مولاي اسماعيل العلوي، رجل اجتمعت فيه كل الهويات والتقت عنده كل التوجهات المتناقضة، بانسجام.. فهو الشريف العلوي، والمناضل الشيوعي، وحفيد الإسلامي (عبد الكريم الخطيب)، وابن الباشا، أمه حفيدة الكباص، وزير الحرب والصدر الأعظم، وخاله (عبد الرحمان الخطيب) وزير الداخلية، وابن خالته (حسني بنسليمان) أقوى جنرالات المملكة… على «كرسي الاعتراف»، يُقر مولاي اسماعيل بأن شخصيته تأثرت بثلاث شخصيات: «أبي الذي ألهمني الجدية والاستقامة؛ وجدتي لأمي، للا مريم الكباص، التي كانت شخصية قوية، وكانت تحارب الخرافات إلى درجة أنها كانت تنكر وجود الجن؛ وخالي عبد الرحمن الخطيب (وزير الداخلية الأسبق) الذي ألهمني فكر الحداثة والعقلانية». على «كرسي الاعتراف»، يحكي مولاي اسماعيل عن الوعي الوطني الذي «داهمه» وهو لم يتجاوز الرابعة من عمره، عندما احتل العساكر الفرنسيون بيتهم في سلا، عقب انتفاضة يناير 1944، وكيف كانت الأميرات، كريمات محمد الخامس، يسألنه وهو طفل، عند زيارتهن لبيت جدته في الجديدة، عن انتمائه الحزبي فيجيب: «أنا حزبي مخزز» (يعني استقلالي حتى النخاع). ثم يتوقف مولاي اسماعيل طويلا عند استقطابه من طرف السينمائي حميد بناني إلى الحزب الشيوعي، وكيف أن والده، الرجل الصارم، لم يفاتحه في الموضوع، ولكنه بكى -في غيابه- بحرقة على تحول ابنه إلى الشيوعية. في «كرسي الاعتراف»، نتطرق مع مولاي اسماعيل العلوي إلى تجربته السياسية والإنسانية الغنية بالأحداث والأفكار. - كيف نظرتم إلى الانشقاق الذي قاده التهامي الخياري عن حزبكم في 1997، وتأسيسه حزب جبهة القوى الديمقراطية؟ أولا، بالنسبة إلي شخصيا، فقد أحسست بألم كبير، لأن الانشقاق كان ضربة للحزب، وكان يمكن تلافيه. وقد أعلنت مرارا عن موقفي لوسائل الإعلام، مستشهدا بمقولة عمر بن الخطاب: «لا نسلّم أمرنا لمن يطلبه»، فإذا كان هناك شخص يطلب إسناد مهمة إلى نفسه، فمن المؤكد أن له هدفا… – … شخصيا؟ هدف شخصي أو غير شخصي. – هل قلت هذا بعد انفصال التهامي الخياري عن التقدم والاشتراكية؟ قلته قبل الانفصال وبعده. – لنعد، فخلال المؤتمر الخامس للتقدم والاشتراكية، لسنة 1995، التحقت أنت بالديوان السياسي، كعضو كامل العضوية، بعد أن كنت عضوا مساعدا بالديوان السياسي، في الفترة السابقة… نعم، كما كان التهامي الخياري بدوره عضوا مساعدا. – هل اعتبرتم انشقاق الخياري ومن معه خيانة؟ لا، كلمة خيانة غير واردة. يمكن أن تكون خيانة للعلاقات التي نسجت لعقود من الزمن، والتي ضربت برمتها في الصفر؛ لكننا لم نستعمل كلمة خيانة. – بماذا وصفتم الانشقاق؟ اعتبرناه خطأ وضربة لما كنا نطمح إليه جميعا. تصور لو بقينا موحدين (يصمت).. لكن كلمة «لو» لا معنى لها، وكما يقول الفرنسيون «Et si on mettait paris en bouteille» (وماذا لو وضعنا باريس في زجاجة). – إذا كان الدافع الرئيسي لانشقاق التهامي الخياري ليس فكريا إيديولوجيا أو سياسيا، بل كون الرجل أحس بأن طموحه إلى الوصول إلى رئاسة التقدم والاشتراكية، في المؤتمر الخامس، لسنة 1995، بات مستحيلا، فلماذا تنكر الخياري لأفكار وإيديولوجيا التقدم والاشتراكية، بعد تأسيس الحزب الجديد؟ التصريحات الأولى للتهامي الخياري، بعد خروجه من الحزب، تبرأ فيها حتى من اليسار؛ لكنه، لاحقا، ولله الحمد، راجع مواقفه، وتراجع عن تصريحاته. بيد أن ما ميز علاقتنا بالسي التهامي ومن صاحبه في العملية (الانشقاق) هو أننا لم ندخل أبدا في قطيعة معهم، فقد استمرت العلاقات الشخصية طبيعية، وكان بيننا عطف متبادل. – لكنكم في التقدم والاشتراكية حلتم دون التحاق جبهة القوى الديمقراطية بالكتلة الديمقراطية؟ لا، هذا لم يطرح أبدا. ربما كانت العناصر المكونة للكتلة قد فضلت، تلقائيا، عدم انضمام جبهة القوى الديمقراطية إلى الكتلة. – هل بادر التهامي الخياري إلى ضم حزبه إلى الكتلة؟ الله أعلم. – هل سبق أن ناقشتم انضمام جبهة القوى في أحد اجتماعات الكتلة؟ لا، لم يطرح الموضوع للنقاش أبدا. – قبل انشقاق مجموعة التهامي الخياري عن التقدم والاشتراكية بسنة، كان هناك، في 1996، انشقاق داخل منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، قاده عيسى الورديغي وعبد الله ساعف وعبد الصمد بلكبير والحبيب الطالب وطالع سعود الأطلسي وآخرون. وقد قيل إن الحزبين معا («الجبهة» و»PSD») خطط لهما ومول مؤتمراتهما ادريس البصري الذي صرّح بذلك لعدد من الصحفيين، بعد إبعاده من الداخلية. لا علم لي بهذا. لكن عملية شق الأحزاب لم تكن عملية صحية في أي ظرف من الظروف، حتى بالنسبة إلى الأحزاب الكبرى التي سايرت تطورات عميقة في تاريخ الإنسانية. هذا لا يعني أنني من دعاة التوافق والإجماع «L unanimisme»، لكن عملية الانشقاقات لا تخدم الأهداف الكبرى التي نتوخاها من العمل السياسي؛ فإن نحن أخذنا، مثلا، مؤتمر «تور» الذي أدى إلى ظهور الحزب الشيوعي الفرنسي سنة 1920، والانفصال عن المجموعة التي كان يوجد ضمنها مع الاشتراكيين، فسنجد أن ذلك الانفصال كان مضرا. عموما، فعملية الإخصاء تؤدي دائما إلى الإضعاف. الاختلاف في الرأي رحمة، رغم أنه يمكن أن يكون عرقلة للعمل. وما حدث داخل حزب الاستقلال، ثم داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وبعد ذلك في الاتحاد الاشتراكي، ثم في منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، وفي حزبنا، كان فيه إضعاف لهذه الأحزاب. لو كنا نقبل بالنقاش الرصين، المبني على تحاليل قوية، ما كنا لنختار تعدد الزوايا (يضحك). – في 1997، كانت الانتخابات التشريعية التي عرفت التزوير… التزوير.. نسبي، «ما نْعرفْ». – حزب الاستقلال الذي حصل على 32 مقعدا، وهي النتيجة نفسها التي حصل عليها حزب عرشان «الحركة الديمقراطية والاجتماعية»، اعتبر انتخابات 1997 من الانتخابات الأكثر تزويرا في تاريخ المغرب، وأن التزوير استهدفه هو بالخصوص، كرد فعل انتقامي على موقف أمينه العام امحمد بوستة الذي رفض، في 1993، قيادة حكومة يكون ادريس البصري وزيرا فيها. وهناك من الاستقلاليين من طالب بالانسحاب من البرلمان. هذه ردود فعل ذاتية؛ لكن، وللحقيقة، فأنا لا تحضرني الآن معطيات دقيقة حول هذه المحطة. – بعد هذه الانتخابات، نادى الحسن الثاني على اليوسفي واتفق معه على تشكيل الحكومة، بالرغم من أنكم لم تكونوا تتوفرون على أغلبية. ألم تكن هناك نية لدى الحسن الثاني لإشراك الكتلة في الحكم، لكن من موقع ضعف؟ نعم، وقد ساعدت أحزاب الكتلة على إضعاف نفسها؛ ففي 1993 كانت الحكومة ستكون منسجمة لو أننا قبلنا بالعرض الأول. – ألم تكن الأحزاب التي كنتم تنعتونها ب»الإدارية» ستكون شريكة لكم في الحكومة؟ كان يمكن أن يكون حزب أو حزبان في التشكيلة الحكومية، غير أننا كنا سندخل ببرنامج الكتلة. لكن في العرض الثاني لسنة 1998، اضطرت الكتلة إلى مفاوضة الأحزاب الإدارية التي تطورت وبدأت تتحرر من قبضة الإدارة. وفي النهاية، كانت الحكومة مشكلة من عدة أحزاب.