مرة أخرى، يعود أغنياء المغرب إلى تسيّد اللوائح الرسمية لأغنى أغنياء العالم، وهذه المرة بمعلومة جديدة تقول إن أغنياء المغرب يفوقون أغنياء قطر عددا وعُدّة، وفوق هذا وذاك فإن ثرواتهم لا تتأثر بربيع ولا بخريف ولا بصعود أو هبوط أسعار النفط ولا باضطرابات سياسية ولا بسوء الأحوال الجوية ولا بتقلبات البورصة،.. إنهم أغنياء ثابتون ولا يخافون حسابا ولا عقابا، عكس وضعية كل أغنياء العالم. أغنياء الخليج اغتنوا عندما وجدوا الزفت تحت أقدامهم، فلعبوا فيه حتى «زفّتوا» المسألة عن آخرها؛ وأغنياء المغرب وجدوا النفط أيضا، لكن ليس تحت أقدامهم، بل في جيوب البسطاء المغاربة. أغنياء المغرب جبناء جدا، والدليل على ذلك أنهم اغتنوا من وراء قطاعات جبانة، مثل قطاعات العقار والأبناك والخمور؛ وطبعا هناك كثيرون اغتنوا من وراء تجارة الحشيش والكوكايين وسرقة المال العام، وهؤلاء لا تذكرهم تقارير المنظمات الدولية رغم أن عددهم كبير جدا. أغنياء العقار في المغرب جنوا ثرواتهم المهولة من وراء بؤس ملايين المغاربة الذين اشتروا منهم أقفاص دجاج وعلب وقيد تسمى السكن الاجتماعي أو السكن الاقتصادي. هل رأيتم يوما سكنا اقتصاديا يستعبد من يشتريه ويجعله مدينا حتى بعد مماته؟ وهل رأيتم يوما سكنا اجتماعيا يحط من كرامة ساكنيه إلى درجة أن البنت لا تجد أين تغير ملابسها، والولد لا يجد أين يختلي بنفسه، والزوجان يتهامسان في غرفة النوم مثل سارقين محترفين! أكيد أنكم سمعتم بذلك الغني العقاري المغربي الذي أقام لابنته زفافا في قصر فخم واستدعى له نجوم الفن والغناء من القارات الخمس وصرف فيه ما يزيد على خمسة ملايير سنتيم في ليلة واحدة، بينما عندما يموت أحد في شقة من شقق السكن الاقتصادي التي يبيعها للمغاربة يجد الناس صعوبة كبيرة في إخراج تابوت الميت وإنزاله عبر الأدراج. كيف، إذن، لا يغتني وحوش العقار وهم الذين أهانوا المغاربة في حياتهم ومماتهم؟ في المغرب أغنياء آخرون هم أغنياء الأبناك، وهؤلاء لهم ارتباط وثيق بأغنياء العقار لأن الذي يشتري عقارا ب»الكْريدي» لا بد أن يمر عبر البنك لكي «يحلبوه»، وبذلك يتشارك أباطرة العقار وأباطرة الأبناك في جعل المغاربة مجرد قطعان أبقار صالحة للحلب، وفي حال ما إذا جف ضرعها في يوم ما فإن الأبناك لا تتورع عن استرداد الشقق المرهونة.. إنها وحشية لا نظير لها. في المغرب أغنياء آخرون اغتنوا من وراء صنع «الماحْيا» أو النبيذ للمغاربة. صحيح أن القوانين المغربية تنص على عدم بيع الخمر للمغاربة المسلمين، لكن الدستور المغربي، وهو أسمى قانون في البلاد، ينص أيضا على أن اللغة المغربية هي اللغة الرسمية للبلاد؛ ما الفارق، إذن؟ وحوش العقار اغتنوا بشكل فاحش من وراء حاجة الناس الماسة إلى «قبور الحياة»، ووحوش الأبناك اغتنوا من وراء حاجة الناس الماسة إلى قروض لشراء قبور الحياة، ووحوش الخمر اغتنوا لأن ملايين المغاربة يشربون، ليس من أجل الاستمتاع، بل لكي يدفنوا رؤوسهم في الرمال… ملايين الشاربين المغاربة يشربون حتى لا يعودوا يفرقون بين رأس الديك ورأس الثور، وهذا نوع نادر من السكْر الذي يدل على أن للخمر في المغرب دورا مختلفا تماما عنه في باقي بقاع العالم.. إنه نبيذ سياسي بامتياز، هدفه أن يدفن الناس همومهم وإحباطاتهم في كؤوس الراح عوض أن يمتلكوا الشجاعة ويواجهوا لصوصهم بصدور مفتوحة ويقولوا لهم «إما بينا ولاّ بيكُم». في المغرب أغنياء آخرون اغتنوا بأشكال مختلفة، مثل أغنياء تبييض الأموال، والذين لا تحوم حولهم ذرة تهمة لأنهم يقدمون خدمة جليلة إلى الوطن ويبيضون أموال الحشيش والكوكايين وما شابه ويحافظون على استقرار الوضع المالي والاقتصادي في البلاد. ولكي تتأكدوا، اِبحثوا هل سبق اعتقال أو محاكمة واحد من كبار مبيضي الأموال. هناك أغنياء آخرون صنعوا ثرواتهم من وراء التهرب الضريبي، ولم يسبق لهم أن أدوا فلسا واحدا للدولة؛ بينما هذه الدولة تطارد صغار المقاولين والمواطنين العاديين وتحاسبهم على الكبيرة والصغيرة، بل تسرقهم مباشرة عبر التسلل إلى حساباتهم البنكية واقتطاع الضرائب منها مباشرة. هناك أغنياء كثيرون صنعوا ثرواتهم من وراء النصب والاحتيال، وهؤلاء اقترضوا الملايير من الأبناك وهرّبوها نحو الخارج. ولو أن حكومة بنكيران تملك الجرأة لنشرت لائحة بأسماء هؤلاء، لكن كيف لحكومة لم تستطع مواجهة حتى أصحاب «كْريمات النقل» أن تواجه ديناصورات القروض؟ أغنياء المغرب ليسوا نعمة للوطن كما هو حال أغنياء العالم، بل إنهم نقمة حقيقية وحاجز منيع أمام انطلاق البلاد نحو المستقبل، إنهم يشبهون رعاة البقر في الأفلام الأمريكية.. يسرقون وهم يصرخون ويطلقون الرصاص في الهواء ثم لا يتركون وراءهم سوى الغبار.