سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
التازي: سعد العلمي عرقل كل الجلسات التي حاولتُ فيها تمرير مقترح قانون التعريب قال إن انحياز الأموي وأفيلال إلى المعركة السياسية ضد الحكومة كلفهما السجن والمتابعة
عبد الحق التازي واحد من أول دفعة مهندسين استقبلهم مغرب ما بعد الاستقلال، ليجد نفسه يُهندس سياسات المغرب إلى جانب الحسن الثاني، بدءا من وضع أول تصميم خماسي للمغرب المستقل، إلى الانغماس في السياسة والوزارة، فكان شاهدا على مغرب ما بعد الاستقلال، بكل الآمال التي عقدها المغاربة عليه، والآلام التي تكبدوها من جراء الاصطدام بين القصر والحركة الوطنية. فوق «كرسي الاعتراف»، يكشف عبد الحق التازي العديد من التفاصيل الصغيرة التي كانت فاعلة في قرارات كبيرة، وظلت طي الكتمان، خصوصا وأنه جمع، بتناغم كبير، بين انتمائه إلى حزب الاستقلال وقربه من الحسن الثاني الذي ظل على اتصال دائم به في عدد من الملفات الدقيقة والحارقة، أيام كان التازي كاتبا للدولة في الشؤون الخارجية. بتلقائية كبيرة، وبدون لغة خشب، يتحدث التازي عن الحسن الثاني الذي أعلن للاستقلاليين أنه ينتمي إلى حزبهم، وعن «صفقات» حزب الاستقلال مع القصر، مثل تأسيس الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، والاتحاد العام لطلبة المغرب، وما راج عن قبول الحزب تزوير انتخابات 1977، وكيف هدد أوفقير باغتيال علال الفاسي الذي رفض استقلال موريتانيا عن المغرب، وحقيقة اختيار الحسن الثاني امحمد بوستة خلفا لعلال الفاسي، والعديد من الخبايا التي لا تتوقف عند تجربة التناوب بل تتجاوزها إلى ما يعيشه حزب الاستقلال حاليا وإلى من «صنع» حميد شباط. – في سياق حديثك (في حلقة أمس) عن ملتمس الرقابة الذي تقدمتْ به فرقُ المعارضة في ماي 1990 بغرض إسقاط حكومة عز الدين العراقي، رفيقكم السابق في حزب الاستقلال، حكيت كيف أن هذا الأخير فقد شخصيته أمام الحسن الثاني، في مجلس للوزراء انعقد بإيفران في عز الجدل الساخن بشأن سياسة التعريب. في هذا السياق، من هم المسؤولون الاستقلاليون الذين كانت لديهم مسؤوليات وزارية وكانوا ضد مواقف حزبكم من سياسة التعريب؟ «معندي ما نخبع».. منهم سعد العلمي الذي كان وزيرا للعلاقات مع البرلمان، فالأخير كان يعرقل جميع الجلسات التي كنتُ أحاول أن أمرر خلالها مقترح قانون تعريب الحياة العامة… – عندما كنتَ رئيسا للفريق الاستقلالي بمجلس النواب؟ نعم. ولم يكن سعد العلمي لوحده، بل كان له غطاء الأمين العام، حينئذ، عباس الفاسي… – كيف يكون أمين عام الحزب، الذي ارتبط جزء من مساره بالدفاع عن سياسة التعريب، ضد التعريب؟ عندما تحمل عباس الفاسي مقاليد الأمانة العامة لحزب الاستقلال، بدأ يتنازل عن مبادئ وثوابت الحزب، للحفاظ على مكانته. وبالرغم من أنهم -عباس ومن كانوا يجارونه- لم يكونوا يعلنون صراحة أنهم ضد مقترح تعريب الحياة العامة، فقد كانوا يمططون البت فيه. والنتيجة، الآن هي أنك عندما تتجول في حي أكدال بالرباط، مثلا، تشعر وكأنك في جنوبفرنسا، فلوحات المحلات التجارية كلها مكتوبة بالفرنسية فقط. وتجد هذا، أيضا، في فاس التي يتحمل حزب الاستقلال مسؤولية التسيير فيها. – لنعد إلى معركة ملتمس الرقابة. كيف كانت قراءتكم لنتيجة هذه المعركة، بعدما صوتتِ الأغلبية ُضد هذا الملتمس؟ الملتمس أدى مهمة كبرى، ألا وهي الجهر، من منبر البرلمان، بكل ما يفكر فيه الشعب وما ينتقده وما يريده؛ كما برهن على أن الأزمة السياسية والاقتصادية تتجذر وأن الحكومة عاجزة عن حلها. وتأكد، أيضا، أن الشعب والوطن لا يمكن أن يحتمل الأزمات ونتائجها، وأنه على الجميع أن يتحمل مسؤولية المستقبل. – أزمة الحكومة مع المعارضة سنة 1965 في البرلمان قادت إلى حالة الاستثناء، وفي سنة 1990 أدى ملتمس الرقابة إلى تمديد عمر البرلمان؛ كيف تعاملتم في المعارضة مع هذا المعطى؟ مرة أخرى، تأكد أن ملتمس الرقابة زاد من قوة ومكانة المعارضة في المشهد السياسي وفي أوساط الشعب. ومع ذلك، أعتقد أن موقف الاتحاد الاشتراكي، المتمثل في الانسحاب من البرلمان، كان فيه بعضُ المزايدة التي واجهها الملك بشدة بلغت حد تهديد النواب المنسحبين؛ غير أنه تم احتواء الأمر واستطاعت المعارضة التموقع المؤثر في تطورات الوضع السياسي ما بين 1990 و1998 مع إعلان حكومة التناوب التوافقي.. لقد عاش المغرب في هذه الفترة أحداثا حاسمة ستبصم المسار الذي عرفته البلاد في ما بعد. – هذه الأحداث انطلقت مع الإضراب العام في دجنبر 1990؛ ما هي طبيعة العلاقة التي كانت تربط بين الحركتين السياسية والنقابية في حمأة هذا الصراع؟ حين كنا نلتقي بصفتنا الحزبية، كان مسؤولو النقابات -الأخوان عبد الرزاق أفيلال عن الاتحاد العام للشغالين ونوبير الأموي عن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، يكونون حاضرين معنا كقياديين في الحزبين. وكان طبيعيا أن يتبلور التنسيق النقابي بالموازاة مع التنسيق السياسي. لا بد من الاعتراف بأن الكونفدرالية والاتحاد العام للشغالين قاما بدور مركزي في تأطير المطالب الاجتماعية بتناسق مع الموقف السياسي للمعارضة وبدعم كامل لعمل الكتلة الديمقراطية في ما بعد. لقد كانت المركزيتان النقابيتان شريكا كاملا في المشروع المجتمعي المعارض لسياسة الحكومة. – هل أنت من الذين يعتقدون أن الأموي وأفيلال استُهدفا شخصيا بسبب هذا الانحياز؟ بدون شك، فالأول توبع أمام المحاكم على إثر تصريح أدلى به لجريدة «إلباييس» الإسبانية بدعوى مسه بالوزراء، وقضت بحبسه سنتين مع الغرامة؛ والثاني مايزال ملفه رائجا أمام المحكمة وظل مستهدفا من السلطة، ومن رفاقه أيضا مع الأسف. لا يجب أن ننسى أن الإضراب العام أحدث رجة في المجتمع المغربي، والحوادث الكارثية في فاس -مثلا- كانت بمستوى الحنق الاجتماعي وتعبيرا عن الغليان في الأحزمة السوداء حيث ظروف العيش سيئة وحيث غلاء المعيشة وتفشي البطالة… كل الشروط تضافرت إلى أن خرجت الوضعية عن تحكم السلطة وحصل الانفلات. لقد فجرت جلسات الاستماع ومناقشة تقرير لجنة التقصي الذي قدم إلى مجلس النواب تناقضات الأغلبية والحكومة وكأن التاريخ يعيد نفسه، حيث انبرى بعض نواب الأغلبية للتشكيك في مصداقية الحكومة، وفي مقدمتهم النائب السيد حسن أكرام، من الحركة الشعبية، الذي تحدى أن تكون الحقائق تصل كما هي إلى المسؤولين، ملوحا بأن رجال الداخلية يزرعون الرعب في المجتمع؛ وفي ختام تدخله، أمد رئيس المجلس برسالة ودعاه إلى رفعها إلى جلالة الملك. هكذا بدأت الأغلبية تتفتت وعمل المعارضة يجد صداه في إيقاظ بعض الضمائر حتى في أوساط الأغلبية. لقد كانت المعارضة هي الأقوى بأفكارها وبمشروعيتها الشعبية.