عندما حازت نوال المتوكل على الذهب في أولمبياد لوس أنجلوس 1984، في مسافة 400 متر حواجز، دخلت التاريخ كأول رياضية مغربية وعربية ومسلمة وإفريقية تتوج بالذهب في الأولمبياد، لذلك ظل العالم ينظر بإعجاب لما حققته هذه البطلة. لكن المتوكل لم تتوقف عند هذه الحدود فقط، بل إنها ظلت تحمل دائما لقب الأولى، فقد كانت مرة أخرى أول مغربية وعربية وإفريقية ومسلمة تحصل على العضوية في الاتحاد الدولي لألعاب القوى، وأول مغربية وعربية وإفريقية ومسلمة تحصل على العضوية في اللجنة الأولمبية الدولية، التي سترتقي في ما بعد إلى منصب نائب لرئيسها، هذا دون الحديث عن أنها الوحيدة التي تم استوزارها مرتين في قطاع الشباب والرياضة، مع العلم أن جميع الوزراء الذين مروا من هذه الوزارة لم تكتب لهم العودة لتسيير دواليبها مرة أخرى. في هذا الحوار تتحدث المتوكل عن التوشيح الذي حظيت به من طرف الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، وتعود إلى تفاصيل ما جرى في هذا اللقاء، ولماذا نزلت الدموع من عيني شقيقها فؤاد الذي كان حاضرا معها. كما نعود معها للنبش في الماضي، وكيف أصبحت بطلة أولمبية، ثم كيف انتقلت إلى مجال التسيير الذي تسلقت فيه المراحل إلى أن وصلت إلى أعلى درجاته، ولماذا رفضت العيش في جلباب الماضي؟ تصر المتوكل على أن ما حققته، هو نتاج عمل ولا دور فيه للصدفة أو الحظ، وأن من لا يعمل لا يمكن أن تلوح له فرص النجاح، كما تتحدث عن واقع الرياضة المغربية، وعن الديبلوماسية الموازية، وعن المناظرة الوطنية الثانية للرياضة التي اعتبرتها فرصة ضائعة لوضع قطار الرياضة المغربية على السكة الصحيحة، وعن استوزارها مرتين. في هذا الحوار ترسل المتوكل إشارات في كل الاتجاهات، وتقول إن مستقبلها يوجد وراءها، فقد حققت اللقب الأولمبي وهي في 25، وأصبحت وزيرة وهي في 35 من العمر، ثم نائبة لرئيس اللجنة الأولمبية وهي في الخمسين، لذلك، تقول إن الرياضة ليست مجالا للصراع أو الانتقام، وأنها تعلمت أن تنظر إلى الأمام، وأن سباق 400 متر حواجز مدرسة في الحياة، كما تؤكد أنها رهن إشارة بلدها ورهن إشارات جميع الجامعات، وأنه لم يحدث أن أغلقت الباب في وجه أي أحد، كما ترسم صورة لما يجب أن تكون عليه الرياضة المغربية، دون أن تنسى الحديث عمن كان لهم الفضل في بروزها. – مؤخرا حظيت بتوشيح بوسام جوقة الشرف من طرف الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، وهو أعلى وسام تمنحه الدولة الفرنسية، كيف كان وقع هذا التكريم بالنسبة لك؟ بكل تأكيد كنت سعيدة بهذا التكريم وأفتخر به كثيرا، فقد جاء بتزامن مع عودة الدفء للعلاقات الديبلوماسية بين المغرب وفرنسا، وجاء أيضا غداة اليوم العالمي للمرأة الذي يصادف 8 مارس، كما أن عدد الموشحين من طرف الرئيس الفرنسي كان نصفهم نساء، وهو أمر له مغزى ومعنى. لقد كرمني الرئيس الفرنسي وقال كلمات طيبة في حقي وكان لها أثر كبير علي، وتكريمي ليس تكريما لنوال المتوكل فقط، بل إنه تكريم للرياضة المغربية. - وما الذي قاله لك فرانسوا هولاند أثناء توشيحك؟ لقد قال لي إن فرنسا فخورة بأن تكرمك اليوم، وفعلا ففرنسا لدي علاقة خاصة بها، ذلك أن مدربي جان فرانسوا كوكان الذي له فضل كبير علي هو فرنسي الجنسية، كما أنني تدربت في العديد من المدن الفرنسية وشاركت في سباقات بها، ثم عدت إلى فرنسا كرئيسة للجنة تقييم ملفات المدن المرشحة لاحتضان أولمبياد 2012 حيث حظيت بالاستقبال من طرف الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك. - كان ضمن الحاضرين معك بقصر الإليزي أثناء توشيحك من طرف الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، البطل الأولمبي السابق هشام الكروج وكمال لحلو نائب رئيس اللجنة الأولمبية الوطنية، لماذا اخترت هذين الاسمين بالتحديد؟ هشام الكروج، أكن له محبة خاصة، لأنه يتوفر على كل مواصفات البطل الشامخ بما حققه من إنجازات، وقد عمل معي في إطار اللجنة الأولمبية الدولية كعضو في لجنة الرياضيين، وقد ناب بحضوره عن أسرة ألعاب القوى المغربية، علما أن رئيس الجامعة السيد عبد السلام أحيزون تعذر عليه الحضور. بالنسبة لكمال لحلو فهو نائب رئيس اللجنة الأولمبية الوطنية، وقد واكب مساري منذ أن كنت أبلغ من العمر 14 سنة. الحضور لم يقتصر على الكروج ولحلو فقط، بل حضر أيضا زوجي وابني وابنتي وزوجها وحماتها، وشقيقي فؤاد الذي له فضل كبير في ما وصلت إليه، ومدربي الفرنسي وزوجته، فضلا عن عزيز بوكجة رئيس الاتحاد الإفريقي للريكبي الذي يقيم في فرنسا، والسيد شكيب بنموسى سفير المغرب في باريس والذي أقام حفلا على شرفنا. لقد كان بودي أن أستدعي كثيرين، لكن للأسف فإن العدد الذي كان مسموحا لي بدعوته كان محدودا جدا. - أثناء الكلمة التي ألقاها فرانسوا هولاند قبل توشيحك، ذكر الرئيس الفرنسي اسم شقيقك فؤاد، كيف كان وقع ذلك عليك؟ لقد فاجأني هذا الأمر مثلما فاجأ شقيقي الذي انهمرت الدموع من عينيه في لحظة جد مؤثرة، وهو يستمع إلى الرئيس الفرنسي وهو يذكر اسمه. لم أكن أعتقد أن فرانسوا هولاند ومساعديه سيبحثون بتدقيق كبير في مساري، لقد كان بحثا معمقا، كما أن هولاند ذكر أيضا اسم مدربي جون فرانسوا الذي كان له قسط وافر في نجاحي وفي تكوين الرياضي، وتحديدا في سباق 400 متر حواجز. - تكريمك من طرف الرئيس الفرنسي جاء في وقت تراجعت فيه الرياضة المغربية كثيرا؟ عندما شاهد فرانسوا هولاند هشام الكروج فرح كثيرا، وربما لن تتصور مدى فرحته بلقاء الكروج، إذ عانقه طويلا، لأنه بطل نجح في أن يرسم لنفسه مسارا حافلا بالألقاب، ومثل هؤلاء الأبطال تحتاجهم الرياضة المغربية. اليوم الساحة الرياضية في المغرب تعيش حالة من الارتباك، وتتويجي من طرف هولاند، أتمناه أن يساهم في غرس حب العطاء في أبطالنا، لأن الرياضة مهمة جدا، ولها دور في الديبلوماسية الموازية، ذلك أن لها وقعا وتأثيرا ودورا في تقدم الشعوب، لقد كان هناك من ينظر للرياضة بشكل دوني، لكن هذه النظرة تغيرت اليوم، فرؤساء دول فهموا دور ووقع وتأثير الرياضة، لذلك، فإنهم أصبحوا يمررون الكثير من الرسائل عبر الرياضيين، بل إن هيئة الأممالمتحدة تعين رياضيين كسفراء لها وتستثمر شعبيتهم لمحاربة الكثير من الآفات كالفقر والسيدا وغيرها من أخطار.. - قبل أن تصبحي بطلة أولمبية وتدخلي التاريخ اخترت التخصص في سباق 400 متر حواجز، هلا حكيت لنا كيف أصبحت متخصصة في سباق لم يكن حينها معروفا بالنسبة للسيدات؟ في بداية مساري كنت أعدو في سباق 100 و200 متر وأيضا 400 متر مستوية، لكن مدربي الفرنسي اقترح علي أن أحول الاتجاه نحو 400 متر حواجز، لم أتقبل الأمر في البداية، وغضبت وأبديت تذمري، وقلت له أنت لا تريدني أن أنجح، ومن اليوم فصاعدا سننهي تعاملنا، بل إنني قلت له إن العلاقة بيننا انتهت ولن تبقى مدربا لي، ووصل الأمر إلى حد مقاطعتي للحديث أو التكلم معه، لكنه اتصل بوالدي، وأخبره بما جرى فما كان من الوالد رحمة الله عليه إلا أن وبخني وطلب مني بأن أستمع إلى مدربي وأن أثق فيه، لأنه يريد مصلحتي. - وماذا حدث بعدها؟ بعد أن وبخني الوالد عدت لأتحدث مع مدربي، فشرح لي بأن سباق 400 متر حواجز يقتصر في الفترة الحالية على الرجال فقط، وأنه قريبا سيصبح سباقا أولمبيا، وأن علي أن أغتنم الفرصة لأكون من بين الأوائل اللواتي سيتخصصن في هذا السباق، وحتى يكون بمقدوري أن أحقق نتائج باهرة. بدأت تداريبي في هذا التخصص، فقد كان مدربي يرى أنه برغم قصر قامتي فإن لدي قوة في الأداء، وأنه مع التداريب ستمضي الأمور بشكل جيد، لقد أصبحت حواجز السباق هاجسا بالنسبة لي، حتى أنني وأنا نائمة كنت أحلم بأنني قفزت وسقطت في بئر، لذلك كنت أتدرب لأقوم بالقفز على الحواجز بدقة. في أول مشاركة لي في سباق 400 متر حواجز فزت بلقب بطولة المغرب، وفي ثاني مشاركة لي أحرزت لقبا إفريقيا، أما في ثالث مشاركة فقد نلت لقب ألعاب البحر الأبيض المتوسط، لقد أصبحت أقفز بسهولة وسلاسة، وأصبحت أعرف كيف أقسم جهدي على مختلف مراحل السباق الذي يضم عشر حواجز، تبدو كالجبل. - نلاحظ أن هناك حضورا دوليا وازنا لنوال المتوكل على الصعيد الدولي مقابل غياب عن دائرة صنع القرار على المستوى المحلي؟ أنا كنت وماز لت وسأبقى دوما رهن إشارة بلدي، ما قدمته من عطاء رياضي يشهد عليه التاريخ، وعلى مستوى الحاضر أنا دائما رهن إشارة أي اتحاد مغربي وفي أي نوع رياضي، فكل ما يمكنني أن أقوم به لخدمة بلدي لن أتردد في القيام به، كما أن حضوري في جمعية رياضة وتنمية وما نقوم به في هذه الجمعية من برامج تستهدف المرأة والشباب المغربي يدخل في إطار خدمة بلدي، فالبطل أينما وجد يمكن أن يخدم بلده ويخدم الرياضة. أما إذا كنت تسأل عن نوال المؤطرة أو المسؤولة داخل جامعة ألعاب القوى، فأنا لم يحدث إطلاقا أن أغلقت الباب في وجه أي أحد، فأنا دائما أمد يدي إلى الجميع. - لماذا يغيب الأبطال السابقون عن دائرة القرار ولا يتم استثمارهم في خدمة الرياضة المغربية؟ شخصيا لا يمكن أن أفكر بدل المسؤول الذي يوجد في دائرة صنع القرار، ربما هناك من يحاول أن يعتمد على جيل جديد ويعطي الفرصة لأسماء أخرى، لأنه يرى أن هناك أبطالا حصلوا على فرصتهم، وربما أن المسؤول لديه تصوراته ورؤاه لما يجب أن يكون أو أن بمقدوره أن يعمل دون أن يتواجد الأبطال السابقون إلى جانبه، وفي النهاية فالنتائج هي الفيصل. - بعد أن أنهيت مسارك كعداءة، دخلت عالم التسيير، هل كان التحول سهلا؟ بالنسبة لي أنا شخصيا، فلا أحد أمسكني من يدي وقال لي تعالي لتتعلمي التسيير، لكن كانت لي رغبة وإرادة للتعلم، فبعدما أنهيت مساري كعداءة وأعلنت اعتزالي، لاحظت أن هناك فراغا نسويا قاتلا، فبعد أن تعلمت الجري من طرف ذوي الاختصاص وأصبحت بطلة أولمبية كنت أتساءل مع نفسي ما الذي يمكن أن أقوم به في المرحلة المقبلة، وهل سأظل دائما أحمل يافطة أول مغربية وعربية ومسلمة وإفريقية تنال ميدالية ذهبية أولمبية. كان بمقدوري أن أكتفي بالتفرغ للزواج ولأبنائي فقط، لكنني رفضت أن أعيد تكرار حياتي وأن أعيش في جلباب الماضي، وأقلب صفحات الذكريات، لذلك بقيت دائمة البحث، وذات يوم تساءلت أين هي المرأة في مجال التسيير، لذلك قررت أن أحضر الجمع العام لجامعة ألعاب القوى على عهد الرئيس الراحل عبد الرحمان المذكوري، لكنه قال لي لا داعي للحضور لقد أنهيت مسارك كعداءة للتو، وتزوجت وفي الجمع العام قد تكون هناك أشياء لا يجب أن تسمعيها كامرأة، لكنني أصريت على الحضور.. في ذلك الوقت كان الرأي العام الدولي يود متابعة مسار شابة دخلت التاريخ عندما أصبحت أول عربية ومسلمة وإفريقية تنال الذهب الأولمبي، لذلك كنت أتلقى دعوات من كل أنحاء العالم لأحضر لقاءات، هذا الأمر كان له تأثيره ومفعوله الإيجابي بالنسبة لي، وجعلني أقوى على مواجهة الجمهور وأن أتكلم عن نفسي وعن مساري، في وقت نخجل فيه من الحديث عن أنفسنا، ففي الهند والصين والكثير من أنحاء العالم حيث المرأة مهمشة، وحيث غياب الإمكانيات والبنية التحتية، كثيرون رأوا أنفسهم في. لذلك، عندما تأسست لجنة المرأة والرياضة على مستوى اللجنة الأولمبية الدولية في بداية التسعينات كنت من الأوائل اللواتي انخرطن في هذه اللجنة، والتي أصبحت لها في ما بعد قوة اقتراحية على الصعيد الدولي، فالحوار مهم وضروري، كما أنه يداوي الجرح، ولم يكن مقبولا أن تظل المرأة في سلة المهملات، أو أن يكون لها نفس التكوين ونفس الشواهد مع الرجل وتحصل على راتب أقل منه. مع السنوات والتجارب بدأت تتكون لدي الخبرة، علما أن المرء إذا لم يبحث عن الفرصة فإنها لا يمكن أن تأتي لك. - هناك من يقول إن نوال المتوكل محظوظة؟ لا أعتقد أن ما حققته قد ساهم فيه الحظ، بقدر ما هو نتاج عمل، فعندما فزت باللقب الأولمبي بلوس أنجلوس كان هناك من يقول إن نوال فازت لأن بطلات روسيا وألمانيا الشرقية لم يشاركن في الأولمبياد، مع أنني سيطرت على السباق وخضت تداريب قاسية، ثم قالوا في ما بعد إنني «بجرية وحدة أصبحت وزيرة»، ولم ينتبهوا إلى أنني أصبحت عضوا في المكتب التنفيذي للاتحاد الدولي لألعاب القوى، وعضوا في اللجنة الأولمبية الدولية، ونائبا أول للرئيس، ورئيسة للجنة تقييم المدن المرشحة لتنظيم أولمبياد لندن 2012، وبعدها رئيسة للجنة تنظيم أولمبياد ريو 2016، فهل كل هذه الأمور صدفة أو مجرد حظ؟، وهل هذه الأمور كلها «ماكتعمرش العين»، فالحظ ليس له دور إلا بنسبة ضئيلة جدا، فمن لا يجتهد لا يمكن أن يصبح بطلا أولمبيا، « مايمكنش تكون ناعش وتربح ميدالية أولمبية»، ولا يمكن ألا تجتهد وتصبح وزيرا مرتين، فأنا لا تكفيني 24 ساعة في اليوم، وفي الكثير من المرات أتمنى لو أن في اليوم 26 ساعة، لأن هناك الكثير مما يمكن القيام به. صحيح هناك بداية ونهاية، وفي آخر المطاف سنوارى الثرى وهناك الموت، لكن في الحياة علينا أن نحدد هدفنا بدقة، كما أن الرياضة تعلمنا الصداقة والاحترام والتميز. - يلاحظ أن المتوكل تبتعد دائما عن الصراعات وشد الحبل في وسط رياضي مغربي متشنج؟ عندما مارست الرياضة ثم تحولت بعد ذلك إلى مسيرة في المجال الرياضي، فهدفي لم يكن هو الانتقام أو البحث عن المشاكل و»الصداع»، ففي سن 25 أصبحت بطلة أولمبية، وفي 35 أصبحت وزيرة وفي الخمسين أصبحت نائبة لرئيس اللجنة الأولمبي، وبالتالي فمستقبلي وضعته خلفي ودائما أتطلع للأمام، ولا أعود إلى الماضي، إلا إذا كان سيشكل لي قوة دفع. - ما الذي تعلمته من سباق 400 متر حواجز، ومن الرياضة بشكل عام؟ سباق 400 متر حواجز هو مدرسة للحياة، فالحواجز العشر التي كنت أجتازها للوصول إلى خط النهاية، هي شبيهة بصعوبات الحياة، التي يمكن أن أواجهها. الرياضة تعلمك أن العداءات اللواتي ينطلقن معك في السباق هن منافسات ولسن خصمات، فالاحترام والحب مازال إلى اليوم يجمعني بالبطلات اللواتي تنافست معهن في أولمبياد لوس أنجلوس، كما هو الحال مع الأمريكية جولي براوند، أو البطلة الهندية التي جمعتني بها الرياضة من جديد، وعندما التقيت بها بكينا طويلا، حتى أن لديها مؤسسة في الهند تحمل نفس اسم جمعيتي تنمية ورياضة. لقد علمتني الرياضة الشيء الكثير، وساهمت في تكوين شخصيتي، ليس سهلا أن تتمرن وسط الثلج والحفا و»الغيس»، كما أنني عشت في الغربة، وغادرت عش العائلة وأنا صغيرة، دون أن أكون على اطلاع بما ما ينتظرني، فقد سافرت من أجل تحقيق أهدافي، لكنه في ذلك الوقت كان سفرا نحو المجهول. - كيف قررت السفر إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وأنت في سن صغيرة؟ عندما شاركت في الألعاب المتوسطية سنة 1983 وفزت بالميدالية الذهبية في سباق 400 متر حواجز، كان هناك أستاذ يمني ضمن اللجنة المنظمة حيث كان يتولى الترجمة ويعمل في المغرب، وقد تابعني في البطولة، وقد سخره لي الله، تماما كما سخر لي مدربي الفرنسي الذي يعود له الفضل في تخصصي في سباق 400 متر حواجز، وقد قال لي :» لقد تابعتك وأنت تحاولين الحديث بالإنجليزية، لذلك أقترح عليك أن تحصلي على دروس في هذه اللغة لأنها ستفيدك كثيرا في مسارك»، لكنني قلت له إن الأمر غير ممكن لأنه يلزمني دفع مقابل مادي، وهو ما قد يثقل كاهل عائلتي، لكنه رد علي يبدو أنك لم تسمعيني جيدا، أنا أقترح عليك دروسا خاصة و بالمجان. استغليت الفرصة وقلت له بالمناسبة لقد توصلت بعدة رسائل مكتوبة بالإنجليزية وسأكون شاكرة لك، لو أطلعتني على محتواها، لما قرأ الرسائل التي توصلت بها، قال لي إن الأمر يتعلق بمنح دراسية تعرضها عليك جامعات أمريكية لتتابعي دراستك وتمارسي الرياضة في الولاياتالمتحدةالأمريكية. قلت له «مانقدرش»، لكنه أصر على أن يتحدث مع والدي وأن يقنعه بأن يسمح لي بالسفر إلى أمريكا لأتابع دراستي، وفعلا نجح في إقناع والدي الذي سمح لي بالسفر إلى أمريكا، بل إن هذا الأستاذ اليمني هو الذي توصل بالتيليغرام الذي يحدد موعد سفري وهو الذي رتب لي كل شيء حتى سافرت، وهو السفر الذي شكل ضربة قاسية للوالد، لأنه لم يكن سهلا عليه وعلى عائلتي أن أغادر عش العائلة وأنا في سن صغيرة. لقد وصلت إلى أمريكا ذات يوم سبت، بينما توفي والدي في يوم السبت الموالي، أما العائلة ففضلت عدم إخباري بالأمر طيلة شهر من الزمن، في ذلك الوقت كنت أعدو وأتدرب بحرارة، كما لو أنني استشعرت أن خطبا ما قد وقع، لقد حطمت الرقم القياسي للجامعة ثم رقم العصبة، وبعدها واصلت العمل، إلى أن جاء التتويج الأولمبي وكأن لسان حالي يقول :» لماذا لم يكتب لوالدي أن يكون على قيد الحياة ليرى ما تحققه ابنته». - كيف بدأت علاقتك مع العدو؟ لقد كنت مولعة بالرياضة منذ صغري، فقد بدأت بكرة القدم قبل أن أنتقل لألعاب القوى، كنت أعدو مع الذكور، لحسن حظي أنني كنت أنتمي لأسرة رياضية، فالوالد كان ممارسا للجيدو، ووالدتي ممارسة للكرة الطائرة، وكلاهما كان موظفين في البنك، وفي الوقت الذي كان كثيرون يرون أن ممارسة المرأة للرياضة «عيب وحشومة» كان الوالد يشجعني على ممارسة الرياضة، بل وكان يحمل لي حقيبتي ويجوب بي الكثير من المدن المغربية لأشارك في السباقات، بينما كانت الوالدة تتولى تحضير الأكل لي، كما أن أشقائي كلهم مارسوا ألعاب القوى، وتحديدا سباقات السرعة. حي بوركون الذي ترعرعت فيه فإنه كان يقطن بجوارنا رياضيون بارزون ككريمو ورشيد الداودي والراحل التيسير وبنبراهيم، لقد كانت هناك حركية كبيرة وحبا لممارسة الرياضة. - كنت وراء تنظيم المناظرة الوطنية الثانية للرياضة في أكتوبر من سنة 2008، لكن الرياضة المغربية مازالت في تراجع، هلا تحدثت لنا عن هذه المناظرة وظروف تنظيمها؟ أتأسف كثيرا للوضعية التي صارت عليها الرياضة المغربية، فلقد اجتهدنا كثيرا لعقد المناظرة الوطنية الثانية للرياضة سنة 2008، وقد انخرط فيها المغاربة بقلوبهم، وآمنوا بها، وكان رهاننا كبيرا أن تكون انطلاقة لطي صفحة وبداية عهد جديد للرياضة المغربية. لقد عقدنا المناظرة من أجل وضع اليد على مكمن الداء، خصوصا أنني تابعت عن قرب تجارب مجموعة من البلدان، كما حاولت توظيف شبكة العلاقات المتواضعة التي كونت، وقد مد الكل يده لي، من لجنة أولمبية دولية والفيفا و 28 اتحادا دوليا، أعددنا أيضا مشاريع لمحاربة الشغب والمنشطات، وقوانين للتربية البدنية. كان الأمل كبيرا أن تشكل المناظرة انطلاقة جديدة للرياضة المغربية، على أن نبدأ في قطف الثمار بعد ذلك، وقد قمت بمعية أطر الوزارة بعملية مسح شامل لكل جهات المملكة، واستمعنا لكل المتدخلين، لنحدد مكامن الخلل ونرسم طريق الإصلاح. كنت أرغب في أن نعود للجلوس بعد سنة لتقييم حصيلة العمل، ونمر إلى التنفيذ، لكن كثيرين رأوا أن المدة قصيرة جدا، فاتفقنا على أن نعود للطاولة بعد عامين لنرى ماذا فعلنا وماذا تمخض. كان للمناظرة الوطنية للرياضة وقعها الكبير، كما أن الرسالة الملكية للمناظرة كان لها وقع خاص فقد كانت من مستوى عال جدا، وتطرقت لكل شيء، وحددت مكامن الخلل ورسمت طريق الإصلاح، وكل من قرأ الرسالة إلا وسيجد نفسه معنيا بها، وكل واحد سيجد أن له قسطا من المسؤولية، وربما يقول في قرارة نفسه يجب أن أنسحب. الرياضة في حاجة دائما إلى دينامية جديدة، وإلى أفكار، فطوماس باخ رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، وضع خطة عمل تمتد إلى سنة 2020، هي مدة ولايته، لأنه لا يعرف إن كان سيترشح لولاية أخيرة من أربه سنوات. هذه الأجندة هي نتاج برنامجه الانتخابي، ونتاج برامج خمسة مرشحين كانوا يتنافسون معه من أجل تولي الرئاسة، لكن باخ قام بجمعهم، وقال لهم إن الهدف الذي يوحدنا جميعا هو خدمة الرياضة والحركة الأولمبية، لذلك أنا أقترح أن أعد أجندة تتضمن الأفكار الواردة في برامجنا جميعا، وهو ما تم بالفعل، وبعد 8 أسابيع فقط عقد باخ اجتماع بريو دي جانيرو للمرور إلى مرحلة التنفيذ. لذلك، كنت أقول إن التقييم سيتم بعد عامين، على أن تكون الانطلاقة بعد أولمبياد لندن 2012، لنبدأ التحضير لأولمبياد ريو 2016بيد أنه حدث تغيير حكومي، وإذا كان فالوزراء عابرون، يأتون ويغادرون، وقد لا يمضون مدة طويلة في مهامهم، فإن المفروض أن تكون هناك استمرارية في الإدارة لأن الانطلاق دائما من نقطة الصفر ليس مجديا. فاليوم الكل يستعد للأولمبياد، والكل يسابق الزمن، وبدأ برنامج الطريق إلى ريو، فأين نحن من ذلك اليوم، خصوصا وأننا أصبحنا نملك بنية تحتية مهمة وإمكانيات لم تكن متوفرة في السابق. لقد اشتاق المغاربة للذهب، وأنا شخصيا ألمس هذا الأمر فكلما تواجدت في السوق أو الحمام أو في الطاكسي، إلا وطاردني هذا السؤال من طرف المغاربة، لذلك المناظرة فرصة ضاعت لإصلاح المشهد الرياضي . – الكثير من التوصيات التي جاءت بها المناظرة الوطنية، وجاءت في الرسالة الملكية لم تفعل؟ لقد تم تفعيل بعض الأمور من قبيل البنية التحتية وتنظيم التظاهرات الرياضية الدولية، فاليوم يحتضن المغرب مؤتمرات رياضية دولية مهمة، وينظم بطولات كبرى سواء في كرة القدم أو الجيدو أو الملاكمة أو ألعاب القوى وغيرها… كما أن صاحب الجلالة محمد السادس أعطى أوامره وتم رصد إمكانيات مادية مهمة، بيد أن هناك حلقة مفقودة في إعداد الرياضيين، كما أن النتيجة التي يتطلع لها المغاربة مازالت غائبة، فالمسؤول يجب أن يعطي العناية الكافية للبطل، وأن يكون هو شغله الشاغل، وأن يعرف هل تدرب جيدا أم لا، فليس كافيا أن يحصل الرياضي على راتبه ولا تتم مراقبته باستمرار، كما يلزم الاحتكاك، كما أن قوة الشعوب اليوم أصبحت في قوة أبطالها، فهناك دول تقوم بتجنيس الرياضيين لتحقق نتائج جيدة، أما نجن فعندنا طاقات ومواهب لكننا لا نستغلها على النحو الأمثل، فالبطل لايتم تحضيره بين عشية وضحاها، فالمغاربة عندما تابعوني رفقة عويطة لدى تتويجنا بالذهب الأولمبي، فإنهم تابعوا الإنجاز الذي تحقق فقط، ولم يتابعوا حجم المعاناة والتداريب الشاقة التي كنا نخوضها. اليوم الإمكانيات متوفرة، لكن إذا لم تكن هناك وسائل تكوين البطل، فإن النتائج لن تتحقق، هناك أبطال ينتمون لدول تعيش القهر والفقر ويحققون نتائج لبلدان تقوم بتجنيسهم، نحن لا نريد نتائج بهذه الطريقة، وحتى أبطالنا لديهم قسط من المسؤولية فعندما تلوح الفرصة على البطل أن يمسك بها. عندما تتابع توصيات اللجنة الأولمبية، ستجد أن في الاجتماعات التي نعقدها هناك دائما ممثل للرياضيين، يحدد الحاجيات التنظيمية للسهر على راحة المشاركين في الأولمبياد، كما أن المؤطر الذي يرافق بعثة مشاركة يجب أن تتوفر فيها شروط خاصة جدا، من إلمام بلغة البلد الذي سيسافر له، وأن تكون لديه إجابات عن كل الأسئلة التي يمكن أن تطرح عليه، أيضا المدرب إذا كان يشتد به الخوف أثناء المنافسات فإنه سيزرع الرعب في البطل المشارك، فهل يملك مقومات إعداد ومرافقة الرياضي المشارك. اليوم عبد القادر قادة الذي ساهم بقسط وافر في صنع اسم هشام الكروج ورافقه في تداريبه وأشرف عليه، يتواجد بقطر، فلماذا لا نستفيد منه، وإذا كان المجال قد فتح أمام آخرين، فهل سيحققون نتائج أفضل، لأنه كما أسلفت فالنتيجة هي المحدد النهائي. – هل اتصلت بك جامعة الكرة من أجل الاستفادة من شبكة علاقاتك الدولية بعد الخلاف الذي نشب مع الاتحاد الإفريقي، ولجوئها إلى «الطاس» بعد العقوبات التي صدرت بحق المغرب؟ لم يتصل بي أي أحد، ولو تم الاتصال بي لما ترددت في المساعدة، خصوصا وأن لدي علاقات جيدة بكل من جوزيف سيب بلاتر، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا، وأيضا عيسى حياتو، رئيس الاتحاد الإفريقي، ذلك أننا أعضاء في نفس لجنة المسابقات الأولمبية. – عينت مرتين كوزيرة لقطاع الرياضة، ما الفرق بين التجربتين خصوصا أنك في المرة الأولى كنت دون غطاء حزبي، بخلاف المرة الثانية حيث استوزرت باسم التجمع الوطني للأحرار؟ في المرة الأولى كان الأمر يتعلق بتجربة أولية، إذ أن الراحل الحسن الثاني أراد أن تنخرط المرأة في الاستوزار وتصبح مسؤولة حكومية، كنا حينها أربع وزيرات في إطار تدبير مرحلة انتقالية، وقد تقبلني الجميع بترحاب، في المرة الثانية كان الأمر مختلفا، وقد استفدت كثيرا وكان هناك ثقل كبير للمسؤولية، فالقطاع الذي أشرفت عليه بقي بدون وزير لمدة سبع سنوات، وبدت الوزارة أشبه بمولود جديد، إذ كان علي أن أعيد الثقة لأطر وزارة الشباب والرياضة، لأن القطاع كان تابعا للوزير الأول، كنا نسابق الزمن لتدارك ما فات، كما وجدت أطرا في مستوى عال، يتمتعون بالصبر، ويتحلون بالإنتاجية، احتفلنا بخمسينية الاحتفال باستقلال المغرب، وبدأنا نعيد الثقة لأطر الوزارة الذين أصبحوا يحسون بالغبن والتذمر، وأضحوا يخجلون من أن يقولوا إنهم أطر في قطاع الرياضة والشباب، ثم جاءت بعد ذلك فكرة المناظرة الوطنية للرياضة التي تجندت لها أطر الوزارة التي قامت بعمل مهم، وتوزعت عبر مختلف جهات وأقاليم المملكة. وبما أن تجربة المناظرة الوطنية للرياضة كانت مهمة، فقد حاولنا كحزب قبل سنتين أن نمضي في هذا الاتجاه حيث عقدنا يوما دراسيا بصفتي مسؤولة عن قطاع الرياضة داخله بحضور سيرجي بوبكا وجان فرانسوا لامور البطل والوزير السابق ومسؤول قطري، خصوصا أن هذه الدويلة أصبح رائدة اليوم في مجال تنظيم التظاهرات الرياضية، ذلك أنها في المرحلة المقبلة ستنظم 60 تظاهرة رياضية دولية عالمية. – يعيش قطاع الشباب والرياضة على وقع التغييرات، فكل وزير يأتي باستراتيجية مخالفة للذي سبق، ألا يؤثر ذلك على القطاع؟ بلا شك فهناك خسارة وضياع للوقت والجهد، فكل حزب يريد أن يضع بصمته على القطاع، لو كان الوزير سيمضي مدة طويلة، لما كان هناك إشكال، لكن بما أن المدة قصيرة فالمفروض أن تكون هناك استمرارية على مستوى الإدارة والتوجهات الكبرى حتى لا نهدم كل ما بنيناه. – إلى وقت غير بعيد كنت تنظمين سباقا نسويا، أصبح يستقطب 30 ألف مشاركة، لكن هذا السباق لم يعد له وجود، ما هو السبب؟ لقد نظمت هذا السباق بهدف فتح المجال أمام المرأة، وقد بدأ هذا السباق يكبر، وأصبح له إشعاع مهم، حتى أن مدينتي باريس الفرنسية وميلانو الإيطالية حاولت الاستفادة من تجربة هذا السباق من خلال شراكات، كما أن عمدة باريس التقى بالسيد ساجد عمدة مدينة الدارالبيضاء. لقد ظل عدد المشاركات يتزايد كل سنة، إلى أن وصل سقف 30 ألف مشاركة، بل إن جهات أصبحت تعرض علينا تقديم الدعم، وبعد مضي 10 سنوات ارتأيت أن أدخل مجالا آخر من خلال رفع التهميش عن المرأة القروية ومساعدتها والاقتراب منها، ذلك أننا في إطار الجمعية التي أترأسها ننظم لقاءات تهم المرأة القروية تحت سفوح الجبال. – التقيت مجموعة من رؤساء الدول بصفتك مسؤولة داخل اللجنة الأولمبية الدولية، هل هناك أشياء مازالت عالقة في ذاكرتك؟ كل اللقاءات التي نعقدها تتم في إطار مهني واحترافي بصفتي مسؤولة داخل اللجنة الأولمبية الدولية، وأكثر ما يسعدني هو أنهم يلتقون معي أيضا كمغربية، لكن أكثر من التقيتهم هي الرئيسة البرازيلية داسيلفا، فرئيس اللجنة الأولمبية الدولية طوماس باخ أصر على أن أمثل اللجنة الأولمبية في حفل تنصيبها، وقال لي أنت المسؤولة عن لجنة تنظيم أولمبياد ريو وأنت التي سيكون لك لقاءات مع رئيسة البلاد، وبالتالي من الأفضل أن تحضري حفل التنصيب، وفعلا لما أردت أن أقدم نفسي للرئيسة البرازيلية، قالت لي لا داعي لذلك، فأنا أعرفك جيدا، وكنت أحضر للقاءات التي كانت تعقد في عهد الرئيس السابق، واتذكر ملاحظاتك جيدا، ذلك أن داسيلفا كانت مديرة ديوان الرئيس البرازيلي السابق، وهو ما سهل علينا العمل في ما بعد لمتابعة سير الأشغال تحضيرا لأولمبياد ريو.