الآن: أصبح الصراع بينا واضحا بين قطبين سياسيين اثنين، الأول يقول إن عدوه السياسي كان يبتغي أن يقزم نفوذه ويلتهم قاعدته الشعبية وأن الهدف المتستر/المعلن لمشروعه السياسي هو القضاء عليه بكل الوسائل بل ويوجه إليه اتهامات مباشرة بأنه خرج من رحم الدولة «العميقة» ولم يتردد يوما في المطالبة بحله، لأنه في نهاية المطاف ليس سوى «أصل تجاري فاسد» أما الثاني فيقول إن مشروع غريمه السياسي هو «السيطرة على مؤسسات الدولة» والاستعانة بالحزب السري الذي خسر «شكاير دلفلوس» من أجل إقباره خدمة لمشروع مستورد من الشرق يريد إحياء ماضي الخلافة الإسلامية. في الظروف الطبيعية كان يمكن أن نقول إن الصراع بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة يدخل ضمن التدافع السياسي المشروع والمفيد جدا لتستأنف الدورة السياسية حياتها، لكن ما ليس طبيعيا أن الصراع وصل إلى قاموس ما «تحت الحزام» ودخلت حيوانات من قبيل الأفاعي و«الحلوف» والتماسيح وكائنات ميتافيزيقية أخرى إلى الحقل السياسي المغربي. والحال أن هذا القاموس لا يعمي الأبصار على طرح سؤال جوهري قد يكون مقدمة لفهم الحرب القائمة بين الحزبين منذ أن استطاع البام أن يحتل الرتبة الأولى في الانتخابات الجماعية سنة 2009: هل الصراع يمثل معركة وجود بين مشروعين سياسيين متناقضين؟ كان التصور السائد لدى كل المتتبعين للشأن السياسي بالمغرب بأن الحرب بين الحزبين ستضع أوزارها، لاسيما بعدما وصل حزب العدالة والتنمية لأول مرة إلى سدة تدبير الشأن الحكومي، لكن الذي حصل أعطى مؤشرات أكثر قوة من ذي قبل بأن الساحة السياسية المغربية مقبلة على حرب أكثر شراسة. في منظور البيجيدي، فإن حزب الأصالة والمعاصرة ليس حزبا عاديا وكثيرا ما لمح إلى أنه يخيف أصحاب رؤوس الأموال ويتدخل في شؤون الأحزاب الأخرى ليفصلها على مقاسه بهدف واحد: مواجهة الإسلاميين ويستدل بما حدث داخل حزبي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاستقلال. وفي منظور البام، فإن حزب العدالة والتنمية لا يخوض معركة سياسية أخلاقية بدليل أنه طالبه بالحل وأن «جوقة» الإسلاميين هدفها الأول والأخير إلغاء كل الأحزاب السياسية المغربية وبعد ذلك ستتفرغ لمواجهة المؤسسات. الأكيد أن «توازن الخوف» بات قائما بحدة بين الفريقين، فالبيجيدي الذي عاد إلى لغة الهجوم التي دشنها أمينه العام عبد الإله بنكيران لم ينس، حسب ما يظهر، اكتساح غريمه السياسي للانتخابات الجماعية لسنة 2009 ويخشى أن يتكرر السيناريو ذاته في الانتخابات المقبلة بالرغم من أنه يقود دفة الحكومة. وبالمقابل يخشى البام من أن يعزز البيجيدي فوزه بالانتخابات البرلمانية باكتساح آخر في الانتخابات الجماعية المزمع تنظيمها في شتنبر المقبل. لم تعد الحرب بين الحزبين تكتسي صبغة سياسية، إنما تجاوزتها لتصير نفسية. وإذا كان بنكيران، الذي يمثل البيجيدي في معركة «داحس والغبراء»، لم ينس ما فعله به إلياس العماري في الانتخابات الجماعية الماضية، فإن العماري نفسه لن ينسى يوما الهجمة الشرسة التي شنت ضده أيام كانت حركة عشرين فبراير العنوان الأبرز للساحة السياسية المغربية وحتى إشارات التقارب التي لاحت في الأفق خلال الشهور الماضية لا يمكن، في المدى القريب على الأقل، أن تؤسس لمرحلة «التعايش السلمي» بين الفريقين المتناحرين. إنها لوحة تشبه كثيرا واقعة خسارة عبس أمام ذبيان في الحروب الجاهلية، لقد استمرت الحرب أربعين سنة، فقط لأن عبس انتصرت على ذبيان في سباق الخيول في المسافات الطويلة. يواصل التاريخ «استعاداته الماكرة» وتتحول الرياضة في المغرب في القرن ال 21 إلى مجال محموم للتنافس وآخر فصولها تهديد فوزي لقجع رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم بتوقيف نشاط البطولة الوطنية، بسبب ما أسماه تصريحات غير مسؤولة لعبد الإله بنكيران حينما هاجم «بلطجة البام في الوداد» تلاها مباشرة نفيه لما ما قاله لقجع عن بكون رئيس الحكومة تعهد بعدم إقحام السياسة في الرياضة. هو إذن فصل جديد من الصراع الجديد/ القديم بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة وصلت أصداؤه إلى المدرجات، وهو فصل لا يلوح في الأفق أنه سينتهي قريبا لسبب وحيد هو أن الرهان على الفوز في الانتخابات لم يعد رهانا على «نخبة سياسية» تختار البرامج والسياسات وتحاسب الأفكار والتصورات، بل رهانا على شباب عاشق للرياضة يجد نفسه بغتة محشورا في حرب يسيرها آخرون. الغريب في كل القصة أن أحزاب ما يسمى بالحركة الوطنية لا تفعل شيئا سوى التفرج على ما يجري، وقليلون فهموا أن المشهد السياسي يسير في اتجاه «قطبية ثنائية»، وقد أثبتت كل فصول الصراع أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاستقلال، التي تمتلك رصيدا سياسيا في مواجهة السلطة وفي تدبير الحقل السياسي، في وضعية «تسلل بين» كما قال علي يعتة يوما فعوض أن تحاول أن تجد لها موطئ قدم في التدافعات القائمة راحت «تقوض» هياكلها الداخلية وتنخرط في حرب الزعامات والقبائل تاركة الباب مفتوحا على مصراعيه أمام تيارين كبيرين يتغذيان بهزائم الآخرين. فهل سيؤبن الصراع بين العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة أحزاب الحركة الوطنية؟