مولاي اسماعيل العلوي، رجل اجتمعت فيه كل الهويات والتقت عنده كل التوجهات المتناقضة، بانسجام.. فهو الشريف العلوي، والمناضل الشيوعي، وحفيد الإسلامي (عبد الكريم الخطيب)، وابن الباشا، أمه حفيدة الكباص، وزير الحرب والصدر الأعظم، وخاله (عبد الرحمان الخطيب) وزير الداخلية، وابن خالته (حسني بنسليمان) أقوى جنرالات المملكة… على «كرسي الاعتراف»، يُقر مولاي اسماعيل بأن شخصيته تأثرت بثلاث شخصيات: «أبي الذي ألهمني الجدية والاستقامة؛ وجدتي لأمي، للا مريم الكباص، التي كانت شخصية قوية، وكانت تحارب الخرافات إلى درجة أنها كانت تنكر وجود الجن؛ وخالي عبد الرحمن الخطيب (وزير الداخلية الأسبق) الذي ألهمني فكر الحداثة والعقلانية». على «كرسي الاعتراف»، يحكي مولاي اسماعيل عن الوعي الوطني الذي «داهمه» وهو لم يتجاوز الرابعة من عمره، عندما احتل العساكر الفرنسيون بيتهم في سلا، عقب انتفاضة يناير 1944، وكيف كانت الأميرات، كريمات محمد الخامس، يسألنه وهو طفل، عند زيارتهن لبيت جدته في الجديدة، عن انتمائه الحزبي فيجيب: «أنا حزبي مخزز» (يعني استقلالي حتى النخاع). ثم يتوقف مولاي اسماعيل طويلا عند استقطابه من طرف السينمائي حميد بناني إلى الحزب الشيوعي، وكيف أن والده، الرجل الصارم، لم يفاتحه في الموضوع، ولكنه بكى -في غيابه- بحرقة على تحول ابنه إلى الشيوعية. في «كرسي الاعتراف»، نتطرق مع مولاي اسماعيل العلوي إلى تجربته السياسية والإنسانية الغنية بالأحداث والأفكار. - قبيل انتخابات 2002 البرلمانية، انفجرت القضية التي ستعرف ب»فضيحة النجاة»، والتي ذهب ضحيتها 30 ألف شاب مغربي تم النصب عليهم من طرف شركة إماراتية أوهمتهم بالتشغيل في بواخر سياحية، ثم سلبتهم واجبات التسجيل والمقابل المادي لإجراء فحوصات طبية في مصحة بعينها. وقد اتهم الاتحاديون الأمين العام لحزب الاستقلال، عباس الفاسي، الذي كان يشغل منصب وزير الشغل في حكومة التناوب الثانية، بالتورط في هذا الملف، خصوصا وأنه قيل إن المرشحين كان يتم تسجيلهم في مقرات حزب الاستقلال وتبطيقهم ببطاقة الانتماء إلى الحزب ذاته، كشرط لقبول ترشيحهم؛ ما حقيقة ذلك؟ كانت هناك أخطاء كبيرة في هذا الملف، مبنية على عدم التبصر وعدم الموضوعية. ما معنى أن تتحول مقرات حزب معين إلى مقرات تقوم بعمل جهاز الدولة؟ هذه أخطاء لا تغتفر؛ ففي سيدي سليمان (الدائرة التي كان يترشح فيها)، حدث أن حزب الاستقلال كان يسجل الراغبين في العمل في مقره الحزبي، ولست أدري ما إن كان ذلك قد حصل في جهات أخرى.. وهذا خطأ مميت. - بعض هؤلاء الشباب تدمر وتشرد، والبعض انتحر، بعد اكتشاف أن العملية برمتها مخدومة ولا تعدو أن تكون نصبا واحتيالا… نعم، أحد ضحايا هذه العملية اتصل بي مرارا، قبل أن يهاجر إلى إسبانيا بشكل غير قانوني. وإلى حد الآن لا يقوى على العودة إلى المغرب لأنه يعرف المصير الذي ينتظره هنا. لقد حدثت جراء تلك القضية مشاكل عويصة… - ولم يتم تحميل المسؤولية قضائيا لأية جهة؟ مبدئيا، كان على القضاء أن يقول كلمته في هذه القضية، لكن «ما نعرف»… - بعد مرور انتخابات 2002، تم تكليف ادريس جطو بتشكيل الحكومة، فأصدر الاتحاد الاشتراكي بيانه الذي احتج فيه على عدم احترام المنهجية الديمقراطية، لكنكم في التقدم والاشتراكية لم تبدوا أي موقف، بل قبلتم بالأمر؛ لماذا؟ لأننا كنا على علم بكل الملابسات، وفهمنا بالتالي مواقف الملك. صحيح أنه كان بودنا أن يستمر السي عبد الرحمان اليوسفي في قيادة الحكومة… – يعني أن الملك اضطر إلى تعيين جطو بدل اليوسفي؟ يبدو لي ذلك، لا أتوفر على كل العناصر، لقد حَكيْتُ لك (في الحلقة الفائتة) الأسباب التي جعلت الملك لا يختار وزيرا أول من الاتحاد الاشتراكي أو من حزب الاستقلال، فقد سعى حزب الاستقلال مع الحركة الشعبية والعدالة والتنمية وأحزاب أخرى إلى تشكيل أغلبية ما، كما أن الاتحاد الاشتراكي لمّح إلى عدم رغبته في أن يبقى حزب الاستقلال هو حليفه الأول، ووصل الأمر ببعض القياديين الاتحاديين إلى التصريح بأن حزب الاستقلال لا يوجد ضمن أجندة الاتحاد الاشتراكي، ومن ثم نادى الملك على السي ادريس جطو… - لماذا لم تعبّروا في حزب التقدم والاشتراكية عن أي موقف مما حدث؟ «آش غادي تقول في هاذ الموقف.. تقول الله يهديكم يا هاذ الناس»… – كان يمكن أن تعبروا عن موقفٍ مطالبٍ باستمرارِ تقليدِ إسنادِ قيادةِ الحكومة إلى الحزب الحاصل على الأغلبية، أو من طرف أغلبية سياسية مشكلة حتى خارج الحزب الذي جاء في المرتبة الأولى. صحيح أن الملك لم يكن ملزما، دستوريا، بتعيين الوزير الأول من الحزب الحاصل على المرتبة الأولى، لكن رمزيا كان سيكون جيدا للمغرب لو استمر ذلك التقليد… فعلا، فعلا، هذه من الأمور التي يقول بها البعض ممن يعتبر أن السي عبد الرحمان اليوسفي كان بإمكانه الوصول إلى تشكيل أغلبية تضم حتى حزب الاستقلال. لكن «علاش النهار اللّوّل ينوضو يتناحرو بهذاك الشكل» إلى درجة أن كلاّ من الحزبين (الاستقلال والاتحاد الاشتراكي) كوّن كتلته ضدا على الكتلة الديمقراطية. - أنتم في التقدم والاشتراكية كنتم أقرب إلى عبد الرحمان اليوسفي من حزب الاستقلال؟ طبعا، طبعا… - وكنتم تعتبرون أن عددا من الأمور التي يقوم بها حزب الاستقلال تدخل في باب العرقلة… صحيح، كان هذا. - قبل أيام، أصدر المفكر عبد الله العروي الجزء الرابع من مذكراته، التي اعتبر فيها تعيين ادريس جطو وزيرا أول «خطوة إلى الوراء، وعودة إلى حكومات التقنقراط»… صحيح، أنا متفق مع العروي في هذا التحليل، لكن كما يقول المثل: «اللي ضرباتو يدّو ما يبكي»، فلو كان هناك تشاور وتنسيق بين مكونات الكتلة، ونوع من المكاشفة الصريحة والموضوعية، والخالية من التشنج ومن الكلام الفارغ الذي تم إطلاقه، لكان ممكنا للتجربة أن تستمر وتتعمق وتتطور نحو الأحسن. من حسن الحظ أن حركة 20 فبراير سرعت بإخراج دستور 2011 وإنقاذ الموقف، فقد كان هناك كلام عن نجاح التجربة التونسية (تجربة بنعلي)، وهذا الكلام لم يكن كلاما مجانيا، بل كان يتم التحضير لقبول أشياء… – تقصد تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة في 2008؟ مثلا. - ما حقيقة أن اليوسفي كان ضد مشاركة حزبه، الاتحاد الاشتراكي، في حكومة ادريس جطو؟ لا أعرف، لكن الخطاب الذي ألقاه في بروكسيل كان خطابا قويا، ويستشف من ذلك الخطاب أنه لم يكن مع المشاركة في حكومة جطو.