حذر متدخلون, خلال ندوة احتضنتها الرباط، نهاية الأسبوع الماضي، من فشل المجلس الاقتصادي والاجتماعي على غرار تجارب سابقة عرفها المغرب، في حال لم يتمتع بحرية أوسع في العمل، داعين إلى ضرورة وجود شرط الاستقلالية في عمل هذه المؤسسة التي دعا الملك في خطاب العرش الأخير إلى تفعيلها، بعد تأخير دام سبعة عشر سنة على التنصيص عليه في الدستور، ومتسائلين عن الدور الذي سيقوم به المجلس الاقتصادي والاجتماعي، والتركيبة التي سيتخذها والمكانة التي سيحتلها إلى جانب المؤسسات الرسمية الأخرى، عن هامش الفعل الذي سيُمنح له في مجال تخصصه. وبعدما سجل المتدخلون، خلال الندوة التي نظمتها المجلة المغربية للسياسات العمومية بتعاون مع مؤسسة فردريك نيومن، إجماعهم على الحاجة الملحة لإحداث المجلس، أبدى عدد منهم «ملاحظات خاصة» فيما يتعلق بطبيعة تركيبة هذه المؤسسة كنموذج مغربي واختصاصاتها ومدى استقلاليتها عن الحكومة والبرلمان. وفي كلمته، اعتبر الرئيس السابق للاتحاد العام لمقاولات المغرب، عبد الرحيم الحجوجي، أن شرط الاستقلالية ضروري في عمل هذه المؤسسة حتى تكون ذات فعالية، متسائلا في الوقت ذاته عما إذا كان بالإمكان تجاوز المجلس لمهام الاستشارة لتكون له جرأة أكبر وهامش حرية أوسع ليكون أداة اقتراحية في السياسة الاقتصادية والاجتماعية، خاصة في غياب مؤسسة لها صلاحية التخطيط الاقتصادي على المدى البعيد. والاستقلالية أيضا كشرط للعمل هي ما دعا إليه الفاعل النقابي، عبد القادر أزريع، الذي اعتبر أن الاستقلالية، إلى جانب الموضوعية، هما شرطان أساسيان لفعالية المجلس، قبل أن يبرز السياق التاريخي الأوربي لتجربة المجالس الاقتصادية والاجتماعية وأيضا الظرفية الوطنية التي يبقى عنوانها البارز هو مأزق الحوار الاجتماعي كعوامل مؤثرة في خلق مثل هذه المؤسسات. ومن جهته، سعى الباحث الجامعي، لحسن حداد، إلى وضع الموضوع في سياقه السياسي والتاريخي، منتقدا الحاجة إلى المجلس، ومشيرا في نفس السياق، إلى أن إحداث المجلس الاقتصادي والاجتماعي يدخل في نسق الإصلاحات التي باشرها المغرب منذ عقد التسعينيات، قبل أن يتساءل عما إذا كانت تلك الإصلاحات تتوخى فعلا دمقرطة البلاد أم فقط إضفاء نوع من التحديث على المؤسسات دون المساس بجوهر الحكامة، بحسبه، ليلخص إلى أن هناك أزمة رؤية واضحة للإصلاح حيث تم تدشين عدد من الإصلاحات دون وجود تعاقد، وهو ما قد يؤدي إلى أن يكون مصير هذه المؤسسة هو الفشل على غرار مؤسسات سابقة مثيلة كمجلس الشباب والمستقبل ومجلس الحوار الاجتماعي. وبالنسبة لكلمة وزير التشغيل والتكوين المهني، جمال أغماني، التي قدمها نيابة عنه رئيس ديوانه، عبد الرزاق الحنوشي، فقد اقتصرت على توضيح مهام هذا المجلس وطابعه الدستوري والمسؤوليات المنوطة به وتركيبته وكيفية اختيار أعضائه وعمله، في سياق التجارب المقارنة من أوربا ودول المغرب العربي. واعتبرت الناشطة الحقوقية ورئيسة جمعية «الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان»، خديجة مروازي، أن مناقشة مشروع إحداث المجلس الاقتصادي والاجتماعي هو مناسبة لمساءلة حصيلة وفعالية باقي المؤسسات المتدخلة في الموضوع، ومؤكدة أيضا الحاجة الماسة إلى وجود هذه المؤسسة خاصة في ظل غياب رؤية اقتصادية واجتماعية واضحة لدى الحكومة. وبعد أن أشار المتدخلون، في الندوة التي أدارها كل من الباحث الجامعي حسن طارق والصحافي بالقناة الثانية عبد الصمد بنشريف، إلى أن المغرب هو البلد الوحيد بمنطقة البحر الأبيض المتوسط الذي لا يتوفر على مثل هذه المؤسسة، دعا فاعلون نقابيون وممثلون عن أرباب مقاولات إلى ضرورة إحداث المجلس الاقتصادي والاجتماعي، في الوقت الذي شكك البعض في استقلالية هذه المؤسسة وفعاليتها، التي تبقى تركيبها خاضعة لوصاية الحكومة، بحسب ما ذهب إليه هؤلاء، وبالنظر إلى اختصاصاته التي لا تتجاوز حدود الاستشارة وليس التقرير، فضلا عن عدم تدخله لمناقشة قانون المالية، في الوقت الذي انتقد فيه جزء آخر من المتدخلين ما أسموه «غياب استراتيجية» اقتصادية مغربية واضحة، وكذا غياب أي تقييم دقيق لوقع الأزمة الاقتصادية العالمية على الاقتصاد الوطني.