رغم أن المغرب كان من بين أول البلدان التي امتلكت قانونا خاصا بحماية الملكية الصناعية، منذ حوالي قرن من الزمن، ورغم أن المخترعين المغاربة التحقوا بالاتحاد العالمي للمخترعين في السنة نفسها التي التحق به المخترعون الصينيون، إلا أن واقع الاختراع في بلادنا ظل «مخجلا» للغاية مقارنة بما وصلت إليه بلدان أخرى، نتيجة تكالب مجموعة من العوامل، على رأسها التدخل الفرنسي وضعف الإطار القانوني وغياب الوعي الحكومي بقطاع هو من أهم مفاتيح التنمية الاقتصادية. في 18 دجنبر الماضي، دخلت التعديلات على قانون حماية الملكية الصناعية حيز التطبيق، وموازاة مع ذلك تحركت الآلة الرسمية للتنويه ب«الطفرة» التي سيحققها القانون الجديد، خاصة على مستوى تعزيز القدرات الوطنية في مجال الابتكار واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، رغم أن الواقع خلاف ذلك. الحكومات المتوالية على المغرب انتظرت ما يقارب قرنا من الزمن من أجل إدخال تعديلات بسيطة على قانون الملكية الصناعية، الذي وضعته فرنسا سنة 1916 إبان فترة الحماية بما يخدم مصالحها، والذي لم يكن أحد من قبل ينظر إليه بالأهمية اللازمة، رغم أنه يمثل أحد مفاتيح التنمية في جميع بلدان العالم. والمثير في التعديلات الجديدة، التي تم إدخالها على قانون الملكية الصناعية، ودائما بتنسيق مع الفرنسيين الذين مازالوا يضعون أيديهم على هذا الملف، أنها ركزت على الشق المتعلق ببراءات الاختراع، حيث أدخلت عليه بعض التنقيحات الشكلية والمسطرية دون أن تهتم بالجانب الأساسي المتعلق بمستوى الحماية التي تقدمها الدولة لبراءات الاختراع، ما يعني أن المخترعين المغاربة ستستمر معاناتهم مع مسألة الاعتراف الدولي باختراعاتهم، وأن المغرب سيواصل تضييع الفرص الاقتصادية الكبرى التي يتيحها هذا المجال. براءات اختراع «بدون ضمانة الحكومة» أن تكون مخترعا في المغرب، فذلك يعني مباشرة الاستعداد لتحصد خيبة الأمل تلو الأخرى، فشعلة الأمل سرعان ما تخبو وتتحول إلى يأس قاتل، بعد أن يصطدم المخترع بصخرة الواقع، وبعد أن يكتشف الفخ القانوني الذي نصبته فرنسا لعباقرة المغرب، الذين منهم من تم تجاهله، ومنهم من أوصدت كل الأبواب في وجهه ولم يجد ولو فرصة لعرض ابتكاره على الجهات ذات الاختصاص، ومنهم من تمت سرقة اختراعه بحجة أن براءة الاختراع التي حصل عليها غير مضمونة من طرف الحكومة. ويجمع المحللون على أن براءة الاختراع هي صك الملكية الصناعية الذي يحمي الابتكار التقني، فهي القادرة على منح الحماية للمخترع لمدة 20 عاما في حدود إقليم الدولة حيث منحت هذه البراءة، أو أحيانا حتى خارج هذه الدولة. ورغم أن التعديلات الجديدة التي أدخلت على قانون الملكية الصناعية تهدف، حسب وزارة الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي، إلى تحسين براءات الاختراع من خلال تبني مسطرة وطنية جديدة لمنح براءات اختراع تستجيب لمعايير الرقي بالنظام الحالي للتسجيل، وإعطاء قيمة مضافة فيما يتعلق بتقييم معايير استصدار البراءة، ومساطر وتدابير بسيطة وشفافة لتسليم براءة الاختراع، إلا أن انتقادات كبيرة مازالت توجه من طرف المتخصصين إلى القانون الجديد. ويضع مصطفى أقسمان، المستشار في الملكية الصناعية بالمغرب، الأصبع على الداء في التشريع الخاص بالملكية الصناعية، معتبرا أن مبدأ «بدون ضمانة الحكومة»، الذي لازال معمولا به إلى الآن، أصبح متجاوزا، وقد ساهم كثيرا في تهميش المغرب في السباق العالمي نحو التطور التقني والتكنولوجي. ويؤكد أقسمان أنه في بداية القرن الماضي، كانت معظم الدول التي تملك قوانين خاصة بالملكية الصناعية تخضع لمبدأ «بدون ضمانة الحكومة»، الذي وضعته فرنسا منذ القرن الثامن عشر، وبالتالي كانت جميع الهيئات المخولة بإصدار براءات الاختراع تمنح هذه الأخيرة وهي تحمل إشارة «بدون ضمانة الحكومة»، انطلاقا من أنها لم تكن تملك الإمكانيات والوسائل التقنية لضمان الاختراعات. لكن مع التطور التكنولوجي في مجال البحث عن الوثائق والمعطيات، أصبحت هذه الهيئات، وفق تصريحات أقسمان، قادرة على منح براءات اختراع أكثر مصداقية. وبالتالي، فمنذ ستينيات القرن الماضي، تخلت مجموعة من البلدان عن اعتماد مبدأ «بدون ضمانة الحكومة»، وعلى رأسها فرنسا التي سحبت هذا الشعار من براءات الاختراع التي منحتها منذ سنة 1968. لكن بالمقابل، ظل المغرب، حسب المستشار في الملكية الصناعية، يغرد خارج السرب وحيدا، وظل شعار «بدون ضمانة الحكومة» يزين براءات الاختراع التي يمنحها، بإيعاز من الفرنسيين الذين كانوا يقومون بالتعتيم على المسؤولين المغاربة، مما تسبب في مشاكل كبيرة للمخترعين المغاربة، وساهم في تراجع قوي للابتكار والاختراع، بالنظر إلى أن الشركات العالمية كانت لا تعطي اعتبارا للاختراعات المغربية لأنها غير مضمونة. وقد تعاظمت النتائج السلبية لاستمرار الدولة في اعتماد مبدأ «بدون ضمانة الحكومة» لتطال قطاع البحث العلمي، والاستثمارات الأجنبية التي كان من الممكن أن تساهم بشكل كبير في النهوض بالاقتصاد الوطني منذ ستينيات القرن الماضي. والمثير، حسب أقسمان، أن تعديل القانون الخاص بالملكية الصناعية، والذي نشر في الجريدة الرسمية في دجنبر الماضي، لم يبد أي التفاتة للبند المتعلق بمبدأ «بدون ضمانة الحكومة»، رغم نتائجه الكارثية على التنمية في بلادنا. ويبدو من الواضح أنه في ظل هذه الظروف، وفي ظل استمرار العمل بهذا المبدأ سيبقى المغرب دائما، وفق وجهة نظر المستشار في الملكية الصناعية، على هامش التقدم التقني والتكنولوجي العالمي، وهي مسألة تدعو إلى القلق، وتحتم دق ناقوس الخطر، خاصة في ظل انخراط بلادنا في المشروع الكبير لتقييم الرأسمال اللامادي، والذي يشكل الابتكار والاختراع أحد عناصره الأساسية. أرقام مخجلة حول الاختراع بالمغرب الأرقام المتعلقة ببراءات الاختراع في المغرب تظل مخجلة مقارنة مع ما وصلت إليه البلدان المتقدمة في هذا المجال، ففي سنة 2013 وضعت الجامعات المغربية 139 طلب براءة اختراع فقط، حيث جاءت جامعة الرباط الدولية في الرتبة الأولى ب 47 طلبا، ثمانية منها على المستوى الدولي، في حين احتلت جامعة مولاي إسماعيل بمكناس الرتبة الثانية ب 30 طلبا، خمسة منها على المستوى الدولي، بينما احتلت الرتبة الثالثة المؤسسة المغربية للعلوم المتقدمة والابتكار والبحث، التي وضعت 24 طلبا لبراءات الاختراع على المستوى الوطني، و8 على المستوى الدولي، وجاءت جامعة محمد الخامس السويسي رابعا ب22 طلب إيداع وطني و9 طلبات دولية، وجامعة الحسن الأول بسطات ب9 طلبات وطنية وطلب واحد دولي. وإذا ما قارنا هذه المعطيات بالأرقام الخاصة ببراءات الاختراع في الصين، وهو البلد الذي انضم إلى الاتحاد الدولي للمخترعين في نفس السنة التي انضم فيها المغرب، أي 1986، نجد أن الصين سجلت أزيد من 629 ألف براءة اختراع في سنة 2013، وهو ما يزيد بمقدار 200 ألف عن الولاياتالمتحدة، وفقا لدراسة نشرتها شركة «تومسون رويترز». وتسعى بكين إلى أن تصبح لاعبا كبيرا في صناعات التقنية العالية في وقت تواجه فيه البلاد تباطؤا في النمو وارتفاعا في تكاليف قاعدتها الصناعية. وبحلول عام 2020، فإن الصين قد تكون عززت البيئة القانونية لحماية وإدارة الملكية الفكرية، وهي مساحة تمثل غالبا مصدر خلاف للشركات الأجنبية التي تقول إن قانون الملكية الفكرية في الصين يفضل أحيانا اللاعبين المحليين. وتبحث بكين أيضا الحد من طول عملية مراجعة براءات الاختراع وطلبات العلامات التجارية. حيث سيجري خفض وقت مراجعة براءات الاختراع إلى 20.2 شهرا في عام 2020 من 22.3 شهرا في عام 2013، في حين ستنخفض مراجعة العلامات التجارية إلى 9 أشهر من 10 شهور. الإطار القانوني والتكاليف المادية أبرز المشاكل وإلى جانب الإطار القانوني، الذي يجمع المخترعون المغاربة أنه لا يوفر لهم الحماية الكافية، يعاني معظم المخترعين بالمغرب من ضعف الاهتمام بهم، وبما ينجزون من اختراعات وابتكارات وعدم رعايتهم ومساعدتهم على ما يتطلبه مجال الاختراع من دعم مادي ومعنوي مكثف. ففي المعارض الوطنية يتم منحهم جوائز هزيلة لا تغني ولا تسمن من جوع، كما أن الكثير منهم لا يستطيعون الإسهام في هذه المعارض على ندرتها لأسباب تقنية أو تواصلية أو مادية في غالب الأحيان. وتشكل التكاليف المادية، كذلك، أحد العراقيل في وجه تطوير الاختراع في المغرب، فمن الشروط التعجيزية التي تواجه المخترعين المغاربة رسوم تسجيل الاختراع الواجب أداؤها للمكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية، إذ على المخترع أداء مبلغ مالي عن كل سطر من سطور الورقة التعريفية بالاختراع، وهذا ما لا يفصح عنه الموقع الرسمي للمكتب المذكور ويقتصر فقط على الإشارة إلى الوثائق المطلوبة لإيداع الرسم أو النموذج الصناعي، وهي 7 وثائق من ضمنها إثبات أداء الرسوم الواجبة. وقد تصل هذه الرسوم إلى 40 ألف درهم، علاوة على إلزامية أداء رسوم سنوية لمدة 20 سنة، وهي مدة حماية الاختراع سواء تم تسويقه أم لا. العلمي: المغرب طور تشريعاته في مجال حماية الملكية الصناعية في مقابل الانتقادات التي يوجهها الخبراء والمخترعون لمجال حماية الملكية الصناعية في المغرب، وخاصة للشق المتعلق ببراءات الاختراع، يؤكد وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي، مولاي حفيظ العلمي، أن المغرب نجح في ملاءمة تشريعاته وقوانينه الوطنية في مجال حماية الملكية الصناعية مع المعايير الدولية المعمول بها في هذا المجال. ويرى العلمي أن التعديلات القانونية، التي دخلت حيز التطبيق في 18 دجنبر من العام الماضي، تعتبر حلقة إضافية ضمن مسلسل التحديث التدريجي للتشريعات المحلية في مجال حماية حقوق الملكية الصناعية، والرامي إلى تعزيز القدرات الوطنية في مجال الابتكار واستقطاب الاستثمارات الأجنبية. وأبرز الوزير في هذا السياق أن ملاءمة القوانين المحلية مع المعايير المعمول بها دوليا في مجال حماية الملكية الصناعية سيساهم في تقوية جاذبية المغرب للمشاريع ذات القيمة المضافة العالية، وكسب ثقة المستثمرين الأجانب في المنظومة القانونية الوطنية. ومن جهة ثانية، أبرز العلمي أن من أهم التحديات التي تواجه الاقتصاد المغربي، إشكالية تقليد العلامات التجارية الكبرى، والتي تتسبب في خسارة سنوية تتراوح بين 6 و12 مليار درهم سنويا، ما يعادل 0.7 إلى 1.3 في المائة من الناتج الداخلي الخام، مضيفا أن خزينة الدولة تخسر، بسبب هذه الظاهرة، ما يقارب مليار درهم من المداخيل الضريبية، ما يعني فقدان 30 ألف منصب شغل إما بشكل نهائي أو انتقالها للعمل في إطار غير مهيكل. وفي ما يتعلق بالتعديلات الجديدة، أوضح الوزير أنها تهدف بالأساس إلى تطوير نظام تسجيل براءات الاختراع في المغرب، وتطوير النظام الوطني المتعلق بالعلامات التجارية، مع إصلاح النظام الوطني للرسوم والنماذج الصناعية، وتعزيز إنفاذ حقوق الملكية الصناعية، بالإضافة إلى تحديث مساطر إيداع الطلبات. أما فرنسا، التي تعتبر الماسك بزمام اللعبة في مجال الملكية الصناعية في المغرب، فترى على لسان بونوا باتستلي، رئيس المكتب الأوروبي للبراءات، أن التعديلات التي أدخلت على القانون الخاص بالملكية الصناعية في المغرب تشكل «تقدما دالا داخل المنظومة القانونية المرتبطة بالبراءات»، مسجلة أن هذا التطور «ستكون له تأثيرات جد إيجابية في مجال الابتكار والتنافسية». ويعتبر باتستلي أن البراءات تعد أداة استراتيجية تمكن من تعزيز الابتكار في مجال الإنتاج الصناعي، وتقوية القدرات التنافسية للاقتصاديات الوطنية، مع إسهامها في توفير مناصب الشغل، متناسيا أنه على امتداد قرن من الزمن لم يتمكن المغرب، بسبب عبارة «بدون ضمانة الحكومة»، من تحقيق التنمية الضرورية، وظل يستهلك بأثمنة باهظة ما تجود به فرنسا من اختراعات، وعلى رأسها تلك التي تهم مجال الأدوية، والتي مازال المغرب يؤدي حقوق براءات الاختراع الخاصة ببعض أنواعها رغم انتهاء صلاحيتها منذ زمن بعيد.