لم تخل الندوة الوطنية حول «الإجهاض بين المقتضيات القانونية وإكراهات الواقع»، التي نظمها فريق الدراسات القانونية والفقهية والاقتصادية أول أمس بسلا، من لحظات توتر حادة في النقاش، عكست تباين الآراء حول قضية مجتمعية معقدة، الإجهاض، الذي أضحى «حديث من لا حديث له بحسب»، تعبير الريسوني. واعتبر أحمد الريسوني، عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح، أن النقاش الدائر حول تقنين الإجهاض، «يجب أن يكون مكانه الطبيعي من داخل فضاءات الجامعة، ومجمعات البحوث، بعيدا عن «الغواغئية» و»التوظيف السياسي، الذي يخضع لمنطق «الضغوطات». وأوضح الريسوني، أنه «بالرغم من أن التحريم هو الأصل إلا أن هناك أحكام استثنائية لأن الضرورات تبيح المحظورات، لكن الضرورة تقدر بقدرها، وتتمثل في حالات الأجنة المشوهة التي يجب الرجوع فيها للأطباء، وبعض حالات الاغتصاب، بالمقابل يجب التشديد على حالة زنى المحارم بالتراضي لأن الرخص لا تناط بالمعاصي، داعيا إلى معالجة الإجهاض بإيجاد حلول للأسباب المؤدية إليه. وانتقد الفقيه المقاصيدي بشدة حجج دعاة الإجهاض المفتوح على حد تعبيره، من قبيل «حرية التصرف في الجسد»، مؤكدا أن جميع المذاهب اعتبرت الجنين مستقلا استقلالية تامة عن أمه، بحيث أنه يعامل معاملة الورثة وله كامل الحقوق في التركة كما أنه بإمكان الإنسان أن يكتب له وصية من القسمة، قائلا « الجنين ليس جزءا من جسد المرأة ، بل هو ضيف في بطنها، والضيف يجب إكرامه» وتميزت مداخلة القيادي في حزب العدالة والتنمية، سعد الدين العثماني، بنوع من الليونة والهدوء، حيث أكد أن النقاش الدائر حول الإجهاض لا يشوبه أي توتر مجتمعي، «حتى وإن كان هناك نقاش حاد»، معتبرا أن الإجهاض يشكل معضلة اجتماعية تتداخل فيها جوانب اجتماعية وثقافية ودينية، وليست قضية بسيطة، فهي «قضية فيها تعقيدات وتحتاج إلى حوار عميق، يتوخى الوصول إلى حل وسط يجتمع عليه المغاربة جميعا. وعاد القيادي في حزب العدالة والتنمية، والوزير السابق، إلى الدفاع بقوة عن تعديل فصول القانون الجنائي المتعلقة بالإجهاض. دفاع يعكس قناعة الطبيب النفساني بآنية التعديل، نظرا لارتفاع الكلفة الاجتماعية للإجهاض، «سيما السري منه، الذي يكلف المنظومة الصحية والمجتمع كثيرا، نظرا للمخاطر التي يتسم بها، فيما تبقى مضاعفات الإجهاض العلني الذي يتم في ظروف طبية محدودة جدا». وشدد العثماني، الذي ضم صوته إلى مؤيدي التقنين، على أنه إذا كانت «هناك حالات مسموح بها في الشرع الإسلامي، «فمن الضروري أن نلائم القانون الجنائي الوطني معها، حتى لا تجد المرأة نفسها في تناقض بين ما ينص عليه القانون وما يقوله الفقهاء». من جانب آخر، أورد هشام الملاطي مستشار وزير العدل والحريات، أن الملك محمد السادس كان قد دعا إلى صياغة نص قانوني حول قضية الإجهاض، يحفظ القيم والدين ويأخذ بعين الاعتبار في الآن نفسه التطورات الجارية في هذا المجال، وتعاليم الشريعة الإسلامية السمحة، وذلك بتشاور وتنسيق تام مع مختلف الأطراف المعنية، ومن ثم دعا إلى ضرورة معالجة موضوع الإجهاض على ضوء القواعد الدستورية، بما يسمح تكييف القانون الجنائي مع عدد من حالات الإجهاض، من أجل الحد من كل انفلات في شأن هذا المجال.