صدرت مؤخرا الترجمة العربية لكتاب الباحث الفلسطيني الكندي وائل حلاق» الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي»، وهو الكتاب الذي يدافع فيه مؤلفه عن أطروحة أساسية مفادها أن مفهوم «الدولة الإسلامية» مستحيل التحقق وينطوي على تناقض داخلي، وذلك انطلاقا من الأسس الفكرية والفلسفية والسياسية التي يقوم عليها مفهوم الدولة كما عرفت في العصر الحديث. يرى حلاق أن المسلمين اليوم يعيشون حالة من غياب الانسجام بين تطلعاتهم الأخلاقية والثقافية من جهة، والواقع الأخلاقي للعالم الحديث من جهة ثانية، ولذلك فإن استحالة الدولة الإسلامية اليوم تنبع من كون هذا التناقض يميل لصالح قيم العصر الحديث، الناتجة عن التنوير الأوروبي، ومن ثمة يدعو المؤلف إلى التعاون المشترك بين المسلمين والغرب من أجل التفاعل مع هذه القيم الحديثة، وجعل الأخلاق في النطاق المركزي للدولة، بدل الاستمرار في الحديث عن مفهوم أخلاقي قديم للدولة الإسلامية التي وجدت في الماضي. يقع الكتاب في سبعة فصول، يتناول الفصل الأول «الحكم الإسلامي النموذجي»، ويصف الفصل الثاني الدولة الحديثة «الدولة الحديثة النموذجية»، ويحدد «خصائص الشكل» التي تمثل الصفات الجوهرية للدولة الحديثة، ويقوم بتفكيك تلك الخصائص، معترفا في الوقت عينه بالتغيرات المتزامنة والتنوّعات المتلاحقة في تكوين تلك الدولة.أما الفصل الثالث «الفصل بين السلطات: حكم القانون أم حكم الدولة»، فيناقش مفاهيم الإرادة السيادية وحكم القانون في ما يخص مبدأ الفصل بين السلطات؛ مستعرضا الأطر والبنى الدستورية لكل من الدولة الحديثة والحكم الإسلامي، بينما يعالج الفصل الرابع «القانوني والسياسي والأخلاقي»، معنى القانون وعلاقته بالأخلاق. وفي الفصل الخامس «الذات السياسية والتقنيات الأخلاقية لدى الذات» يرى المؤلف أن الدولة القومية الحديثة والحكم الإسلامي يميلان إلى إنتاج مجالين مختلفين من تكوين الذاتية، وأن الذوات التي ينتجها هذان المجالان النموذجيان تتباين تباينا كبيرا، الأمر الذي يولد نوعين مختلفين من التصورات الأخلاقية والسياسية والمعرفية والنفسية والاجتماعية للعالم. وفي الفصل السادس «عولمة تضرب حصارها واقتصاد أخلاقي» يرى المؤلف أن الأشكال الحديثة للعولمة ووضع الدولة في هذه الأشكال المتعاظمة القوة، يكفيان لجعل أي صورة من الحكم الإسلامي إما أمرا مستحيل التحقق، وإما غير قابل للاستمرار على المدى البعيد إذا أمكن قيامه أصلا. ويختم الكاتب بالفصل السابع «النطاق المركزي للأخلاقي»، بالكلام عن المآزق الأخلاقية الحديثة. ويرى المؤلف أن استحالة فكرة الحكم الإسلامي ناتجة بصورة مباشرة من غياب بيئة أخلاقية مواتية تستطيع أن تلبي أدنى معايير ذلك الحكم وتوقعاته، كما يرى أن هذه الاستحالة هي تجل آخر لعدة مشاكل أخرى، مثل الانهيار المطرد للوحدات الاجتماعية العضوية ونشأة أنماط اقتصادية استبدادية. وحسب المؤلف فإن الدولة، وفق هذا النموذج، تعكس رؤية كاملة للعالم هي رؤية النزعة الإنسانية القائمة على فكرة الاستقلالية والتميز، أي اكتفاء الإنسان بذاته، والفصل بين الواقع والقيم، وإسناد القيمة المعيارية للأشياء إلى التواضع الاجتماعي والحرية الفردية، أي ذاتية الإنسان الراشدة غير المقيدة بأي سقف مطلق أو مفارق. وينطلق من هذا التصور ليرفض استنتاج بنية قانونية من هذه المعايير المطلقة، معتبرا أن النسق الإسلامي يغلب عليه البعد الأخلاقي، وليست الالتزامات والإكراهات سوى «آثار عرضية» للرسالة الدينية التي تحدد الأحكام وفق السياقات الاجتماعية زمانا ومكاناً مع الاحتفاظ بمسؤولية التأويل الحر والاجتهاد المفتوح. ويدعو حلاق، وهو باحث مسيحي كندي ذو أصول فلسطينية، إلى حوار واسع بين الثقافات لتجاوز نزعات الانكفاء الخصوصي والعرقية المركزية، من أجل هدف مشترك هو النقد الأخلاقي للحداثة، ولنموذجها السياسي الذي هو الدولة القومية الشاملة، يشارك فيه الجميع من منطلقاته الثقافية. وسبق لحلاق أن أصدر بالإنجليزية مجموعة من الكتب الرصينة تناولت في مجملها حقل الدراسات الفقهية، من بينها ثلاثيته الشهيرة التي صدرت باللغة الإنكليزية عن منشورات جامعة كمبردج البريطانية وهي: «تاريخ النظريات الفقهية في الإسلام»، «السلطة المذهبية التقليدية والتجديد في الفقه الإسلامي»، و«نشأة الفقه الإسلامي وتطوره».