أي أمر يخالف القانون أو أي ريع أو استفادة غير مشروعة. لكن فيما يتعلق بهذه الحالة بالذات يجب أن يكون هناك نوع من الإنصاف، ويتعين ألا نسلط الأضواء فقط على هذه التجربة، علما بأن هناك على امتداد التراب المغربي تجارب أخرى عرفناها في سنوات 2000 وقبلها في التسعينيات وغيرها. – لكن لِمَ لَمْ تتم إحالة أي ملف خاص بالعمران على القضاء؟ لحد الآن لم يتم ذلك، لأننا ننتظر انتهاء التحقيقات. فعندما فكرنا في إحالة بعض الملفات على القضاء تبادلنا الحديث مع المجلس الأعلى للحسابات، فطلب منا أن ننتظر انتهاء عمله في هذا الملف. – لننتقل إلى بعض القضايا التي طفت على سطح النقاش العمومي مؤخرا، ومنها مسودة القانون الجنائي. كيف ترد على من يقول إن التقدم والاشتراكية لم يخرج بمواقف واضحة فيما يخص بعض القضايا التي يدافع عنها؟ هل الوضوح هو أن نقول لمن يرى بأنه يتعين تشديد العقوبات في شأن الإفطار العلني في رمضان إننا مع الإفطار العلني في رمضان؟ أعتقد أن هذا ليس وضوحا، بل يجعل بعض الأصوات القليلة داخل المجتمع المغربي تحاول أن تأكل الثوم بفم حزب التقدم والاشتراكية، وهذا لن يكون. الإفطار العلني في رمضان ليس مطلبا للحزب حتى ندافع عنه. في المقابل قلنا بصريح العبارة إننا لا نرى ضرورة لتشديد العقوبات في مواضيع بعينها، وأننا سنقف ضد ذلك. – بمعنى أن نبقى في حدود العقوبات الموجودة اليوم. نحن نقول إن هناك قانونا جنائيا وسياسة جنائية. فالأول قد يؤكد على بعض المخالفات أو الجنح أو الجرائم أو الجنايات، لكن على مستوى السياسة الجنائية المرتبطة بالممارسة، قد يكون هناك سعي نحو التشديد أو غض الطرف، وفي كثير من القضايا سار المغرب في اتجاه غض الطرف. ففيما يخص تناول الخمور، هناك عدد من الإجراءات القانونية، لكن يتم بيع الخمور بشكل علني في عدد من المتاجر، وهناك تنصيص على أنها موجهة إلى الأجانب، لكنها، في الواقع، تباع للمغاربة. نحن نقول إن المغرب عاش في ظل هذا التوازن، رغم وجود بعض الانحرافات في هذا الاتجاه أو ذاك، لكنها تدبر ومتحكم فيها، ولا نرى ضرورة للتشديد وكأننا في مجتمع منحرف، يعرف طغيانا لمظاهر فاسدة حتى تكون لدينا نظرة محافظة تؤدي إلى تشدد في القانون الجنائي، وربما فيما بعد على مستوى السياسة الجنائية. أعتقد أن هذا الموقف واضح. الحزب لن يقبل بأي تراجع على هذا المستوى، لكن هذا لا يعني أن التقدم والاشتراكية يدافع عن مجتمع الانحلال أو مجتمع اللاأخلاق، لكن في الآن ذاته نرى أن المغرب يجب أن يظل في إطار الانفتاح والتسامح والتأقلم مع ما يريده من سياسات عمومية وتموقع. فهو بلد يعتمد على السياحة والانفتاح في علاقته مع كل البلدان، اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، ويشكل منطقة للتلاقي بين الحضارات والديانات. لذلك لن نقبل أن نتراجع إلى الوراء. وفي نهاية المطاف هناك آخر ما أنتجه المغرب، وهو يسمو على القانون الجنائي، أي الدستور، الذي يشكل وثيقة لها توجه واضح يؤسس أكثر لمجتمع الحداثة والانفتاح والتسامح، مع الحفاظ على المقومات الأساسية للشعب المغربي الدينية منها والقيمية والأخلاقية والتراثية والثقافية. هذا التوازن على الجميع أن يحافظ عليه، وهو ما اتفقنا عليه مع حزب العدالة والتنمية عندما دخلنا هذه الحكومة. نحن لن نقبل بأي تراجع في بعض القضايا المطروحة، مع تسجيلنا أن المسودة المطروحة، التي يناهز عدد موادها 600 مادة، تؤسس لعدد من المقاربات الجديدة التي يتعين التنويه بها، من خلال إدخال جرائم جديدة طبقا لما هو معمول به في أرقى المعاهدات الدولية، واعتماد العقوبات البديلة، وتجميع كل النصوص في مدونة واحدة حتى لا يبقى هناك أي تبعثر. أعتقد أن كل هذه المستجدات تشكل مقاربة إيجابية، مما لا يمنع أن نقول إن لنا تصورات في مواضيع بعينها. – هل لمست استعدادا لتضمين مواقف الحزب في مشروع القانون الجنائي؟ لحد الآن، ودون السقوط في أي مواجهة أو تشنج، هناك آذان صاغية من طرف زملائنا في الحكومة، إذ هناك استعداد للأخذ بكل ملاحظاتنا، فهذا النص لا يمكن أن يمر إلا في إطار هذا التوافق. – وماذا عن بقية القضايا التي تدافعون عنها؟ نحن مثلا مع حذف عقوبة الإعدام، لكن لن نعمل على تشتيت هذه التجربة الحكومية انطلاقا من هذا المطلب. نحن نعتبر أن حذف الإعدام أمر أساسي، لكنه ليس هو القضية. لنا أيضا موقف فيما يتعلق بالإجهاض، وهو أمر مهم كذلك، لكنه أيضا ليس هو القضية، وهناك الكثير من القضايا المماثلة. في المقابل لدينا الأوضاع التعليمية في البلاد، ووضعية التقاعد، والسكن، والصحة، وملايين المغاربة الذين يجدون صعوبات في الحياة اليومية، واستمرار الفقر وسط عدد من الفئات في ضواحي المدن والقرى، وعدد من القضايا المرتبطة بالتنمية. كما أن هناك أيضا قضية مأسسة الديمقراطية بشكل أكبر، والرفع من مستوى أداء المؤسسات في سلطها المختلفة. هذه الأمور هي التي نعتبرها قضية أساسية. فلا يمكن لأحد أن يقول لي إن مصير حزب التقدم والاشتراكية في تجربة حكومية يتعين أن يرتبط بمسألة الإعدام أو الإجهاض أو غيرهما من القضايا التي نعتبرها أساسية وسنستمر في الدفاع عنها، لكن قمة الحداثة لا تكمن في جعل هذه القضايا مصيرية بالنسبة لحزب سياسي. قد تكون هناك أصوات لمفكر داخل المجتمع، لكن ما يقوله لا يلزمه إلا هو، أما بالنسبة لحزب سياسي فيجب أن يكون طلائعيا في حدود الواقع، وأن يأخذ بالآراء الأخرى في المجتمع المغربي أن يجد صيغا توافقية للعيش معا، وهو ما يحدث الآن بشأن النقاش حول شريط سينمائي أو عرض موسيقي. – في هذا السياق، كيف تلقى حزب التقدم والاشتراكية قرار الحكومة التي يشارك فيها بمنع فيلم نبيل عيوش؟ سبق أن قلنا إن الحرية هي الأصل في كل الأشياء المرتبطة بالتعبير والإبداع والرأي. لكن أقول منذ الآن، وحتى يكون موقفي واضحا، إن الحرية دون مسؤولية تؤدي إلى الفوضى. طبعا هناك حالات يمكن أن تؤدي بدولة معينة- انطلاقا من تطورات مرتبطة بمصالحها الداخلية أو بعلاقاتها الخارجية أو بتطورات في رأيها العام- إلى تفعيل مقاربة قانونية في هذا المجال، وإذا تم هذا فعلى الدولة أن تتقيد بمقاربات قانونية سليمة. مثلا في هذه الحالة، كان بالإمكان التأكيد على أنه في حالة عرض هذا الشريط على لجنة التأشير بالاستغلال، التي توجد فيها تمثيلية لوزارتي الاتصال والثقافة، فإن تمثيلية الوزارتين سيكون لها موقف معارض للتأشير. هذا العمل تقوم به اللجنة باستمرار، إذ يتعين أن تعلموا بأن أي فيلم قد يتضمن مشاهد خليعة أو صور عنف مفرطة أو كلاما يضرب في الدين الإسلامي أو غير ذلك، فتقوم اللجنة بحذف تلك المشاهد أو تمتنع عن تسليم تأشيرة الاستغلال. لذا كان بالإمكان التعامل بهذه الطريقة. – هذا يعني أنه كان بالإمكان اعتماد آلية أخرى للمنع. على كل أن أعطيتك تصورا حول الموضوع، وستبحثون في عناوينكم عن أشياء من قبيل أن نبيل بنعبد الله يعارض الخلفي أو ينتقد موقف الحكومة. أنا لا أعارض المنع الذي حصل على مستوى المضمون، بل دعيت إلى ضرورة التقيد بمقاربات قانونية سليمة، أي أنه كان بالإمكان أن نصل إلى نفس النتيجة بأساليب قانونية أسلم، دون أن يعني ذلك أنني ضد المنع. أما فيما يخص مضمون الفيلم، فأقول إن الحرية هي الأصل، لكن يجب التقيد بالمسؤولية في كل شيء، بما فيها الأخذ بواقع المجتمع الذي نحن فيه. لا يمكن لأي كان أن يتستر بقضية الإبداع، ما لم تكن تتوفر في العمل المعني معايير الإبداع الحقيقية. فمن خلال ما شاهدته من مقاطع، لاحظت أن هناك عددا من الأفلام التي تقارب مواضيع شائكة، مرتبطة بالأخلاق في مجتمع معين، من خلال التلميح للموضوع أو تصوير لقطات خاطفة، تكون تكفي لإيصال الرسالة دون أن تحدث رجة داخل المجتمع. لقد كان بالإمكان أن تتم إثارة واقع الدعارة في البلاد والاتجار بأجساد النساء، بما يتيح أن تكون هناك جرأة في إطار من المسؤولية وما سيمكن حقيقة من مناقشة الظاهرة دون السقوط في نوع من الارتدادية التي تجعلنا لا نناقش القضية، بل نناقش مبدأ وجود هذا الشريط، وما إذا كان المنع ضروريا أم لا. هذه الأمور قد تصل بنا، من خلال ردود الفعل داخل المجتمع، إلى مقاربة نكوصية. أعتقد أن ما أحدثه هذا الشريط بالنسبة لنا كحداثيين هو تراجع عوض مقاربة الأمور بما يمكن من فتح مجال جديد للتفكير وتحرير المجتمع المغربي، فالإفراط في الحرية غير المسؤولية في التعامل مع الموضوع يؤدي إلى النقيض. – وماذا عن سهرة جينفير لوبيز ونقلها على القناة الثانية؟ قد ننتقد بعض الجوانب، وقد نفهم التحفظ الذي يبديه هذا الطرف أو ذاك، لكن لن ننغمس بدورنا في تجاذب وتقاطب من هذا المستوى حول أمور قيمية بدافع أخلاقي، ورفض يتسم بكثير من التشدد والتشنج، حيث أكدنا أن على الجميع العودة إلى الصواب والهدوء. علينا جميعا أن نحتفظ بقدرتنا على التعايش، وأن نواصل البناء المشترك في كنف نفس المجتمع الذي يسع لمن يتشبث بمواقف محافظة أو منغلقة أحيانا، ويسع أيضا لمن يدافع عن مواقف حداثية منفتحة، وأحيانا مفرطة في ذلك. لكن بين هذا الطرح وذاك توجد فئة عريضة من المغاربة تريد الوسطية والاعتدال، واستمرار المغرب في قدرته على أن يبني ديمقراطيته ومجتمعه طبقا للمبادئ الأساسية الموجودة في الدستور. وفوق كل هذا وذاك، هناك قضايا مرتبطة بالسياسات العمومية الأساسية، التي يتعين ألا يتم طمسها بسيادة هذا النوع من النقاشات. أتساءل: لماذا لم نشاهد نفس المستوى من النقاش والتجاذب والتقاطب في موضوع التقرير الذي قدمه عزيمان حول التعليم المغربي؟ وهو يرتبط بإشكالية أساسية لحاضر ومستقبل المغرب، وأهم بكثير من عرض موسيقي أو فيلم. حذار، في ظل هذه التجربة، أن نحدث نوعا من الفتنة، التي قد تؤدي إلى نتائج وخيمة فيما يتعلق بضرورة الحفاظ على استقرار البلد والفضاء المشترك الذي نعيش فيه، والذي يمكن من أن نحتضن الجميع، سواء من يؤمن بأن المصدر الوحيد لكل شيء هو الدين، أو من يعتبر بأنه إلى جانب ذلك هناك ضرورة لأن نتأثر بكل ما هو إيجابي في الحضارة العالمية بكل مشاربها، وأيضا من يؤمن أكثر من غيره بضرورة الديمقراطية، ومن له نظرة محافظة للديمقراطية أو من له قراءة تقدمية وحداثية للموضوع. كل هذه الأطراف تعيش في نفس المجتمع، وعلينا أن نستمر في العيش داخل نفس المجتمع، ودور حزب التقدم والاشتراكية في ظل هذه التجربة هو أن ينادي الجميع إلى الهدوء، ولن يتمكن أي أحد في ظل المجتمع الذي نعيشه، اليوم، أن يفرض على الآخر طريقة تفكيره بالكامل، سواء من طرف المحافظين والمغالين في المقاربات الأخلاقية الصرفة أو من ينظر فقط إلى مسألة الحرية دون قيد أو شرط. جنبونا المواجهة مع المجتمع المغربي – كيف تلقيت موقف وزير الاتصال الناطق باسم الحكومة، الذي اعتبر في تغريدة على «فايسبوك» أن بث سهرة جينيفر لوبيز على القناة الثانية مرفوض، وذهب به الأمر إلى مطالبة قيادات في حزب العدالة والتنمية بإقالة فيصل لعرايشي وسليم بنشيخ؟ لن ندخل في هذا النوع من النقاش، وعلى الجميع أن يعي بأنه قبل أن يقدم على مبادرة معينة، خاصة إذا كانت بطريقة غير رسمية في موقع أو تغريدة، أن يعي بأنه بإقدامه على ذلك لا يتجرد من صفته الرسمية. هذا الأمر لم يخضع إلى نقاش، ونحن، في إطار المسؤولية التي نتحلى بها، نرفض إلى يومنا هذا أن نزيد في حدة الموضوع بالتعبير عن مواقف مغايرة. ما يهمنا هو أن نقول للجميع «الرجوع لله» و«تكالماو»، فلا يمكن أن نخلق الفتنة والمواجهة في المجتمع المغربي بسبب شريط سينمائي وحفل موسيقي. ونحن لن نسقط في هذا الأمر، وسنستمر بالقول: جنبونا «الله يخليكوم» هذا الأمر لأنه قد يؤدي بنا إلى كارثة، وعلى الجميع أن يبقى مسؤولا، فأي مقاربة من هذا الطرف أو ذاك تستهدف استغلال الانتخابات الآتية لتحريك عواطف فئات معينة هي مقاربة مغلوطة، وعلى الجميع أن يفكر مليا فيما يمكن أن يحدث بعد ذلك.